جعفر الديري

قال الناقد والباحث البحريني د.فهد حسين، إن رواية "ليالي عنان" للأديب السعودي المرحوم حسن السبع، تكشف أننا أمام كاتب امتاز بالكتابة السردية، وإنتاج الرواية التي تميل إلى الثقافة والمثاقفة، إلا أنه واقع في دائرة الشعر وسطوته عليه.

وشدد المحاضر –خلال ندوة للجمعية الثقافية في الدمام حول تجربة الأديب السعودي المرحوم حسن السبع- على عدم النظر إلى العمل الأدبي أو الإبداعي من زاوية ذاتية بقدر ما ينظر إليه وفق رؤى ونظريات تسهم في بلورة أفكار وتوجهات هذا العمل، ومدى أهميته في صناعته الكتابية والإبداعية والثقافية التي تعتبر من أهم الأمور في الكتابة الحديثة التي تكتفي بالموضوع والمتخيل، بقدر ما يفكر مليا صاحب النص بطرح الأسئلة وليس الأجوبة الجاهزة التي ما عاد المتلقي يفكر فيها حاليا.

ثقافة واسعة

وذكر د.حسين أن السبع في روايته اليتيمة "ليالي عنان" -الصادرة عن دار الكفاح للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى العام 2015- تفنن في استحضار العديد من النصوص والجمل والأقوال والأشعار العربية والأجنبية التي تدل على ثقافة واسعة لديه، وفي الوقت الذي استطاع أن يعوم في بحر الرواية وفنياتها وتقنياتها، إلا أنه لم يستطع الخروج من دائرة الشعر وسطوته عليه، سواء حين رحل إلى القرن الثاني الهجري، أو عبر النصوص التي يطرحها الراوي بين الحين والآخر، أو التأكيد على أهمية تطور الحركة الشعرية العربية، وحضور قصيدة النثر، وما تحمله من شعرية، من خلال نصوص الراوي نفسه التي ألقاها عنان، أو قراءة صديقه لنموذج من القصائد النثرية على مسامع أبي الفرج الأصفهاني.

وأضاف: تأخذ بنا إلى عوالم في المجتمع العربي بين ماضيه وحاضره، ومستقبله، تأخذك إلى تطلعات الكاتب في وطننا الكبير عامة، والمنطقة بخاصة، وفي ثنايا الأحداث ترى الأسئلة تتمظهر بين المفردات بالسنة الشخصيات من جهة، ومن عقلية القارئ من جهة أخرى. بمعنى أن الرواية تفرض عليك قراءتها ومناقشتها، والتعليق عليها، ليس في أحداثها وحبكتها الفنية والجمالية، بل في طبيعة هذا النسيج الذي حاول الكاتب بناءه في سياق أحداث العالم العربي، والتمكن من مدِّ الجسر الحضاري والثقافي والأدبي بين ماضي التراث العربي وواقعنا المعيش، والتطلع إلى المستقبل.

واقع مؤلم

وأوضح د.حسين أن الرواية تتحدث عن واقع مؤلم لعالمنا العربي، وفيما يحدث لنا من خلال رؤية إنسان القرن الواحد والعشرين، أي قرن الخامس عشر الهجري وربطه بالقرن الثاني الهجري، وهو: فترة الخلافة العباسية عامة، والعصر الأول منها، والكاتب هنا حاول أن يجد خيطا مشتركا بين الفترتين المتباعدتين تباعدا كبيرا زمنيا، وفي بعدهما التاريخي والثقافي والاجتماعي العربي، إذ رسم لعالم هذه الرواية شخصية: أبو علي اليماني: الشخصية الرئيسية التي قامت بدور (الراوي)، القادم من منطقة اليمامة بشبه الجزيرة العربية، والذي يعيش في القرن الخامس عشر الهجري، ويقابله في الاسم فقط لا غير (أبو علي اليماني)، وهو محمد بن جعفر بن نمير ين عبدالعزيز الحنفي، شاعر وراوية من العصر العباسي، وهنا تشابه في الأسماء.

وفي التوصيف الأدبي، وأحداث الرواية كشفت أن الراوي شاعر، وحين يسجل الأحداث ويقوم بروايتها، فهو أيضا راوية، وهذا التشابه بين الشخصيتين، المتباينتين في العصر، ولو لم يأت الراوي بذكر الشخصية الثانية فلن تؤثر على أحداث الرواية وتطورها، لأن الأحداث لم تشر لدور أبي علي اليماني الحنفي بشيء.

وأضاف: "بالنظر إلى النص الروائي يتضح أن الكاتب كان مؤمنا بدور الرواية ليس في مجال الإبداع والخيال وحسب، بل مؤمنا بكون الرواية عالما من الثقافة والتاريخ، كما كان متقناً دوره في استحضار تاريخ الأمة العربية في العصر العباسي ليكشف عن طبيعة الحياة والمجتمع من جوانب ثقافة وأدبية وعلاقات اجتماعية تتداخل فيها الأمراض، كالحسد والغيرة وحب الذات وغيرها، وهنا يقدم الكاتب نقدا غير مباشر إلى كل كاتب وناقد يوجه كتاباته وفق التطلع الشخصي أو المحسوبيات أو المجاملات أو يقوم بالنقد الجارح المتصيد للأخطاء والعثرات والخفقات التي ربما وقع فيها الكاتب أو المبدع".