جعفر الديري:

قال الباحث العماني المتخصص في النقد الأدبي د.مبارك الجابري، إن ديواني إيمان أسيري وقاسم حداد، افتتحا أفق خطاب قصيدة النثر في الخليج العربي، وقد جاء هذا الشكل، فراراً من الارتهان الأيديولوجي لليسار ولكل الأيديولوجيات القائمة في حينه.



وأوضح الجابري – خلال محاضرته مؤخراً في أسرة الأدباء والكتاب حول قصيدة النثر في البحرين- أن اليسار في هذا الخطاب جاءت من كونها محفزاً للظهور، إلى قيد ينبغي تجاوزه عبر شكل شعري يكون أكثر إخلاصاً للذات لا للآخر، فيقول هذه الذات وأحلامها الإنسانية، أكثر مما يقول الآخر الأيديولوجي أو المجتمعي.

وقال المحاضر: إن قصيدة النثر نشأت في البحرين، كما هو شأنها في الخليج العربي، نتيجة ظروف سوسيولوجية ظهرت في الخليج بوضوح بعد اكتشاف النفط ونشأة أنظمة الحكم الحديثة. وقد تنامى هذا الخطاب لاحقاً وفقاً لعلاقة ضدية لا تزال حتى اليوم مشدودة إلى الوضع الاجتماعي اللغوي الذي نشأت عليه؛ وذلك وفق خطين متوازيين: الأول، الانتصار إلى القيم التي تم تجاوزها في الخطاب المؤسس عند كل من إيمان أسيري وقاسم حداد، وذلك ما يظهر في نصوص حديثة لمهدي سلمان مثلاً، وعدة دواوين لأحمد العجمي، وثانياً، مواصلة درب مانوية الخطاب المؤسس، ولكن بالانتقال في خطاب قصيدة النثر من مانوية الذات والآخر إلى إخلاص الخطاب تماماً للذات، دون وجود أي حضور للآخر، وذلك ينتشر في دواوين جملة كبيرة من شعراء التسعينيات وما بعدها.



ومرتكزاً في مقاربته، وفق مفهومين في منهج سوسيولوجيا النص: الوضع الاجتماعي اللغوي، واللهجة الجماعية، استقاءً من "بيير زيما"؛ وجد د.الجابري أن كتاب قصيدة النثر نشأوا ضمن وعي نخبوي كان له اتصاله بأيديولوجيا اليسار، متشكلاً بجملة قيم التحرر التي جاءت بها، فدلفت به إلى الحداثة لتكون هي الأخرى أيديولوجيا أساسية لتكوينه، وحينئذ نشأ له وضع اجتماعي لغوي ظهر في الخطاب الشعري على شكل ما عرف بقصيدة النثر. وتكون لهذا الوضع الاجتماعي اللغوي لهجة جماعية خاصة، ظهرت بارزة في قصيدة النثر عبر طرح ثنائية مانوية بين كل من الذات، أي الذات الشاعرة، والآخر، أي باعتبار كل ما هو خارج الذات الشاعرة آخر مرفوض، وحضر الآخر بكونه دالاً على سائد في الأيديولوجيات والخطابات الأدبية القائمة في حينه، فكانت قصيدة النثر بذلك خطاباً يعرض هذه اللهجة الجماعية التي تعرض وعي نخبة مثقفة، وتعارض به وعياً سائداً تحاول تجاوزه. فكان هذا الوضع الاجتماعي اللغوي، واللهجة الجماعية التي عرضتها قصيدة النثر، عاماً في الدواوين الشعرية الأولى التي ظهرت على شكل قصيدة النثر.