تشارك البحرين شقيقتها سلطنة عمان الاحتفال بذكرى العيد الوطني الثامن والأربعين الذي يوافق الأحد الثامن عشر من نوفمبر، من منطلق الود والتواصل الدائمين بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين، والحرص المشترك على تكريس العلاقات الثنائية ودعمها وترجمتها إلى تعاون مشترك على المستوى الثنائي والخليجي، فالتواصل والتعاون بين البلدين بناء صنعته إرادة قيادتي وشعبي البلدين واستجابة لتاريخ طويل سطره الآباء والأجداد الذين عاشوا على التعاون والتشاور والتكاتف.
وسارت العلاقات بين البلدين والشعبين في تقدم وتناغم مستمر، واتخذت منهجا نابعا من الإرادة المشتركة بما يخدم المصالح الثنائية ويعزز دور البلدين على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتضرب العلاقات بين المملكة والسلطنة بجذورها في أعماق التاريخ، فقد ارتبطت (مجان) و(دلمون) بعلاقات تجارية تبين المكتشفات الأثرية جوانبها يوما بعد يوم، ومع تطور حركة التاريخ شهدت العلاقات بين الدولتين مزيدا من التلاحم، فجمعهما رداء التاريخ والإسلام والعروبة والثقافة المشتركة والمصير الواحد وجاء إنشاء مجلس التعاون الخليجي ليزيدها عمقا وترابطا.
وتحظى العلاقات البحرينية العمانية برعاية واهتمام خاص من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه وأخيه صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان، مما ساعد في تفعيلها وتطويرها والانتقال بها إلى آفاق رحبة.
وبدا حرص جلالة الملك المفدى وأخيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد على توطيد أواصر التعاون، منذ تولي جلالة الملك الحكم عام 1999، حيث قام جلالته بزيارة سلطنة عمان في مارس 2000، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات على هامش الزيارة المهمة وأهمها تسهيل انتقال مواطني البلدين بالبطاقة الشخصية، واتفاقية التعاون الدبلوماسي والقنصلي.
وأعقبها زيارة جلالة السلطان قابوس بن سعيد إلى مملكة البحرين وتوالت الزيارات والتواصل المشترك بين قيادتي ومسؤولي البلدين مما دفع بالعلاقات قدما إلى الأمام.
وتضيف السياسة الخارجية للدولتين بعدًا آخر في علاقتيهما الوطيدة، فالبلدان يتبعان سياسة خارجية تتسم بالدبلوماسية الهادئة التي تدعو إلى الحوار وتضع كل الإمكانات في خدمة مصالح الوطن والدفاع عن القضايا القومية الكبرى وتقوم على عدة أسس محورية أهمها أن قوة دول مجلس التعاون الخليجي هي مفتاح النفوذ والقوة للدولة في سياساتها الداخلية والخارجية انطلاقا من الإيمان بوحدة المصالح وكذلك التحديات والتهديدات تعطي الدولتان أهمية كبرى للعمل العربي المشترك والتعاطي مع قضايا الأمة بحس قومي، كما إن البلدين لديهما من السمعة الدولية ما جعلهما محط احترام دول العالم.
وتشهد العلاقات البحرينية العمانية تطورًا ملموسا، ترجم ذلك حرص مسؤولي البلدين على تعزيز أواصر الأخوة وزيادة وتيرة التعاون والتنسيق في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية وتبادل الخبرات والزيارات بين مسؤولي البلدين ورجال الأعمال.
وتعتبر اللجنة المشتركة منهجا أساسيا في تعزيز وتأطير العلاقات الأخوية التاريخية والمتميزة بين البلدين والشعبين، وأحدث أوجه هذا التعاون اجتماع اللجنة المشتركة البحرينية العمانية في دورتها السادسة في مدينة صلالة بسلطنة عمان برئاسة وزيري خارجية البلدين يوم الثلاثاء 4 سبتمبر الماضي، هذه اللجنة التي تم تشكيلها عام 1992.
ويعكس انعقاد اللجنة المشتركة العلاقات الأخوية الراسخة بين مملكة البحرين وسلطنة عمان الشقيقة وحرصهما على تعزيز مختلف أوجه التعاون المشترك في جميع المجالات، وقد أسفرت اجتماعات اللجنة عن العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، ومنها مذكرات تفاهم في المجالات الثقافية والسياحية، التقاعد المدني، وبرنامج تنفيذي في مجال حماية البيئة والشؤون المناخية للأعوام (2018 -2021 ). وآخر للتعاون في المجالات الشبابية والرياضية.
وفي المجال الاقتصادي، ارتفع معدل التجارة البينية بين مملكة البحرين وشقيقتها سلطنة عمان عام 2017 إلى نحو 630 مليون دولار أمريكي، ويعمل المسؤولون في كلا البلدين على زيادة هذا المعدل بشكل مستمر ليكون منسجما مع ما يربط البلدين من علاقات تاريخية وشيجة، وسوف يساعد على ذلك الخطوات المتخذة لتأسيس شركة استثمارية يتبناها القطاع الخاص في البلدين بهدف الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في الجانبين من أجل تطوير علاقات الشراكة الاقتصادية، كأحد مخرجات اجتماعات اللجنة المشتركة في دورتها الخامسة بمملكة البحرين عام 2014.
وقام وفد من غرفة تجارة وصناعة البحرين بزيارة إلى سلطنة عمان سبتمبر الماضي بهدف حث القطاع الخاص في كلا البلدين على الاستفادة من الفرص الاستثمارية والصناعية والتجارية من خلال التعاون في قطاعات متعددة كقطاع التعدين والطاقة والأمن الغذائي والصناعات التكميلية والسياحة والتأمين والعقار.
وشكلت البحرين وعمان مجلس أعمال مشتركاً بين غرفتي تجارة وصناعة البلدين عام 2009، ويعقد المجلس اجتماعاته بشكل منتظم، وقد أسهم في تطوير العلاقات الاقتصادية من خلال استعراض فرص الاستثمار في كلا البلدين، وإزالة المعوقات التي تقف في وجهها، وتنشيط الاتصالات بين المؤسسات التجارية والصناعية وتبادل المعلومات عن التشريعات والقوانين وتبادل الخبرات والتقنية وغيرها من المجالات .
وهناك أوجه أخرى للتعاون الاقتصادي بين البلدين أبرزها التعاون السياحي خاصة وأن البلدين مؤهلان لتحقيق تكامل سياحي بينهما، فالقطاع السياحي يشكل نسبة عالية من الدخل القومي في البلدين والبلدان لديهما من المؤهلات ما يمكنهما من استقطاب المزيد من الأفواج السياحية من مختلف أنحاء العالم فالمقومات السياحية البحرينية والعمانية تتميز بتنوعها وتكاملها حيث تختص البحرين بمقومات سياحية متميزة وفريدة منها المقومات التراثية والتاريخية والتسويق والمؤتمرات والتي تعتبر مكملة لما تملكه عمان من مقومات سياحية تراثية وبيئية وتاريخية، وبالفعل هناك اتفاقيات سياحية بين البلدين في مجال ربط السوق السياحي البحريني والعماني.
وبما أن البلدين يهتمان بالاستثمار في العنصر البشري الوطني باعتباره الثروة الحقيقية للأوطان، تم توقيع اتفاقية عام 2015 في مجال الخدمة المدنية والتطوير الإداري والموارد البشرية من خلال تبادل الخبرات الفنية والتخصصية، حيث أكدت الاتفاقية على زيادة التعاون في مجالات التوظيف والتطوير والتدريب والاستشارات، واستقطاب بيوت الخبرة العالمية في مجال الموارد البشرية والاستثمار في الموارد البشرية، وتبادل القوانين والتشريعات والبحوث والدراسات والمشاريع والتجارب الإدارية المتميزة والإحصائيات والنشرات. وكذلك التعاون في مجال إدارة نظم المعلومات الإلكترونية، وأنظمة الرواتب والأجور والتعويضات والمزايا الوظيفية، ورفع كفاءة وأداء القطاع الحكومي وتطوير الخدمات الحكومية، والثقافة المؤسسية وأنظمة السلوك المهني وإدارة الأداء الوظيفي، وإدارة التغيير والاتصال، ضمان الجودة والأداء المؤسسي والتطوير الإداري، ونظم المعلومات والإحصاء والرقابة الإدارية والحوكمة، كما تضمنت اتفاقية التفاهم تشجيع تبادل الدورات التدريبية وزيارات الخبراء وإقامة البحوث العلمية.
وامتدت مجالات التعاون بين البلدين إلى المجال التعليمي من خلال الاتفاقيات الموقعة والزيارات المتبادلة بين المسؤولين في هذا المجال في البلدين، فقد تم توقيع مذكرات تفاهم في مجال التعليم العالي والمجالين التربوي والعلمي عام 2013 على هامش اجتماعات اللجنة المشتركة في دورتها الرابعة، ومن الجدير بالذكر أنه يتم تبادل الكتب المدرسية بين وزارتي التربية والتعليم في البلدين منذ العام 1993 وفق اتفاقية بين وزارتي التعليم في كلا البلدين الشقيقين، كما يوجد تنسيق مشترك في مجال توحيد وتطوير المناهج الدراسية من خلال مشاريع مكتب التربية العربي لدول الخليج وإمكانية الاستفادة من الخريجين التربويين في البلدين واستمرار تبادل الخبرات.
وعلى المستوى الاجتماعي، فإن التواصل بين شعبي مملكة البحرين وسلطنة عمان لم ينقطع على مر تاريخ العلاقات بينهما، فالمواطن العماني لا يشعر بالغربة في البحرين، والبحريني ينظر إلى السلطنة باعتبارها بلده الثاني، ولذلك لا عجب أن تشارك مملكة البحرين شقيقتها في احتفالاتها بعيدها الوطني الذي هو عيد لمملكة البحرين أيضا ولجميع دول مجلس التعاون الخليجي الذين تربطهم وشائج تاريخية قوية لا يمكن أن تنفصم يرسخها رغبة مستمرة في تنمية العلاقات إلى آفاق أرحب لخدمة ورخاء البلدين والشعبين الشقيقين.