نص - محمد رضي:

هي جميلة يا أمي بقصد أو من غير قصد. جميلة وهي نائمة، وهي تقذفك بالشتائم. تحيطها هالة من ... لا أدرى ماذا أسميها؟ هالة من الطفولة ربما. مهما كان خيال المرء واسعا، هناك دائما إشارة "قف" سميكة وضخمة تمنعه من التمدد عند التفكير بأنها يوما ما لابد أن تشيخ أو تكبر. كما لو أن النمو في جسدها قد تعطل، وعلقت في هذا العمر للأبد. إنها لا تكبر يا أمي. طفلة أزلية مثل بيتر بان. هل تذكرين بيتر بان؟

في الحفل الأخير، ولسبب لا أعرفه، غطى الحزن عينيها، كقناع شفاف سقط من مكان ما واستقر هناك تماماً فوق وجنتيها. قل الوهج المنبثق منها، لكنها وبرغم ذلك ظلت مشعة. وهذا ما يحيرني. فعندما تحزن يلف جسدها غشاوة رقيقة. أتعجب.. هل زادتها تلك الغشاوة جمالا أو العكس؟ تغيرت ملامحها.. لكن للأفضل أو الأسوأ؟ لا أعلم. إنها تبدو مثل نحلة حلت فوق زهرة، فلا تعرفين هل زادت الزهرة جمالا، وأصبح منظرها بهياً كاملاً من العيوب، أم أخفت الجانب الأجمل منها؟

ربما لم تقترف خطئا. تلك فكرة تلح علي باستمرار، وتضطرني للتفكير في الاعتذار إليها. لا أدري.. أكون مشوشة الذهن ومتناقضة الأفكار حين أتذكر معاملتي لها. جزء ضئيل يخبرني أني على صواب، والجزء المتبقي وهو الأكبر يشعرني بالندم. ربما لو كنت محلها كنت مثلها وأكثر. وربما تكون هي من اللطف بأنها مستمتعة بذلك وتطلب مني أحاديث أكثر، بعكسي أنا التي أسكتها وأمقتها كلما تحدثت.

أنا لا أطمع في الكثير. تكفيني ذراعان تلفاني حين أبكي في الليل. وحينها لا أمانع لو مت. رجل يهتم بي ويهمني أمره. لا شيء أكثر. لست بالغة التعقيد. أريد من أرى الكون من خلاله. يمر طرفه في هذه الغرفة الضيقة فتصبح أوسع.. وأوسع. من أخبره أن الكون مكان سيء من دونه.

سامحيني.. أعلم انك ضجرت من تكرار الأحاديث المملة نفسها في كل يوم. المشكلة انك صماء. تقذفين كلماتي في الهواء، وتستقبلين الحركات فقط كعرض مسرحي صامت. مثل أمي تماماً.. حتى أنني أسميك أمي.

هي أيضاً مثلك، أقصد أو أعتقد أن لديكما التشابه ذاته في هذا الجانب. الجانب الذي يتعلق بالصمم. أجل هي مثلك تماما صماء غير انك خلقت هكذا فليس لديك وسيلة لتغيير ذلك. وذلك لا ينقص منك. أعني انه ليس خطئا جينيا أو عيبا خلقيا يجعلك شاذة أمام المرايا الأخرى. هل تعين ما أقصد؟ لقد خُلقت المرآة هكذا كشأن الحيوان بلا عقل والإنسان دون أجنحة.

أما أمي فمختلفة. منذ زمن وهي تتعمد الصمم عندما تكون المتحدثة هي أنا. على الأقل هناك تجاوب من قبلك حين تقلدين حركاتي. أشعر بشيء من التفاعل يحولني سعيدة، شيء يشبه الصداقة قليلاً.

علمت في صغري أنك تكرهين الظلام. الضوء بمثابة البنزين الخاص بك، لا يمكنك العمل دونه. أنا لست كبعض الفتيات أخشى النوم في الظلام. لم تبلغ رقتي هذا الحد. سيكون أمرا يدعو للسخرية أن أخشاه بدل أن يراه الآخرين شأنا خاصا بالفتيات.

أظن أن البعض لا يصنفني ضمن الفتيات أصلا. أنت مرآة ولابد أنه مرت بك مختلف الفتيات، حين تعرضين صورتهم، لا يمكن أن لا تخطر المقارنة في ذهنك لحظتها.

أنا أعلم ذلك، ولا يهم ما هو شعورك تجاهي حينها. أعني أن التفكير في ذلك لا يسبب أي نوع من خدش المشاعر بالنسبة لي. لقد اعتدت نظرات المقارنة طوال حياتي. النظرة الشاذة الآن هي أن لا يقارنني الناس بأحد وليس العكس. عندما تنطفئ الكهرباء، أوقد الشمع بالقرب منك كي تستمري في الانعكاس وإشعاري بذلك الأمر القريب من الصداقة.

أتمنى أن لا تفعلي ذلك مرغمة، إن لم يكن من دافع حب فعلى الحد الأدنى أتمنى أن لا ترغمي عليه. أكره أن أرغم الناس على الأشياء. أمي تفعل ذلك، أما أنا فلا. المهم يا صديقتي إن السر الذي أود إخبارك به. أني صرت أخشى الظلام أيضاً وقبل أن تضحكي.. دعيني أوضح لك السبب. أخاف أن لا تنعكس صورتي عليك حينها. أظن إنك حياة، وأخشى أن يكون وجودي فيك عدم.. هل رأيتِ أمي؟