بقلم: نزار جاف
الأفکار الأخيرة التي طرحها محمد علي الحسيني"أمين عام المجلس الإسلامي العربي في لبنان" بخصوص إحياء مراسيم عاشوراء الإمام الحسين والملاحظات المتعددة التي أبداها بهذا الصدد، جرت بسياق يمکن من خلاله بلورة رؤية عصرية منفتحة لهذه المناسبة الدينية المتجددة على مر التاريخ و التي تحمل في طياتها مضامين ومبادئ إنسانية رفيعة المستوى، ولم يسع الحسيني إلى إبداء أطروحات أو أفکار خارج الخطوط والأبعاد الأصلية لفاجعة عاشوراء، وإنما استشفها واستقاها واستخلصها من متابعة وتفهم دقيقين لما طرحتها تلك الواقعة وکيفية تلقي تأثيراتها وأصدائها من جانب الناس.
وکما هو الحال دائماً، فإن الأخطاء والعثرات لا تأتي من أصل الوقائع والأحداث التاريخية العظيمة، وإنما يکمن الخلل وبيت الداء أساساً في کيفية تلقي تلك الوقائع والأحداث وکيفية تفسيرها وتأويلها ونوعية المحامل التي تحمل عليها في نهاية المطاف.
ولم تتعرض مناسبة عاشوراء لوحدها لمثل هذا النوع من التعامل، بل إن نظرة للتاريخ الإنساني على مر مختلف العصور، تثبت لنا أن الأخطاء والسلبيات کانت تطل برأسها من بين الجموع التي کانت تتلقى الأحداث والوقائع التاريخية والنمط والسياق والرؤية التي تفسر من خلالها کل ذلك، ومن المفيد هنا التوقف عند ملاحظة مهمة يبديها الدکتور علي شريعتي المفکر الإيراني المعروف الراحل في کتابه "العودة للذات"، عندما يتصدى لموضوع تلقي الحدث التاريخي بوعي وعقلية وفکر موضوعي، إذ يقول بأنه وعندما کان يلقي محاضرة في باريس أمام جمع من الأدباء والمثقفين والأكاديميين الفرنسيين عن واقعة عاشوراء، وجد الجميع منشدين و منصتين إليه بصورة غير عادية، وخمن الدکتور شريعتي في مخيلته بحسب مايقول في کتابه الآنف الذکر، بأنه لو کان قد ألقى نفس المحاضرة في إحدى المدن الإيرانية لما وجد نفس تلك الدرجة من الإصغاء، و يرجع الدکتور شريعتي السبب في ذلك إلى التحريف والتشويه اللذين طالا المناسبة وأخرجتها عن سياقها الأصيل الذي أطلت من خلاله على العالم.
الحسيني، وخلال مناسبات متباينة وطوال الأعوام المنصرمة، دأب على الترکيز على المسائل والأمور التي يمکن من خلالها تکوين رؤية مشترکة جامعة لمختلف المذاهب الإسلامية بصددها، وقد رکز أخيراً وبصورة ملفتة للنظر على مناسبة عاشوراء التي ينظر الکثيرون إليها على أنها مناسبة خاصة بالشيعة وليست لها أي علاقة بالسنة، مؤکداً بأنها مناسبة تهم السنة والشيعة على حد سواء رافضاً ربطها وحکرها على الشيعة فقط، وهو بذلك يسعى أولاً لإخراج المناسبة من الحلة الطائفية المحددة التي أقحمت فيها قسراً، ويحاول إرجاعها إلى الحلة الأصلية التي کانت عليها، والتي لم تکن أساساً موجهة لطائفة أو جماعة معينة من المسلمين، وإنما کانت موجهة للأمة الإسلامية برمتها، والنقطة المهمة والحساسة الثانية التي يجاهد الحسيني للتوصل إليها، هو هدم وإزالة الحاجز الوهمي النفسي بين السنة والشيعة من خلال جمع الفريقين من جديد على رؤية وفهم موحد وأصيل يتماشى مع أصل وأساس المناسبة وليس مع التفاسير والتأويلات المشوهة والمحرفة لها، وهو بذلك يميل للتأکيد على منح طابع أصيل ومعاصر للمناسبة وجعلها نقطة جامعة لصالح الأمة ليست ضدها.