قدم الطالب ثامر بحر رسالة ماجستير بعنوان "المسؤولية الجنائية والمدنية على الطبيب عن إفشاء السر المهني"، حيث اعتبر أن مسؤولية الطبيب تعتبرُ بدورها من أهم الموضوعات التي تُثير اهتمامَ الباحثينَ في الوقتِ الحالي، وذلك بسبب تنامي المعطياتِ الطبِّيةِ وخطورتها لأنها تمسُ فئةً كبيرةً من المجتمع.

وتعتبر مسؤولية الطبيب الجنائية بصفة عامة من أهم الموضوعات التي تثير اهتمام الباحثين في الوقت الراهن، نظرا لتنامي المعطيات الطبية وخطورتها من ناحية، ومن ناحية أخرى لارتباط المسألة بموضوع سر المهنة الطبية وهو من المواضيع المعقدة، لأنه يثير الكثير من المشكلات القانونية والعلمية بوصف السر المهني وموضوعه من الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان.

وتضمنت المادة (12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أحكاماً تتضمن حماية الخصوصية الشخصية للأفراد. ويأتي الالتزام بالاحتفاظ بالسر الطبي ضمن قائمة من أسرار المهن التي يتوجب على أصحابها الالتزام بهذه الأسرار مثل المحامين والوكلاء وغيرهم من أصحاب المهن الذين يتصل علمهم بهذه الأسرار بحكم عملهم، ولا سيما الأطباء.

وفي هذا السياق يُعدُّ موضوع سر المهنة الطبِّية من المواضيع بالغةً الأهمية وتثير كثيراً من المشكلات القانونية، نظراً لكونه من الموضوعات البالغةً التعقيد، وباعتبار أنّ سرَّ المهنة الخصوصية الشخصية للأفراد، والتي كفِلت القوانين والمواثيق الدولية جانبها حقاً من حقوق الإنسان.

ومن منظور الباحث بحر، يأتي الالتزام بالاحتفاظِ بالسّر المهني للطبيب ضمن قائمة من الأَسْرار المهنية التي يتوجب على أصحابها الالتزام بعدم إفشائها، حيث يمثل الأخيرُ خطأً مهنياً مثل الأطباء والمحاميين والوكلاء وغيرهم من أصحاب المهن الذين يتصلُ عملَهُم بهذه الأسرار كقاعدةٍ عامّة.

وأكد الباحث في رسالته "مما لا شك فيه الاحتفاظ بالسّر المهني للطبيب بدأ واجباً أخلاقياً على الأطباء بأن يلتزموا الصمتَ والكتمانَ ليس فقط على ما يبوح به المريض إليهم من أقوال تعتبر من الأسرار بالنسبة للمريض، بل كذلك يجمع بما يمكنهم رؤيته او سماعه أثناء ممارستهم مهنتهم، أما إذا لم يلتزموا الأطباء بهذا الواجب الأخلاقي والقانوني المتمثل في واجب الإمتناع عن القيام به، فتثار مسؤوليتهم المدنية. وإذا ما شكل فعلهم جريمة إفشاء الاسرار، فيقع الأطباء تحت طائلة قانون العقوبات".

يذكر أن المشرع البحريني جرم إفشاء الأسرار من خلال المادة رقم 371 من قانون العقوبات رقم(15) لسنة 1976، فاشترط لقيام المسؤولية الجنائية على الطبيب عن إفشاء السر المهني أن تتوفر كافة عناصر الركن المادي لهذه الجريمة، وهي إفشاء السر والضرر والعلاقة السببية التي تربط بين الفعل المكون للجريمة والضرر الناجم عن هذا الفعل، وكذلك لابد من توفر الركن المعنوي بعنصرية العلم والإرادة ، ولا تخلوا هذه الجريمة كغيرها من الجرائم لركن خاص أو ما يسمى بالشرط المفترض لقيامها ، وهو وجود السر الطبي وصفة المؤتمن على السر.

الاستثناءات

وأشار الباحث بحر إلى أن هناك استثناءات ترد على اعتبار إفشاء السر جريمة يعاقب عليها القانون، حيث أجاز المشرع البحريني في الحالات الاستثنائية التي تلزم الطبيب بالإبلاغ وإفشاء أسرار مهنته للجهات الرسمية المعنية أن يفشي هذه الاسرار، حيث أنّ تبليغ هذه الأسرار لغير الجهات المختصة يعتبر إفشاء للسر.

ومن هذه الحالات والاستثنائية التي عددها الباحث يؤكد على أن السر الطبي يفشى تنفيذا لأمر القانون، حيث أجاز المشرع البحريني للطبيب أن يفشي سر المهنة في بعض الحالات كالإبلاغ عن المواليد والوفيات.

كما أجاز له الإبلاغ عن الأمراض المعدية، وفي هذه الحالة لا يعد الطبيب مفشي لسر من اسرار مهنته. كما يفشى للإبلاغ عن الجرائم، وأوجب المشرع البحريني في هذه الحالة إفشاء السّر الطبّي إذا علم الطبيب أثناء أو بسبب تأدية عمله بوقوع جريمة من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب.

وأضاف الباحث أن الشهادة أمام القضاء تفترض تيسير أمر العدالة، إذ يجوز للطبيب أثناء أدائه للشهادة أمام القضاء أن يفشي سرا من أسرار مهنته، ولكن في حدود الشهادة، بحيث لا يفشي ما وصل إلى علمه أثناء أو بمناسبة تأديته عمله في غير حدود ما سؤل عنه في المحكمة.

كما يعد من أعمال الخبرة، حيث يعتبر الخبير من أهم المساعدين للقاضي، فالخبرة من المهن المهمة التي تكون تصرف القاضي في المسائل الدقيقة التي تتطلب دراية علمية وفنية ضرورية لمساعدة القاضي للبت في المسائل القانونية، ويكون عمل الطبيب في حال استدعائه كخبير جزء لا يتجزأ من عمل المحكمة، وبذلك يجوز له أن يفشي سراً توصل إليه اثناء استدعائه لعمل من اعمال الخبرة بحيث لا يتعدى الإفشاء حدود ما استدعي له من اعمال الخبرة.

ويختم الباحث ثامر ذكر الاستثناءات برضا المجني عليه، وفي هذه الحالة يجوز للطبيب أن يفشي سر المريض إذا كان هذا الرضا صادراً من المريض صاحب السر، واجاز المشرع البحريني للطبيب في هذ الحالة أن يفشي هذا السر من خلال نص المادة 114 من قانون المرافعات المدنية والتجارية وتعديلاته رقم (12) لسنة 1971 .

حدود الخطأ الطبي

ففي نظر الباحث ثامر بحر، تتمثل أهدافُ الطّب في بذل العناية لشفاء المريض، وهي كمهنة حرّةٍ تقوم في ممارستها بأعبائها.

ويرى أن الطبيب باعتباره إنساناً ليس معصوماً من الخطأ بكافة صوره، ومن أهم صوره التي هي محل الدراسة والبحث: إفشاء السّر المهني التي تقضي بمساءلته عنها، فالطبيب يُسألُ مما قد يرتكبه من أخطاء في معرض ممارساته لمهنته، بحيث لو توفرت كافة أركان المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية قامت المسؤولية المدنية على الطبيب، ويتمثل الخطأ في مسؤولية الطبيب عن إفشاء السر المهني في فعل الإفشاء.

ولا يكفي لقيام المسؤولية على الطبيب توفر هذا الركن بل يجب أن يترتب على هذا الخطأ ضرر يصيب المريض، أي لابد من أن ارتباط هذا الأخير بالخطأ وهي ما تسمى برابطة السببية، ولقد حرص المشرع على حماية المريض وما يمس شعوره وعواطفه بقيام هذه المسؤولية على الطبيب.

شروط المسؤولية العقدية

قد تكون مسؤولية الطبيب في حال تحقق أركان المسؤولية عقدية وقد تكون تقصيرية، ولاعتبار مسؤولية الطبيب عقدية لابد من توفر شروط المسؤولية العقدية، تتمثل في أنه يجب أن يكون هناك عقد بين الطبيب والمريض، وأن يكون العقد صحيحاً.

إلى جانب أن يكون خطأ الطبيب نتيجة لعدم تنفيذ إلتزام ناشئ عن عقد العلاج، على أن يكون المدعي صاحب حق في الاستناد إلى العقد. وهو بدوره يسشتلزم أن يكون المتضرر هو المريض.

حالات التقصير الطبي

وإلى جانب هذه الشروط، حدد الباحث عددا من الحالات التي تكون فيها مسؤولية الطبيب تقصيرية، وتحدث عن خمس حالات، مع الطبيب الذي يعمل في مستشفى عام، وعند تقديم الطبيب لخدماته مجاناً.

وفي حالة الطبيب الذي يتدخل من تلقاء نفسه لمعالجة المريض، أو امتنع عن العلاج أو إنقاذ المريض دون مبرر، وفي حال إصابة الغير بضرر ناجم عن تدخل المريض، وخيرا إخلال الطبيب بالتزامه، بحيث يأخذ مخالفته طابعاً جنائياً.

التعويض للضرر

اعتبر الباحث أن الضّرر الذي يصيب المريض وذويه نتيجة إفشاء السر المهني الطبي يتطلب هنا أنْ نبحثَ في أفضل السُّبل وأقصرها للتعويض عن ذلك، إلا أن التعويض لا يُستحق إلا بأثبات الخطأ الذي صدر من الطبيب في حق المريض، ففي مجال المسؤولية العقدية للطبيب يقع على عاتق المريض إثبات وجود الرابط العقدي بينه وبين الطبيب.

وعلى الأخير إذا أراد التخلص من المسؤولية إثبات تنفيذ إلتزامه العقدي أو السبب الأجنبي، أمّا في مجال مسؤولية الطبيب التقصيرية، فإنّه يقع على عاتق المريض إثبات خطأ الطبيب أثناء المعالجة وأنه لم يبذل في تنفيذ إلتزامه العناية الواجبة.

وذكر الباحث أن تقدير الأدلة يخضع لقيام المسؤولية المدنية على الطبيب لسلطة قاضي الموضوع الذي يستطيع أن يلجأ عند إخفاء الأمر عليه إلى إجراء الخبرة في المسائل الفنية، ويبقى القاضي محتفظاً بحرية تقدير ما يرد في تقرير الخبرة، إلّا أنه لا يجوز له أن يقوم بإثبات ما يجب على المريض إثباته، وقد يقوم القاضي بتقدير الخطأ نفسه، إذا تعلق الإثبات ببعض الأعمال الطبية الظاهرة، كما في أحوال عدم إعطاء المريض حقنة البنج أو عدم تعقيم الأدوات الطبية المستعملة في الجراحة، أو في حالة نسيان بعض هذه الأدوات في جسم المريض بعد إجراء العملية وهذه الحالات هي ما يطلق عليها الفقه الأخطاء العادية.

جبر الضرر

ولفت الباحث في رسالته، إلى أن التعويض يقوم على جبر الضرر الذي لحق بالمريض بسبب خطأ الطبيب المتمثل في فعل الإفشاء، ولذلك يعد الضرر هو أساس التعويض فيمكن قيام المسؤولية دون خطأ ولكنها لا تقوم إلا بالضّرر.

وبذلك يرتبط التعويض وجوداً وعدماً بالضّرر فلا ينشأ الحق في التعويض إلّا بتحقق الضرر، وفي حال تحقق الضرر لابد من البحث في كفية تقدير التعويض، حيث يختلف تقدير التعويض عن الأضرار المادية في المسؤولية التقصيرية عنه في المسؤولية العقدية.

ففي المسؤولية التقصيرية يتم التعويض عن كل ضرر مباشر متوقعاً أو غير متوقع، بينما في المسؤولية العقدية يتم التعويض على الضرر المتوقع فقط، أما التعويض عن الضرر الأدبي فله سمات تميزه، فيتم تقديره بناءً على اعتبارات ذاتية، خاصة إذا كان الضّرر معنوياً، فتكون ضوابط تحديده مرنة، وبالتالي تتفاوت المحاكم في تقديره، حيث أن عمر المريض وشهاداته العلمية ومكانته الاجتماعية ذات أهمية بالغة بالنسبة لتقدير التعويض عن الضّرر الأدبي، ويقدر القاضي التعويض عن الضّرر الأدبي بقدر الضّرر المباشر، سواء كان الضّرر مادياً أو أدبياً، وسواء كان حالاً أم مستقبلاً طالما أنه محققاً.