أجرى الحوار جعفر الديري:
أحيا الشاعران العراقيان عبدالرزاق الربيعي وعدنان الصائغ، أمسية شعرية، الخميس الماضي في أسرة الأدباء والكتاب، ألقيا فيها مجموعة من نصوصهما القديمة والحديثة.
وعلى هامش الأمسية، قال الشاعران الكبيران -في حوارهما عبر ملحق تدوين- إن أرض العراق قادرة على ولادة الإبداع الشعري والنثري، حيث الجيل العراقي الجديد، تمثَّل التجربة ودوَّنها بتقنيات وآليات مبتكرة، فخرج بتجارب شعرية جديدة مبهرة بسطوعها وحرارتها وتفردها، تكتب قصيدة مخضَّبة بالدم واللوعة والشجن، غير أن شعراء العراق في المهجر، لم يتمكنوا حتى الآن من تكوين رابطة تجمعهم مثلما حدث لشعراء المهجر في أمريكا في بدايات القرن العشرين.
وأعرب الشاعران من جانب آخر عن تقديرهما الكبير للثقافة والمنجر الإبداعي البحريني، وذلك من خلال أسماء بحرينية لها حضورها الراسخ في المشهد الثقافي العربي.
وكشف الربيعي عن كتاب جديد له بعنوان "خطوط الذاكرة دوائر المكان"، يصدر قريبا عن دار مسعى ضمن إصدارات الجمعة العمانية للكتاب والأدباء، بالاضافة إلى صدور أعماله الشعرية الكاملة، مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، بينما يعمل الصائغ منذ سنوات على نص طويل مفتوح بعنوان "نرد النص"، يتمنى صدوره العام المقبل، بالإضافة إلى كتابه "اتركوني أقص لكم ما رأيتُ" وهي مقاطع مترجمة من "نشيد أوروك"، تصدر العام 2020 عن دار نشر بريطانية.
فإلى هذا الحوار...
* بداية.. كيف هي علاقتكما بالمشهد الثقافي والأدبي في البحرين؟
- الربيعي: المشهد الثقافي البحريني جزء من المشهد الثقافي العربي، وقد ساهم في إثرائه في الشعر والقصة والمسرح والنقد، والدراسات، والفنون التشكيلية من خلال ما قدَّم من نتاج أدبي لأسماء بحرينية لها حضور راسخ في هذا المشهد كإبراهيم العريض ود.علوي الهاشمي وعلي الشرقاوي وعبدالرحمن رفيع، وقاسم حداد، وأمين صالح، وعلي عبدالله خليفة، ود.إبراهيم غلوم، وعبدالله يوسف والأجيال التي أعقبت هذه الكوكبة اللامعة كأحمد العجمي ويوسف الحمدان وليلى السيد وسوسن دهنيم وآخرين.
وللمسرح البحريني بصمته المميزة في المشهد المسرحي الخليجي والعربي. كما تابعنا في المهرجانات الخليجية والعربية، وأعمال عبدالله السعداوي وأمينة القفاص وخالد الرويعي تشهد على ذلك.
- الصائغ: المشهد الثقافي البحريني، ومثله في أوطاننا العربية، نتابع جديده بكل حرص. وهذا ما يثري ويكسبُ التنوعَ. وتبقى هموم الأديب هنا أو هناك، واحدة وان تباينت مناسيبها وتشعبت طرقها. لكن التحديات لمواكبة العصر والتجديد مهمة جداً لكي يبقى وهج الجذوة وكنه الجدوى.
علاقة متجذرة بالوطن
* فما علاقتكما بالمشهد الثقافي داخل العراق حاليا؟
- الربيعي: لم تنقطع علاقتنا بالمشهد الشعري العراقي، وما زالت مستمرة بالوسط الثقافي العراقي، من خلال النشر، والتواصل مع الأصدقاء، ولنا مشاركات في أنشطة مختلفة، ونقوم كلما سنحت الظروف بزيارات للعراق.
- الصائغ: علاقة الشاعر بوطنه وناسه متواصلة ومتجذرة تماماً كما الشجرة بعروقها وأرضها وشمسها وفضائها. وإن اقتلعتْ تلك الشجرة، فيبقى الحنين والذكريات، تشدها إلى تلك البقعة الغائرة في الروح والذاكرة والدم. أقرأ أغلب نتاجه وأتواصل مع مبدعيه وقرائه، أينما كنتُ. وهم يتابعونني وأتابعهم، ويحاورونني وأحاورهم.. وهذا ما يمدني بالكثير.
* وهل تجدان التجربة الشعرية الحالية فيه، ذات مستوى قياسا بالتجربة السابقة أيام السياب والجواهري والبياتي وغيرهم؟
- الربيعي: الشعر العراقي يظل رافدا مهما من روافد الشعرية العربية، وللشعر العراقي نكهته في طبق القصيدة العربية، ومثلما أرض العراق ولادة بالحروب والصراعات والمحن فهي ولادة بالإبداع الشعري والنثري الذي هو انعكاس لتلك المخاضات المستمرة التي تجري على أرض الواقع.
وقد استطاعت القصيدة العراقية اليوم مواكبة اللحظة العراقية المتفجرة بالألم، لذا فهي تأتي مخضبة بالدم واللوعة، والشجن، فظهر جيل جديد تمكن من تمثل التجربة العراقية، وتدوينها بستخدام تقنيات حديثة، وآليات مبتكرة.
- الصائغ: التجربة الشعرية تتطور وتختلف تبعا للزمان والمكان والتجربة.. فلو عاش السياب الآن، لكانت تجربته بالتأكيد تختلف نوعاما عما كان قد كتبه في الأربعينات أو الستينات. وكذلك الجواهري، وكذلك المتنبي وأبو نؤاس والرومي وإلياس أبو شبكة وغوتة ولوركا وت. س. إليوت، وإلخ..
وهناك تجارب شعرية جديدة في العراق يبهرك سطوعها وحرارتها وتفردها وقد ولدت من رحم التجربة والألم والحلم.. وهي بالتأكيد قليلة قياساً إلى الركام المتعاظم. وهذا ديدن الإبداع في كل عصر وفي كل بلد.
أنا أعتقد نفسي متابعاً جيداً للساحة الثقافية والشعرية العراقية بشكل خاص وللساحة الثقافية والشعرية العربية والعالمية.
القصيدة تختار شكلها
* لو طلب منكما كتابة نص لأرض العراق.. هل يكتب تفعيلة أم نثراً ولماذا؟
- الربيعي: الكتابة تنبع من الذات، فهي اختيار حر، لا تخضع لطلب من أحد، ولا علاقة لها بالجغرافيا، سوى جغرافيا الروح، وما تمليه من أشجانها، وتجلياتها، كما أن لحظة الكتابة هي التي تملي الشكل، سواء جاء تفعيلة أو قصيدة نثر أو وفق النمط الكلاسيكي المتوارث.
- الصائغ: لن يطلب أحد مني ذلك، فالوطن وكذلك القصيدة لا يقبلان الوساطة للقائهما وعناقهما وبوحهما. القصيدة دائما هي من تختار شكلها وإيقاعها وصورها وطريقة بوحها أو صراخها.
* ما آخر إصداراتكما واشتغالتكما الحالية؟
- الربيعي: انتهيت من أعمالي الشعرية التي صدرت مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، بمجلدين وهو عمل شاق تطلب مني مراجعة مجاميعي السابقة وتنقيحها، ولي كتابان ضمَّا مقالاتي التي نشر معظمها في الصحف والمجلات هما "حكايات تحت أشجار القرم" الصادر عن دار "الآن ناشرون وموزعون" الأردنية، والثاني "خطوط الذاكرة دوائر المكان" الذي سيصدر عن دار مسعى ضمن إصدارات الجمعة العمانية للكتاب والأدباء.
- الصائغ: صدر لي عن دار عرب بلندن، مختارات شعرية بعنوان "هذا الألم الذي يضيء"، وعن دار مسعى ديوان "تأبط منفى" بطبعة رابعة. وصدر باللغة الإنكليزية عن دار نشر آرك البريطانية بعنوان "أوراق من سيرة تأبَّط منفى"، ترجمة الشاعر البريطاني ستيفن واتس، ومارغا برغي ارتاخو.
وصدر لي هذا العام 2018 عن دار مولفران برس في بريطانيا "عشر قصائد" (بالعربية والروسية والإنكليزية)، ترجمة: ناتاليا دبروفينا، عن الترجمة البريطانية من قبل جني لويس، وعلاء جمعة، متضمناً رسومات للفنَّانة البريطانية كيت هيزل، مستوحاة من قصائد الشاعر.
وأعمل منذ سنوات على نص طويل مفتوح بعنوان "نرد النص" أتمنى أن يصدر العام القادم. وسيصدر لي العام 2020 عن دار نشر بريطانية "اتركوني أقص لكم ما رأيتُ" مقاطع مترجمة من "نشيد أوروك".
شعرية عمانية خصبة
* باعتبارك في منطقة الخليج وبعمان تحديدا.. كيف ترى المشهد الشعري العماني في سياق التجربة الخليجية؟
- الربيعي: الشعرية العمانية خصبة، كونها تستند على تراث شعري ضخم، وتنطلق من بيئة ثرية بكل ما يمد المخيلة من زاد شعري، وثقافي ويرفع النص إلى مديات أعلى في التعبير الشعري، وتمخضت هذه الشعرية عن تجارب قدمت إسهامات واضحة في الشعرية العربية الحديثة كتجربة الشاعر سيف الرحبي. ويوما بعد آخر تظهر أسماء جديدة، وتجارب جديدة، تعلن عن نفسها بكل ثقة، رغم قصور وسائل الإعلام في إبراز تلك التجارب.
* ماذا عن تجربة الإبداع في المهجر؟ هناك العديد من الأدباء العراقيين خارج العراق.. هل هناك فكرة لتشكيل تجمع أدبي عراقي مهجري؟
- الصائغ: المنفى للشعراء العراقيين قديم جداً – يا للمفارقة – فقد وجد في الألواح السومرية نص مجهول كتبه شعراء عراقيون عن رحلتهم إلى منفاهم، وقد دونت ذلك النص في كتابي "اشتراطات النص الجديد ويليه في حديقة النص".
وهنا في لندن حيث أعيش منذ ثلاثة عشر عاماً وجدتُ أجيالاً شعرية متنوعة، ومثلها في السويد حيث عشت لقرابة ثمانية أعوام. وهم يشاركون في إثراء المشهد الشعري على المستوى العراقي والعربي أو الأجنبي. وهناك جمعيات كثيرة متنوعة منسجمة ومتنافرة هنا وهناك في المنافي الأوربية والقارات الأخرى، لكن لم تنبثق للآن رابطة تضمهم مثلما حدث لشعراء المهجر في أمريكا في بدايات القرن العشرين، لأسباب مختلفة.