- الترخيص لـ 50 مشروعاً صناعياً جديداً في الأشهر الـ 8 الأولى من 2018- معدل النمو يصل إلى 3.8 % خلال العام 2019- البحرين احتلت المركز الـ 4 خليجياً والـ 9 عربياً بمؤشر ضمان الاستثمار- 8% صادرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من إجمالي صادرات المملكة- بدء تطبيق تخصيص 20 % من المناقصات الحكومية للشركات الصغيرة والمتوسطة الربع الأول من 2019....في الآونة الأخيرة، شهدت المملكة جملة من التطورات السياسية والاقتصادية التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وبدا أنها تصب في مجملها في صالح توسيع هامش الخيارات المتاحة للمواطنين، والعودة بالبلاد إلى سابق عهدها ونهضتها وتقدمها، ومواكبة التحديات والمخاطر التي تحدق بالمنطقة، والتعاطي مع آثارها الممتدة إلى الآن، سيما منها تلك التي تبطئ من عجلة النشاط التجاري، وتعوق خطط الارتقاء بدعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني.
فمن جهة، فإنه لا يمكن غض الطرف عن حجم الحراك الحيوي الذي تشهده البلاد حاليا إثر الأمر الملكي رقم 36 لسنة 2018 الصادر في الـ 10 من سبتمبر لدعوة الناخبين والمرشحين على السواء لاستكمال متطلبات الدورة الانتخابية الـ 5 التي تشهدها البلاد في غضون عقدين، ويُنتظر أن يمتد هذا الحراك حتى منتصف شهر ديسمبر 2018، ويُتوقع معه إضافة إلى دعم مسارات العمل السياسي تحريك عجلة النشاط التجاري برمته، وبخاصة في الأسواق المرتبطة بشركات الإعلانات والدعاية وإدارة الحملات.من جهة أخرى، فإن برنامج التوازن المالي الذي أعلنت عنه المملكة في الـ 4 من أكتوبر 2018 الجاري، ويشتمل على العديد من المفردات والمبادرات، سيكون له مردوده وعوائده الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة على البلد ككل وأهلها الكرام، لا سيما لجهة استكمال خطط البناء والتنمية، ومواصلة تنفيذ المشروعات الاستراتيجية الكبرى، فضلاً بالطبع عن تثبيت موقع البحرين كمركز مالي وتجاري للمنطقة بأسرها، والتحول بالبلاد إلى نقطة جذب واستقطاب للأعمال والاستثمارات الإقليمية والدولية.
ويبدو التأثير الإيجابي لهذا الوضع واضحا بالنظر إلى مدلولات المؤشرات الـ 3 التالية، التي يتوقع أن تؤتي ثمارها المرجوة خلال الفترة المقبلة:المؤشر الأول يتعلق بالجهود الدؤوبة لاستكمال مشروعات البنية الأساسية، التي يُلاحظ أن وتيرة العمل بها لم تتأثر كثيرا بفعل التغيرات في أسعار النفط بالأسواق العالمية، ومست بتداعياتها الكثير، حيث توقفت في بعض دول المنطقة والعالم بشكل شبه تام عملية إنجاز المشروعات إما نتيجة نقص التمويل أو ضعف السيولة أو المخاوف من وطأة الركود والانكماش.
وعلى الرغم من أن البحرين لا تعيش بمنأى عما يحدث في محيطها المجاور، لكنها ومع حجم الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها تمكنت من توفير ما يلزم لاستكمال مشروعاتها التنموية، وبخاصة الاستراتيجية منها، ويجد ذلك دليله في مشروعين مهمين، أحدهما يتعلق بالتجهيزات الجارية لتشغيل مبنى المسافرين الجديد في مطار البحرين الدولي، الذي دشن في فبراير 2016، ويتوقع الانتهاء منه منتصف عام 2019، ويمتد على مساحة 220,000 متر مربع (4 أضعاف المساحة الحالية) وبطاقة استيعابية تصل الى 14 مليون مسافر، وتبلغ تكلفته الإجمالية 1.1 مليار دولار .أما المشروع الآخر فهو خاص ببدء التشغيل التجريبي لخط الأنابيب الجديد الذي يربط البحرين والسعودية، وهو أحد أهم المشروعات الضخمة لشركة النفط الوطنية بجانب تحديث المصفاة الوطنية وبناغاز، وقدرت تكلفته بنحو 300 مليون دولار، حيث يمتد بطول 115 كيلومتراً منها 42 كيلومتراً مغمورة في المياه و73 كيلومتراً على اليابسة، ويربط مصفاة البحرين بمصنع شركة أرامكو السعودية، وبطاقة استيعابية تتراوح بين 350 إلى 400 ألف برميل يومياً من النفط الخام.
المؤشر الثاني يرتبط بثبات معدلات نمو الاقتصاد الوطني بقطاعاته المختلفة، وهو مؤشر مهم يقيس مدى قدرة القطاعات الإنتاجية على التعامل مع تقلبات الأسواق والتعافي من وطأة التغيرات السريعة فيها، فبحسب تقرير لهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية فقد تمكن الاقتصاد الوطني من المحافظة على استقراره وقدرته على الصمود في وجه التذبذبات المالية التي باتت سمة رئيسية من سمات النظام المالي العالمي، وذلك بفضل المرونة والتنوع التي يتمتع بها.وقد ضمن له هذا الأمر تحقيق نسبة نمو بالأسعار الجارية تقدر بـ 8.25 % في الفصل الثاني من عام 2018 مقارنة بنفس الفترة عام 2017. ويُتوقع أن يصل معدل النمو إلى 3.8 % خلال العام 2019، وذلك بحسب رئيس جمعية مصارف البحرين الذي عزا هذا التوقع إلى الأداء القوي للاقتصاد الوطني عام 2017، ولأنه كان الأسرع نمواً في الخليج بنسبة نمو تبلغ 4.8 % في القطاع غير النفطي عام 2018.
واقع الحال أن هذا الثبات في قدرة الاقتصاد البحريني على الحفاظ على معدلات نمو ثابتة دون التعرض لتقلبات جوهرية تعود إلى أمرين مهمين، أحدهما: استمرارية النمو الإيجابي في القطاعات غير النفطية التي بلغت نسبة نموها 2.40 % بالأسعار الثابتة، وبخاصة في القطاع المصرفي الذي يحتل المرتبة الـ 7 بين القطاعات المصرفية العربية، وبلغ حجم موجوداته 5 أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنهاية عام 2017، وارتفعت ملاءته المالية من 18.7 % إلى 19.4 %، وذلك بحسب تصريح للأمين العام لاتحاد المصارف العربية.الأمر الآخر يتعلق بنجاح خطط التنويع الاقتصادي التي مكنت البلاد من تقليل الاعتماد على مساهمة القطاع النفطي في الناتج الإجمالي المحلي التي كانت تبلغ نحو 60 % أول العقد الفائت وهبطت تدريجيا مع تزايد مستمر في مساهمة القطاعات الأخرى لتبلغ قرابة 18 % من الناتج الإجمالي المحلي نهاية 2017، مع النجاح في جذب 76 شركة في الأشهر الـ 9 الأولى من عام 2018 باستثمارات تبلغ 305 ملايين دينار ستكون قادرة على خلق 4 آلاف وظيفة بحسب الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية.
يشار إلى أن البحرين احتلت المرتبة الـ 5 خليجياً والـ 15 عربياً بقيمة عمليات بلغت 246.52 مليون دولار وبنسبة 2 % بالنسبة للأقطار المضيفة للاستثمار والمستوردة للسلع في الفترة من 2008 إلى 2017، وجاءت في المركز الـ 4 خليجياً والـ 9 عربياً في مؤشر التوزيع الجغرافي لعمليات ضمان الاستثمار وائتمان الصادرات بقيمة عمليات بلغت 205.06 مليون دولار وبنسبة 1.6 % من مجمل العمليات حسب الأقطار المصدرة للاستثمار والسلع إلى الدول العربية والعالم خلال السنوات ذاتها وفقاً لتقرير للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار.أما المؤشر الثالث فهو خاص بالإجراءات الاقتصادية الأخيرة، والتي بدا أنها عميقة التأثير وشاملة الأوجه، وكان أبرزها إقرار برنامج التوازن المالي الذي سيمكن البحرين من رفع تصنيفها الائتماني، ويعزز من الفرص الاستثمارية التي تستطيع تأمينها، ويضمن استدامة الموارد المتاحة، خاصة أنه يقلل من المصروفات التشغيلية للجهاز الحكومي ويضمن حوكمتها وتفعيل الرقابة عليها.
كما أن هذا البرنامج المالي الشامل سيخفف من الضغوط الائتمانية على البلاد، بحسب "موديز"، ومن ثم مخاطبة وكالات التصنيف الائتمانية العالمية لمراجعة التصنيف الممنوح للمملكة وفقاً لتصريحات لمحافظ مصرف البحرين المركزي، وبالتالي سيخفض من كلفة الحصول على التمويل اللازم لمشروعات التنمية من الأسواق الخارجية، ولا أدل على ذلك من توجه المملكة الأخير بعدم إصدار سندات دولارية جديدة نهاية هذا العام حسبما أعلنت قبل فترة.ومن بين جملة الإجراءات الأخرى التي تبنتها المملكة لتحريك عجلة النشاط الاقتصادي إصدار عدة قوانين تستهدف تعزيز البيئة الاستثمارية وتحفيز المستثمرين، كتشجيع وحماية المنافسة، وإعادة التنظيم والإفلاس، وحماية البيانات الشخصية، والضمان الصحي الذي سيدخل حيز التنفيذ على الوافدين الأجانب بداية من عام 2019.
علاوة على فتح الباب لبرنامج التقاعد الاختياري لموظفي الحكومة، الذي تقدم إليه أكثر من 6 آلاف طلب بحسب ديوان الخدمة المدنية، ويستهدف توجيه خبرات المتقاعدين وتوظيفها في مجالات ريادة الأعمال والقطاع الخاص والاستثمار في المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر، وهو ما سيسهم بالتأكيد في توسيع هامش فرص العمل والحركة أمام هذه المؤسسات وأصحابها التي تمثل 76% (على أساس معيار عدد العمالة) من العدد الكلي لهذه المنشآت الذي يصل إلى 400 مصنع في البلاد.والمعروف هنا أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة التي يقوم عليها أفراد في العادة تشكل صادراتها 8% من إجمالي صادرات المملكة، وتشغِّل ما نسبته 21% من إجمالي العمالة في القطاع الصناعي الذي بلغ حوالي 22.000 موظف، ويقدر حجم الاستثمار فيها بحوالي 10% من إجمالي حجم الاستثمار، وتستحوذ الصناعات الهندسية والمعدنية والغذائية والكيماوية على حوالي 70% من إجمالي عدد الصناعات الصغيرة والمتوسطة العامة في المملكة، وذلك بحسب موقع وزارة الصناعة والتجارة والسياحة.
بجانب كل ذلك، فإن الإجراءات الحكومية الأخيرة لم تغفل قدرة قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة على قيادة قاطرة النمو خلال الفترة المقبلة، حيث وفرت لها الدولة كافة الفرص للانطلاق، ومن ذلك: بدء تطبيق قرار تخصيص 20 % من قيمة المشتريات والمناقصات الحكومية للشركات الصغيرة والمتوسطة في الربع الأول من عام 2019، إضافة إلى الإعفاءات الجمركية التي قدمتها الحكومة دعماً للحركة الصناعية وبلغت نحو 20 مليون دينار خلال الأشهر الـ 8 الأولى من عام 2018 بعدد منشآت مستفيدة وصل إلى 213 مصنعاً.وهو ما يضاف إلى: الترخيص لـ 50 مشروعاً صناعياً جديداً في الأشهر الـ 8 الأولى من عام 2018 بقيمة استثمارية تجاوز 71 مليون دينار وستسهم في خلق 3800 وظيفة، منها كما هو متوقع 21.7 % للبحرينيين. وكان عدد السجلات الصناعية قد سجل ارتفاعاً بنسبة 8 أضعاف في الثلثين الأولين من عام 2018 مقارنة بالفترة ذاتها عام 2017، حيث بلغت 329 سجلاً مقارنة بـ 62 سجلاً.
ولا يخفى كذلك أهمية الاتفاق الأخير بين وزارة التجارة والصناعة والغرفة التجارية لبدء تطبيق رسوم مزاولة الأنشطة التجارية بداية من ديسمبر 2018 القادم، ويهدف إلى تنشيط عجلة دوران النشاط التجاري، وبخاصة صغار التجار، ويتوقع أن يحفز الاتفاق الذي حظي بترحيب كبير من جانب الدوائر المعنية نمو السجلات والمعاملات التجارية التي قفزت عام 2018 إلى 82 ألف سجل بعد أن كانت عام 2017 نحو 79 ألف سجل.