جعفر الديري
فـي نـدوة نوعـية وحمـيمية في أسـرة الأدباء والكتاب ضمـن برنامجها الثقـافي الاحتفالي بيوبيل الأسـرة، تجلـت فيها ملامسـة الشـاعر علي عبدالله خليفة لمشـاعر الحضـور، إذ أبحـر علي خليفة بأنـين صـواريه في تجـربته الشـعرية التـي امتـدت عبر خمسـين عـاما مـن العطـاء الإبـداعي.
ولقـد لعـبت أسرة الأدباء والكـتاب كمـا يرى علي خليفـة دورا أسـاسا في إنضـاج تجربته وذلك مـن خلال تجمـع المبدعين في كـيان صقـل تلك المواهـب، وقـد بـدأ الشـاعر علي خليفة نـدوته بالتـأكيد على أن الشـعر موهـبة ربانية تصقلهـا المخـزونات الصـورية في منـاحي الحـياة، إذ عـرض إلى بيئة الأسـرة التي نمـا وترعرع فيها، مبينـا دور والـدته المـؤثر في تجربـته لاحقا، ويؤكـد في الوقت ذاته على بواكـير تفتح مـداركه على البحـر ودور المـرأة المتمثل في والـدته والمطـوعة التي كان لها الدور في ختم القرآن وتحسين مخـارج الحروف والقراءة السليمة.
وعرج المحاضر على طفولته وصباه بالقول: إن الحديث عن تجربة خمسين عاما مع الشعر، هو حديث عن التحديات والصعاب التي تواجه الشاعر، فهو أي الشاعر كالأرنب لا يستقر على حال، خائف يريد أن ينجو من الوقوع في أسر الشباك. وقد هيأ الله لي من الظروف ما جعلني أن أكون شاعرا، فالأقدار تساهم في إبراز الموهبة، والبيئة التي ينشأ فيها الشاعر تؤثر فيه كثيرا، والذاكرة تحفظ مشاهدات الطفولة، ليعود الشاعر فيبدع في استحضار صورها، التي ترفع من فنية القصيدة.
وأضاف: كان بيت جدتي لأمي، يطل مباشرة على البحر، فحينما يأتي المـد يـدخل يدخل البحـر فـي البيت تطفـو أواني الطعـام فوق المـاء، ولا تـزال تلك الصور تخـايل ذاكرتي، فكانت علاقتي حميمة مع البحر منذ الطفولة. وقد سمعت في هذا البيت أشعارا عامية كثيرة.
سعد بن خيري
وتابع خليفة حول تأثير الناس والشخصيات: الناس يؤثرون أيضا في الشاعر. من هؤلاء الذين أثروا في تكويني الفني شخص اسمه سعد بن خيري. في خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت هناك تجمعات عند الدكاكين في الفرجان. وكان مجاورا لبيتنا دكان خياط اسمه سعد بن خيري. كان أسمر مهيبا وناصريا متعصبا. وفي دكانه هذا قرأت مجلة روز اليوسف، وأخبار اليوم، والأهرام. عدا عن الراديو الذي كان مفتوحا على صوت العرب، فكنت أستمع إلى مسلسل ألف ليلة وليلة. فكان هذا المكان بمثابة مدرسة، أقرأ فيها وأناقش. وقد نظمت لسعد هذا قصيدة بعنوان "الصوت الفارع" ضمنتها ديواني "في وداع السيدة الخضراء". كان هناك أيضا دكان آخر لشخص اسمه عبدالله الجامع، كان يبيع فيه التبغ "التتن". وقد عملت صبيا عنده، حين اكتشفت في الدكان مجموعة مهمة من الكتب. فكنت أقضي فيه وقتا للقراءة مند صلاة الظهر وحتى صلاة العصر، بعد أن يكون صاحبه قد أغلق علي باب الدكان. وفيه قرأت كتاب نهج البلاغة، ديوان المتنبي، وكتبا أخرى لم تكن تقع في اليد بسهولة.
وفـي سـرده لتجـربته الشـعرية يـؤكد على محـاور فـنية كانت تمثل رموزا فنية في دواوينه وهي المـرأة والنخـلة والـوطن، ويـرى أنّ الشـعر لا بـد أن يقـوم على الإيقـاع الموسـيقي الـذي يحمـل أحاسيس الشـاعر إلى متلقـيه، ولا يكـون الشـعر شـعرا إذا انتفـت تلك الخـاصية من القصـيدة، فالمشـي غـير الرقص كمـا يرى علي خليفة.
وأوضـح في السـياق نفسـه أنـه لا يعيش مـن دون حـب المـرأة إذ يقـول: "فأنا لا يمكنني العيش دون حب، ولا يمكن أن أكتب نصا إذا لم أكن في حالة حب. ويعود الفضل في ذلك لأمي التي زرعت في احترام المرأة، والشعور بأنها كائن غير بسيط، وعلمتني أن لا أرفع رأسي أمام المرأة".
وفـي معـرض حـديثه عـن إشكالية الكتابة بالعامية والفصحى يقـول: أنا لا أختار متى أكتب بأيهما، فالقصيدة تختار دمها ولحمها. وأتذكر أنني عندما نشرت ديواني "عطش النخيل" بالعامية في سبعينات القرن الماضي، عقدت لي شبه محاكمة في النادي الأهلي، ووجهت باعتراض الشعراء، ففي تلك الفترة كانت الأمور حدية، وجميعا كان لدينا حد فاصل بين الصح والخطأ.
لــم أكـتب نصا غـنائيا
ولا يصـنف علـي خليفة نفسـه مـن كـتاب النصـوص الغـنائية، بـل إنه يكـتب نصـا شعـريا يختـاره الملحن ليحـوله إلى أغنية، فهـو يرى أن كـاتب الأغـاني له نهجه الخاص به وشـاعر القصـيدة له نهجه الخـاص، وأول قصيدة لحنيت وغنيت لي كانت بصوت عبدالله سالم بوشيخة، وهي "كلهم خانوا عهدهم إلا أنت"، وحتى القصائد التي غناها عبدالله روشيد وخالد الشيخ لم تكتب أبدا كأغنية.