فاطمة الشيخ
"تعافيت من إدمان المخدرات لكني لم أتعاف من نظرة المجتمع. تعبت 5 سنوات حتى أحصل على وظيفة أعيش منها ثم جاء من يذكر الآخرين بماضي مع الإدمان، فهل الماضي قدر يلاحق المرء أين ذهب ولا يمكن أن يتعافى منه؟". هكذا يلخص شاب متعاف من الإدمان معاناته مع نظرة المجتمع.
ويروي الشاب قصته مع المخدرات "قضى الإدمان على كل ما بنيت، إذ خسرت زوجتي و أبنائي و عملي في موقع جيد تميزت فيه على المستوى الإقليمي، وحصدت شهادات ودروع تميز كثيرة، لكن الإدمان أنساني أساسيات عملي بشكل كامل، كما خسرت احترام الناس لي، فتوجهت نساء المنطقة إلى والدتي لطردي من المنطقة خوفاً على أبنائهم. ثم من الله علي بالعلاج في مركز لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل. تخلصت من إدماني وتعافيت تماماً، والتحقت بدورة استخدام الكمبيوتر والطباعة، وكنت الأول على المجموعة، ورحت بعدها أبحث عن عمل في شتى المجالات لكني كنت أواجه الرفض الدائم حين تعلم الشركات والمؤسسات بماضي إدماني. ثم وفقني الله وتوظفت منذ أقل من سنة بعد عناء 5 سنوات. لم يكن زملائي في العمل على دراية بماضيي في الإدمان، وكنت محبوباً من الجميع، وكرمت منذ فترة بسيطة نتيجة إخلاصي وأدائي في العمل، إلى أن أتى شخص يعرفني وراح يخبر مسؤولي في العمل بما كنت عليه، وأن عليه الحذر في التعامل معي. ولم يكتف بذلك بل خاطبني بشكل مباشر بأنه يستغرب كيف يتم توظيف مدمن مخدرات. أصابني ذلك بحرج شديد، فذلك الماضي يلاحقني أينما ذهبت، كيف أتخلص منه؟! لقد أتعبني".
يعمل الشاب الآن متطوعاً في مركز "نصف الطريق" للتأهيل الذي يقول المشرف العام فيه خالد الحسيني "نظرة الناس للمدمن لا تتغير بعد تعافيه من الإدمان، و شكوك الأسرة تبقى تحاصره، إضافة إلى رحلته في البحث عن وظيفة يعيد فيها ترميم حياته، إذ تكون رحلة شاقة ومتعبة بسبب عدم امتلاكه شهادة "حسن سيرة و سلوك"، التي تتطلب مدة زمنية طويلة لاستخراجها تصل إلى سنتين".
ويضيف الحسيني "حتى حين يوظف المتعافي، تبقى الأنظار عليه وعلى تحركاته، وهذا يؤثر سلباً عليه ويعد أحد أسباب انتكاسته وعودته لتعاطي المخدرات، رغم أنه قد يكون ضحية البيئة الاجتماعية، أو الأسرة المفككة أو أصدقاء السوء، فلماذا لا يغفر له المجتمع بعد أن أصلح أمره وتاب وتعافى".
12 خطوة للتعافي
وعن دور المركز وإمكاناته يوضح الحسيني "مركز "نصف الطريق" للتأهيل يستوعب 26 شخصاً، و تضم كل غرفة فيه من 3 إلى 6 أسرة، و تحتوي الغرف على دورة مياه و شرفة، إضافة إلى مطبخ وقاعة محاضرات وغرفة تلفاز وحديقة تحتوي على جلسة خارجية وطاولة تنس و"كيرم" وشطرنج وزاوية لرفع الأثقال. وتتراوح أعمار نزلاء المركز بين 17 و60 سنة من مختلف الطبقات الاجتماعية، منهم المتزوج ومنهم من يعمل ومنهم من عاد لاستكمال دراسته الثانوية".
وعن خطوات العلاج في المركز يقول الحسيني "يطبق المركز برنامج "12 خطوة" للتوقف عن الإدمان، وهو برنامج أثبت فاعليته في علاج مدمني المخدرات في المركز، إذ يكتسب المتعافي من خلالها تكوين علاقة مع الناس، وتوكيل أموره لرب العالمين وتدوين أسراره ومعرفة عيوبه، و يف يتعامل معها، وتقبل الذات، كما يدون المتعافي أسماء من أضرهم ومحاولة تعويضهم بالمستطاع. إضافة إلى تدريس كتاب "فكرة اليوم"، وهو كتاب يضم 360 فكرة تناقش على مدار العام، إذ يعيد الكتاب غرس القيم والمبادئ ومهارات التعايش التي فقدها الشخص خلال فترة إدمانه. بجانب بعض الأدوية المسكنة للآلام المصاحبة لفترة "الأعراض الانسحابية للمخدر"، وتكون في الأيام الـ10 الأولى من بدء العلاج، كما أن هذه الأدوية لا تؤثر على مزاج المدمن ولا يدمنها".
أدوية تزيد المدمن إدماناً
ويلفت الحسيني إلى أن "كثيراً من المستشفيات ومراكز علاج وتأهيل المدمنين تعتمد بشكل أساسي على الأدوية في العلاج، و ذلك غير مجد، حيث يأخذ المدمن الأدوية ويدمنها، بل ويقوم بعضهم بالمتاجرة فيها، إذ تعد الأدوية التي تصرف لهم غالية الثمن".
ويضيف "لدي برنامج وخطة عمل لإعادة تأهيل المدمنين، توفر ما يقارب 75% من كلفة الأدوية العلاجية الباهظة التي تصرف على المدمنين، وأثبت فعاليتها في إحدى الدول الخليجية التي كنت أعمل فيها.