نص - جابر خمدن:

عندما تبتعدين عني، تتغير ملامح الكون، السماء تصبح أكثر قتامة، تغادرها زرقتها، النجوم والكواكب وعلى رأسها القمر تتململ في أفلاكها. كل يفتش عن وجهك المستدير ومحياه المبتسم. تثرثر النجوم في سمر مع القمر، عنك، عن أميرة سليلة تلك الجزر المغمورة بالضياء، عن امرأة تتوضأ بماء المزن، تصلي في محراب العشق المجنون.

أنت لست كأي من النساء، أنت عصارة كل النساء، منذ أن نزلت حواء إلى الأرض. قبلك، كان في الكون أجمل النساء، بعدك لم أعد أرى إلاك. كل الجميلات في حضورك يتلاشين كالضباب، وتبقى طلعتك البهية كشمس شباط المنيرة.

في بعدك عني، تتلوى الدروب مثل ثعابين غابات الشرق الأقصى، دهاليز من الضياع تسلمني إلى الفراغ. قربك، تبدو الطرق مستقيمة، توصلني إلى منبع الحب، إلى بئر الحنان، أمتح منه رشفات الزلال.

عندما تكوني بعيدة، أنكمش على نفسي في غرفتي البعيدة في بلاد بعيدة. تصبح الغرفة مثل علبة اسمنتية تحاصر أشواقي، تحاصرني في المساءات المتوحشة. دون رفقتك حبيبتي، لا أرى ألوان قزح، لا أفقه شدو البلابل فوق الغصون. لا يصاحبني الصباح بمودة مثلما أكون معك متأبطاً ذراعك وابتسامتك تصافح الكون.

جربت البعد عنك، فكان الطعم علقماً. لم أدر أن شاي الصباح يستمد طعمه من فمك الرائع. ولم أكن أعرف سر ارتباط الشمس والقمر بحضورك البهي. هل أنت جنية؟ أم أنك كسليمان النبي، سخرت له الريح والجن.

لا أدري، لكن بسمتك تفرح كل النجوم ويقهقه من أجلها القمر المنير. حتى الريح تصبح هواء نسيماً يداعبني وأنا معك. عندما أكون وحدي، تزمجر الريح كأنها غاضبة مني، وتسألني عن أميرتي، لماذا لا تصاحبها هذا الصباح؟ لماذا تجلس وحيداً في مطعم بعيد، تتذوق طعم إفطار تحول إلى نكهة عجين.

أدركت الآن أن حاسة التذوق تتعطل في غيابك، وعلمت الآن أن كل الحواس الخمس تستمد نشاطها من وجودك. لماذا تركتني أسافر وحيداً من أجل رواية لم تكتب لولاك؟ لماذا لم تحزمي حقيبة مشاعرك وترافقيني؟ منعك الوقت، أعرف الإجابة المخاتلة، منعك حضورك الرسمي هناك. كل هذا أعرفه، لكن لم أعرف أن مفاتيح أقفال حياتي موجودة في قبضة يدك الساحرة الأنيقة.

حبيبتي، مدي إلي يدك من البعيد لعلها تطوي مسافات شوقي وتحتضن كفي المرتجفة في برد قاهرة المعز. أرسلي بسمة من ثغرك اللؤلؤي، دعيها تمتطي ريح الصباح لتستقبلني على باب الفندق البعيد، واتبعيها بقبلة شوق تخترق الآفاق كالشهب الهاوية من السماء. دعيها قبلة شهاب يسقط بقربي ولو ومضة ضوء في الظلام.

إني أحبك، يوم لم يكن في الكون جميلة إلاك، وإني أحبك بعد أن نزلت كل حوريات السماء إلى الأرض، وإني أحبك وأحبك وأحبك بين ملايين النساء الجميلات، الطويلات كالنخيل، القصيرات كالغزلان، النحيلات والسمينات. أنت فقط بالطول الذي أحب، بالعرض الذي أحب، بالوزن الذي أحب، هل خلقتك السماء دون النساء كما أحب؟