أجرت اللقاء - سماح علام

خطان في عالم التربية إن توازيا يتحقق هدف التغيير.. هما خط الرعاية وخط التعلم.. فإن توازيا معاً يتحقق هدف صناعة جيل مغاير.. فهذه الصناعة لا تقف عند حدود حب الأبناء وتوفير ما يحتاجون بل يتعدى الأمر إلى تعليمهم وتغذيتهم بمفاهيم ومهارات تعزز مهارات الإبداع وتصقل قدرتهم على التأثير.

"كاريزما الطفل" هو الإصدار الثاني للدكتورة منى جناحي التربوية المتخصصة في الإرشاد النفسي والتربوي للأطفال والمهتمة بتحسين جودة الحياة لديهم.. قدمت فيه طرق بناء الشخصية وزراعة القيم، لتحقيق غاية بناء الإنسان وصناعة جيل مختلف.

د.منى تتساءل من منطلق اختصاصها عن خطة أولياء الأمور في التربية هل يعون أهمية توازي خط البناء مع خط الرعاية، فما يقدمه أولياء الأمور اليوم هو الرعاية وتقديم الخدمات، ولكننا نتحدث عن خط بناء الشخصية، وهذا نهج مختلف تماماً -حسب وصفها-.

تفاصيل الكاريزما.. أسرارها وكيفية بنائها كان محط حوار مفصل نستعرضه في السطور التالية..

تبدأ د.منى جناحي حديثها بالتحذير من قنبلة تربوية موقوتة داخل بيوتنا وعنها تقول: "أبناؤنا ضائعون، نحن لا نضعهم على الطريق الصحيح لشق طريقهم ولا نقدم لهم النموذج، لذلك نراهم يبحثون عمن يقلدونه في الشاشات إما في لعبة غير واقعية أو في رسوم أو مسلسلات، من هنا تأتي أهمية البناء والصناعة وتقديم القدوة.

"لماذا الكاريزما"؟

يقدم الكتاب مفاهيم.. ولكنها مفاهيم تتعلق بطرق تعامل بين أولياء الأمور والأطفال، وكثير من أولياء الأمور عند مراجعة خطوات توضح مهارة معينة، يقولون بأنهم لا يتعاملون وفق هذه الكيفية، إذا أنا أتحدث عن ممارسات تنعكس في التصرفات.. أتحدث عن قيم وسلوكات تغير من طريقة تعاملنا ونظرتنا للأمور.. أنا أقدم قيماً ولكنني أربطها بخطوات تعزز مهارة تطبيق القيمة، فمثلاً الصدق قيمة، ولكن كيف أكون صادقاً، لا بد أن يتضح في الممارسة.. وهذا ما سأعمل عليه في الفترة القادمة من خلال تقديم دورات أستهدف فيها أولياء الأمور".

لدينا الكثير من الأسباب التي تقتل البهجة، نريد العودة للفرح والسعادة، نريد الابتعاد عن النظرة السوداوية للأمور، وترك العبوس، وعدم توقع الأسوأ، نريد الأمل والتغيير والطموح.. لذلك أقدم جودة التربية وجودة التعامل مع الطفل.. وأنا أؤمن بالتغيير .. وأعمل من أجله.

لسنا "عاديين"

تقول جناحي: "لنخرج من دائرة نحن أناس عاديون، فأغلب المتميزين على مستوى العالم كانوا نتاج بيوت عادية، لذلك أتحدث عن أهمية وجود النظرة لإيجاد عناصر مختلفة في التكوين والبناء.. وهذا هم مجتمعي ومسؤولية في حد ذاتها".

وتضيف: "كتابي هو كتاب مقروء.. كتاب يقدم تطبيقات وأمثلة، لا أقدم كلاماً إنشائياً أو تنظيراً، بل أقدم مشاكل وحلولاً وطريقة تساؤلات إيجابية تسهل ربط الهدف بطريقة تحقيق الهدف.. لذلك كتابي صغير .. كتاب جيب.. يحتوي على رسوم وتطبيقات وأفكار أتمنى أن يكون بمثابة مفتاح تغيير لطريقة تعاملنا مع أبنائنا، يغطي تقدير الذات، ومهارات الحوار والجرأة والإقدام وكيفية طرح الأسئلة والطلب والتفاوض أيضاً أطرح مهارة كسب محبة الآخرين، والإيجابية والبهجة، وتكوين العلاقات والصداقات، وتقبل الانتقاد، إضافة إلى التركيز ويقظة الحواس، وفن الصمت والتأمل والانعزال".

إهداء د.نجوى

إهداء الكتاب.. سطور عادة ما تختزل قصة.. فعن قصة الإهداء تقول د.جناحي: "قد نلتقي بأشخاص في بداية الحياة المهنية لديهم العلم والشخصية القادرة على ترك بصمة في مسيرة الحياة المهنية، وأول ما تخرجت من الجامعة قابلت شخصية خبيرة من اليونسيف مع مكتب الأمير طلال لعمل مشروع لتطوير رياض الأطفال، كانت تبني من معها، كانت لا تعلم بل تسهم في تطوير المهارات وطرق التفكير التي أنضجتني كثيراً، وكنت محظوظة للعمل معها لمدة 6 سنوات، وهي من أهديتها كتابي هذا، إنها د.نجوى منلا مروة خبيرة منظمة اليونسيف للطفولة المبكرة التي منحتني بتواضعها ومحبتها ودعمها نوراً مازلت استكشف به طريقي إلى اليوم".

وتضيف جناحي: "أذكر أنها كانت تفتح لنا تساؤلات حول كيفية التعامل مع الطفل وأولياء الأمور، كانت تقول ما الذي تريدين تغييره وكيف تغيرين المشكلة، كيف نوجه ولية الأمر دون فوقية ودون منافسة على تقديم مصلحة الطفل، إذ لا بد من تحقيق الشراكة دون فوقية".

قبول المصطلح ورواجه

وعن معنى مصطلح الكاريزما تقول جناحي: "يلقى مصطلح "كاريزما" الكثير من الإعجاب والانتشار لدى الناس في العصر الحديث، وهو ما يعكس في الغالب تصورنا للشخصية القوية المميزة، ولأننا نصبو كبشر إلى الحصول على القبول والمحبة من المحيطين بنا، فإن الكثير منا يتمنى في داخله لو أنه كان من فئة الكاريزميين بالفعل، ثم يعود سريعاً من مثل هذه التخيلات معتقداً أن امتلاك الشخصية المحبوبة، والواثقة، والقادرة على امتلاك اهتمام الآخرين، والتأثير فيهم هو هبة وراثية، تقتصر على فئة محدودة من الناس".

وتزيد جناحي: "تدعم بعض الثقافات المجتمعية هذا التفكير المحبط، وتغض النظر عن الجذور اليونانية لمصطلح "كاريزما" والذي يعني الإلهام أو القدر الإلهية.. وكنتيجة لهذه الأفكار، تصبح الرؤية السائدة في البيوت والمدارس هي الكشف عن أصحاب الشخصيات الكاريزمية ودعمهم، أما باقي البشر من الكبار والأطفال، فإن وظيفتهم هي التركيز على واجباتهم في انتظار حضور الشخصية الكاريزمية القائدة لتدلهم على طريق الخير والصلاح.. إذا الشخصية الكاريزمية يمكن إكسابها للأطفال من خلال أساليب التربية المشجعة على إظهار القدرات، والخوض في التجارب، والتدرب على ممارسة المسؤوليات والتوجيه السليم من الآباء والمربين، كل ما في الأمر هو التركيز على منحهم الفرص وتوجيههم إلى المهارات والفنيات التي تمهد لهم الطريق".

وتفصل في التوضيح قائلة: "الطفل المبتهج المرح، صاحب شخصية مبتهجة تجذب الآخرين، لأنها مصدر للراحة النفسية، ونسيان الهموم، أما الطفل المعبر الفصيح، فهو صاحب شخصية معبرة جاذبة لأنها تتكلم بما يريد أن يقوله الناس، في حين أن الطفل المتحمس دائماً، هو صاحب شخصية جاذبة لأنها تبث فيهم الرغبة في الحركة والعمل، أما الطفل الشغوف بهواية ما فهو صاحب شخصية تجذب الآخرين، لأنها تبهرهم بالقدرة على أداة مهارة ما".

وتواصل جناحي في توضيح مواطن الجذب عند الطفل بقولها: "يعتبر الطفل الحنون العطوف، صاحب شخصية جذابة لأنه يحب أن يشعروا بالاهتمام، أما الطفل الماهر في لغة الجسد فهو صاحب شخصية ماهرة في جذب الآخرين لأنه يتملك مهارات إضافية للتواصل، في حين أن الطفل الهادئ الصبور هو صاحب شخصية هادئة تجذب الآخرين لأنها تبث فيهم الاسترخاء والاطمئنان، وأخيراً يعتبر الطفل حلال المشاكل صاحب شخصية جاذبة لأنه قادر على التفاعل مع المشكلة وحلها وبالتالي تسند إليه مهمة الاستشارة وأخذ الأفكار".

وتقول د جناحي: "إن أكبر الشخصيات وأكثرها تميزاً كانت في الواقع أطفالاً لأسر عادية، ولعل أكثرنا يتذكر أن التربية في الماضي كانت تركز بالفعل على إبراز جوانب التميز في شخصيات الإخوة في البيت الواحد، فهذه الأخت المسؤولة عن المطبخ، وتلك كاتمة الأسرار، وذلك المحترف في اختيار ألوان السجاد والأثاث، والمؤسف أن هذه الإضاءات التربوية الجميلة لم نعد نلحظها في الكثير من البيوت الآن".

اكتشاف التميز

وتوصي جناحي بالانتباه إلى مسؤولية الوالدين في اكتشاف جوانب التميز، وعنها تقول: "إن أهم خطوة في طريق تنمية شخصية الطفل هي اكتشاف جوانب تميزة، والتميز الذي أعنيه لا يقتصر على الصور المعروفة من أشكال الهوايات، كالفن والرياضة والموسيقى، فهناك سمات داخلية خاصة يملكها كل طفل وهي التي يمكن من خلالها أن نقول هذا الطفل حنون، وذلك مبتهج، وتلك مبادرة، حتى ظهور الابتسامة التلقائي على وجوه بعض الأطفال دون غيرهم هو سمة مميزة في شخصياتهم يفترض الاحتفاء بها، علاوة على ذلك، هناك من الأطفال من يحبون العمل الانفرادي ويبدعون فيه، ومنهم من لا يستطيع الانطلاق في إبداعه إلا إذا كان محاطاً بمجموعة من الأصدقاء، كما هناك من الشخصيات من (يتنطط) فرحاً حين يدخل والده إلى المنزل، بينما يكتفي طفل آخر بالعناق الهادئ لإظهار شوقه ومحبته، إن مثل هذه الملاحظات هي التي يفترض أن يستكشفها الآباء في أبنائهم، للوصول إلى نمط شخصياتهم المميزة".

وقالت: "بناء قدرات الطفل هو ما نتحدث عنه، لذلك نقول لأولياء الأمور، اكتشف من هو طفلك أولاً، ثم ابنِ على ما وجدته من صفات مميزة فيه، ساعد طفلك أن يلاحظكم هو صبور في حل الواجبات، أو مسيطر على أعصابه في المواقف التي تستدعي الانفعال، ربما تجد أن هذه الأشياء صغيرة، لكنها بالفعل بذور لقدرات خاصة يملكها بعض الأطفال دون غيرهم.. لا توجد شخصية جيدة وأخرى سيئة، فكل طفل لديه شيء جميل قابل للنمو والتطوير، وإن إيمانك وقناعتك بهذه المبادئ هو اللبنة التي تصنع لطفلك إطاراً خاصاً يحيط بقدراته، وشخصيته المختلفة".

عبارات وممارسات

وتقدم جناحي عبارات تساعد الطفل على اكتساب الشخصية الكاريزمية الناجحة، بقولها: "حين يواجه الطفل مشكلة مع صديقه، لا بد من تنمية القدرة على نقد الذات، وهنا نقول للطفل أسأل عما قلته وعملته بموضوعية، قبل أن تلقي باللوم على صديقك.. وحين يريد التفاوض مع الآخرين، لا بد من تنمية التكيف مع العالم، وهنا نقول للطفل ابحث عن الجيد في عروض الآخرين، قد تتنازل أحياناً عن أشياء تحبها من أجل بناء علاقات جيدة مع أصدقائك.. وحين يفشل الطفل في تحقيق هدفه، لا بد من تعزيز قيمة المثابرة للوصول، وعندها نقول للطفل لا نحصل دائماً على ما نريده من المحاولة الأولى، علينا أن نكرر المحاولات إن رغبنا بالفعل في الوصول للهدف.. وحين يخسر الطفل فرصة جميلة، لا بد من تنمية الحس الواقعي، وعندها نقول للطفل بعض الفرص الجميلة، قد نتألم لعدم حصولنا عليها، تذكر أن هناك دائماً أشياء جميلة قادمة".

وأخيراً ثمة أخطاء قاتلة للثقة يمارسها بعض الأهالي دون قصد، ولكن يتوجب الوعي بأثرها، وعنها تقول د جناحي: "لا يتوجب التعامل مع الأطفال بشكل عشوائي، إذ يجب أن تكون كل كلمة وتصرف محسوبة ومدروسة مع الطفل، وأفضل الآباء هم الذين يجعلون أبناءهم يحتارون في رد فعلهم تجاه الأمور، فالطفل قادر على دراسة والديه، ولكن تحقيق عنصر المفاجأة أمر له جدوى، ولكن بشكل عام لا بد من تجنب المقارنة بين الأطفال، وعدم تقديم التوقعات المبالغ فيها، وعدم المبالغة في الحماية، وتجنب الانتقاد المستمر، والسخرية والاستهزاء".