حرصت مملكة البحرين على تدعيم علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي سواء على المستوى الثنائي أو على المستوى الجماعي من خلال عضويتها في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.

وتتميز العلاقات البحرينية الأوربية بأنها قديمة وراسخة، وزادت وتيرتها بعد نشأة الاتحاد الأوروبي عام 1992، ومع تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الحكم عام 1999 انطلقت هذه العلاقات إلى آفاق أرحب من التعاون، حيث حظي المشروع الإصلاحي بترحيب كبير من جانب دول الاتحاد الأوروبي وشكل محفزًا جديدًا لعلاقات أوثق، ومثلت الخطوات الانفتاحية التي أنجزتها مملكة البحرين في الجانب الاقتصادي نقلة نوعية مهدت لعلاقات كثيفة بين الجانبين على المستوى الاقتصادي.

ولعل أبرز الصور التي تؤكد ارتفاع حجم التعاون البحريني الأوروبي هذا الزخم من الزيارات الكثيفة بين الجانبين على كافة المستويات وفي مختلف المجالات، حيث يحرص جلالة الملك المفدى على زيارة دول الاتحاد الأوروبي والتباحث مع قادتها حول العلاقات الثنائية والجماعية وآخرها زيارة المملكة المتحدة في مايو الماضي وبلغت زيارات جلالته خلال أربع أعوام فقط من 2012-2016 تسعة عشر زيارة لدول الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل يحرص قادة ومسئولو دول الاتحاد الأوروبي على زيارة مملكة البحرين لدفع التعاون بين الطرفين حيث بلغت استقبالات جلالة الملك المفدى لوفود أوروبية 48 استقبالاً خلال نفس الفترة.

إلى جانب ذلك تتعدد الزيارات على مستوى المسئولين ولتأكيد ذلك بلغت زيارات وزير الخارجية خلال الأعوام من 2012 حتى 2016 إلى دول الاتحاد الأوروبي 48 زيارة، بالإضافة إلى ذلك تتكثف الزيارات المتبادلة بين المجالس التشريعية والوفود التجارية والثقافية والتعليمية والصحية وغيرها.

وتتعدد مجالات التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، فهناك العديد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي وقعتها مملكة البحرين مع دول الاتحاد الأوروبي، وتشترك البحرين ودول الاتحاد الأوروبي في محاربة الإرهاب الدولي، ونبذ الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وقد ساهما في العديد من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب ومنع تمدده وانتشاره، ومن ذلك الاشتراك في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي وعلى تنظيم القاعدة الإرهابي، والدعم الأوروبي لمملكة البحرين في مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية الممولة خارجيًا والتي تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين.

ويعد المجال الاقتصادي مجالاً رحباً وواسعاً للتعاون البحريني الأوروبي في ظل رغبة الجانبين في توطيد هذا التعاون، حيث يعد الاتحاد الأوروبي ثالث شريك تجاري مع مملكة البحرين. ويعمل الجانبان البحريني الأوروبي على الارتقاء بحجم التبادلات التجارية البحرينية الأوروبية المشتركة، من خلال تشجيع إقامة المشاريع المشتركة، وفتح قنوات استثمارية جديدة، وتشجيع وتحفيز التعاون الثنائي في مجال تنمية وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بصفتها إحدى ركائز ودعائم الدخل القومي وتحقيق الاستدامة في البحرين، وتشجيع توافد أصحاب الأعمال وممثلي مختلف القطاعات التجارية والصناعية بين البحرين ودول أوروبا؛ لبحث المزيد من فرص الاستثمار المتاحة وتنميتها.

ونظراً لقوة العلاقات البحرينية الأوروبية قرر الاتحاد الأوروبي عدم إدراج اسم مملكة البحرين ضمن قائمة الدول التي سوف يتم فرض رسوم وقائية عليها في قضية التحقيق المقامة من الاتحاد الأوروبي في إطار منظمة التجارة العالمية ضد وارداتها من دول العالم من منتج الحديد والصلب.

ويأتي إعفاء صادرات مملكة البحرين من تلك الرسوم نتيجة لنجاح المشاورات الثنائية بين وزارة الصناعة والتجارة والسياحة ومكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلى إثر ما تم تقديمه من دفوع قانونية وفنية خلال فترة التحقيق الذي أجرته مفوضية الاتحاد الأوروبي؛ كما أن نجاح المسعى جاء نتيجةً لتفعيل القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية دفاعاً عن الصناعات الخليجية.

وامتد التعاون ليشمل الجانب البيئي، حيث عقد في مايو 2015 مؤتمر "الأسبوع البحريني الأوروبي للبيئة لمدة أربعة أيام عبر العديد من ورش العمل والندوات تحت رعاية المجلس الأعلى للبيئة برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة، وتنظيم المركز الإقليمي بالتعاون مع سفارات ألمانيا، وإيطاليا وفرنسا لدى مملكة البحرين والمجلس الثقافي البريطاني. ومن بين توصياته زيادة العمل على المشاريع البيئية المشتركة بين مملكة البحرين والاتحاد الأوروبي في مجالات بناء القدرات، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، إضافة إلى أهمية أن يعمل القطاع الحكومي والخاص بتعاون فيما يخص التدابير البيئية في مجالات مختلفة منها وضع آليات إدارة مستدامة للسواحل في حالات ارتفاع مستوى مياه البحر، واتخاذ تدابير نافعة للحد من التلوث الجاري في خليج توبلي لتهيئته لعملية التنقية في المستقبل ودارسة تأثير الوضع البيئي والمناخي على التراث الثقافي البحريني. وتم الاتفاق على إنجاز شبكة تعاون بحريني أوروبي تعمل على استمرارية العمل المشترك على قضايا البيئة في البحرين عبر استخدام وسائل الإعلام، والمؤسسات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.

وتبذل مملكة البحرين دوراً مشهوداً على صعيد تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي، انطلاقًا من عضويتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث وقعت مملكة البحرين مع دول مجلس التعاون اتفاقية تعاون مع الاتحاد في عام 1988، مما مهد الطريق لعلاقات اقتصادية وسياسية وتجارية أوسع على المستوى الثنائي والجماعي. وتشكل الاتفاقية أساس العلاقة بين الجانبين والتي تهدف إلى: تعزيز الاستقرار في تلك المنطقة ذات الاهتمام الاستراتيجي؛ وتيسير العلاقات السياسية والاقتصادية؛ وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والفني؛ وزيادة حجم التعاون في مجالات الطاقة، والصناعة، والتجارة، والخدمات، والزراعة وإنتاج الأسماك، والاستثمار، والعلوم، والتكنولوجيا، والبيئة.

وتشارك مملكة البحرين في اللقاء السنوي الذي يجمع وزراء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بنظرائهم في الاتحاد الأوروبي لعقد محادثات عن القضايا الملحة التي تهم الطرفين. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تم تأسيس مجموعات خبراء لتتولي المسائل القطاعية مثل قضايا الاقتصاد الكلي والتعاون في مجل الطاقة.

وقد استضافت مملكة البحرين عدداً من الاجتماعات الخليجية الأوروبية منها المجلس الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي في دورته الثالثة والعشرين، الذي استضافته في يونيو 2013، وبحث هذا الاجتماع الهام توسيع دائرة التعاون السياسي والتجاري والاقتصادي بين الجانبين، والقضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمتها إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى قضايا أخرى كالعلاقات مع إيران وملفها النووي المثير للجدل.

كما نظمت وزارة الخارجية بالتعاون مع مصرف البحرين المركزي وبالتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي ورشة العمل الخليجية الأوروبية المشتركة الثامنة لمكافحة تمويل الإرهاب في أبريل 2015، والتي كان من أبرز بنودها مناقشة آليات تبادل المعلومات وتلقي المساعدة الفنية بين دول المجلس ودول الاتحاد الأوروبي، لتعزيز أعمال اللجان الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وعلى المستوى الاقتصادي، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي شريكاً تجارياً هاماً للاتحاد الأوروبي، ووفق إحصاءات رسمية لعام 2017، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حوالي 143 مليار يورو، مما يجعل من مجلس التعاون الخليجي الشريك التجاري السادس لأهم منطقة في الاتحاد الأوروبي ورابع سوق تصديري هام (مع صادرات بقيمة 100 مليار يورو).

وشهدت التجارة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي نمواً مطرداً في الفترة بين عامي 2007 و2017، حيث زاد إجمالي التجارة بنسبة 54% في عشر سنوات. تتنوع صادرات الاتحاد الأوروبي إلى دول مجلس التعاون الخليجي ولكنها تركز على المنتجات الصناعية (91%) مثل محطات توليد الطاقة وقاطرات السكك الحديدية والطائرات ، بالإضافة إلى الآلات الكهربائية والأجهزة الميكانيكية. وشهدت التجارة في الخدمات نموًا مماثلًا حيث بلغ إجمالي الخدمات نحو 40 مليار يورو في عام 2016، مما جعل دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 4.7% من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي في الخدمات.

ومنذ عام 1990 دخلت البحرين من ضمن دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي مفاوضات للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة. ويُعد الاتحاد الأوروبي سوقاً تجارياً كبيراً لدول الخليج العربية كافة، ولمملكة البحرين بوجه الخصوص.

وتمتد العلاقات البحرينية الأوروبية من خلال دائرة ثالثة مهمة هي الدائرة العربية، حيث يجمع الجانبان علاقات تجارية وثقافية وسياسية واقتصادية تمتد جذورها في عمق التاريخ كونهما جاران متلاصقان يقعان على ضفتي البحر الأبيض المتوسط الذي يفصل بينهما ويجمعهما في آن واحد.

ويرتبط الطرفان بمجموعة واسعة من المصالح المشتركة، ويعد تعزيز العلاقات بينهما في جميع المجالات مسألة ذات أولوية لكلا الجانبين. ومن المعروف أن العالم العربي يمد أوروبا بموارد الطاقة، بينما تقوم أوروبا بدور هام في تلبية الاحتياجات العربية للمشاريع التنموية ومن مختلف السلع المستوردة.

وتشارك مملكة البحرين في كافة اللقاءات الوزارية على مستوى وزراء الخارجية التي تعقد كل سنتين، وفي غيرها من الاجتماعات رغبة منها في توطيد أواصر العلاقات العربية الأوروبية في مختلف المجالات.

ويعمل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية معاً من خلال منهجية جماعية وتعاونية متعددة الأطراف على التعامل مع التحديات المُشتركة التي يواجهها الطرفان على المُستويات المختلفة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو أمنية. ويُعتبر التعاون الإقليمي القوي أساساً لإيجاد حلول للتحديات الحالية التي تواجهها الدول العربية والأوروبية.

ويضم الحوار السياسي والتعاون بين الاتحاد الأوروبي ملفات إقليمية عديدة وموضوعات حيوية تحتل أولويات الأجندات لدى الطرفين، ومن أبرزها عملية السلام والملف السوري واليمني والليبي ومحاربة الإرهاب والهجرة والهدف المشترك البحث عن حلول دائمة من أجل تحقيق السلام والاستقرار.

ويتعاون الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية معاً في مواجهة تهريب الأسلحة المحظورة من خلال مشروع يُقَدَّر بمبلغ 2.7 مليار يورو لبناء القدرات والتدريب فى مجالات مراقبة الأسلحة التقليدية لدى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.

كما تم إنشاء مجموعة عمل للرقابة على أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة والسلاح عام 2015 كجزء من الحوار الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، حيث تلتقى مجموعة العمل بانتظام لتقييم مدى تقدم عملها.

وقد جعلت التهديدات المتنامية والتحديات المشتركة التي يخلقها الإرهاب الدولي والتطرف، وتواجهها أوروبا والعالم العربي، من مسألة وقوف الطرفين متحدين ضد الإرهاب أمراً ضرورياً. ويلتزم الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية بالحرب العالمية على الإرهاب من خلال عملهم المُشترك لدعم جهود التحالف العالمي ضد تنظيم داعش الإرهابي، مع الحفاظ على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وسيادة القانون، والقانون الدولي الإنساني. كما يعمل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، عبر إطار عمل الحوار الاستراتيجي بينهما، على تشكيل مجموعات عمل لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة المنظمة.

وعمل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012 على دعم مشروع تعزيز قدرات الاستجابة للأزمات لدى جامعة الدول العربية، حيث ساعد مبلغ 4.4 مليون يورو على تمويل إعداد غرفة أزمات جامعة الدول العربية وتهدف إلى تعزيز قدرات جامعة الدول العربية على الاستجابة للأزمات.