د.عبدالقادر المرزوقي

تمثل الثقافة بمطلقها ديناميكية متحركة في مفاصل التكوين المجتمعي بكل تلافيفه، وهي الهوية التي تؤسس خطوط المعرفة وتعاريج الفكر، فالفكر والمعرفة هما الكتاب الذي نقرأ فيه روح المجتمع، ولا يستقيم إدراك فكر أي مجتمع دون الرجوع إلى تراثه وإبداعاته التراثية، إذ إن ذلك التراث الثقافي والإبداعي يمثل المهاد الأول للإنجاز المعرفي في ديمومته واستمراريته وتسيده المشـهد المعـرفي.

إن التراث الثقافي مصطلح واسع يسلط الضوء على عدة جوانب في البناء الفكري والمعرفي للشعوب من التعبير الإبداعي والجانب المعيشـي والتقاليد والأعراف الشعبية بما تشمله من لغة وقصص وأغاني شعبية وحرف ومهن وأنماط معيشية تنتظم ذاكرة الشعوب.

يمثل التراث الشعبي في الحضارات العالمية مكونا رئيسا في بناء عناصر الثقافة السلوكية والروحية والتواصلية بصـورة تلقائية وفطرية من خلال سلوك الفرد الغريزي، وسلوكه المكتسب من خبرته الحياتية. فالتراث الشعبي وثيقـة تعاضد ترسم البيئة الـتي انتجته، كما أنه يمثل أصالة الحاضنة بعمقها ومواصفاتها.

ومن هنا تأتي أهمية النهوض بدراسة تعمل على تأصيل الإنجازات الإبداعية في الموروث المعـرفي في مجتمع البحرين، وذلك من خلال تفكيك تلك الإبداعات وتحليلها أدبيا، كما أن الموروث البحريني لا يختلف عن غيره، فهو كأي تراث يحمل في طياته القصص والحكايات والأغـاني الشعبية للكبار والصغار إضافة إلى الحكم والأمثلة التي يزخر بها التراث الشعبي. لكن لا بد من الإشارة إلى أن الـتراث المعرفي لمجتمع البحرين القديم يحمل في طياته خصائص مغايرة عن تراث المجتمعات الخليجية الأخرى، وذلك للخصوصية التي يتمـيز بهـا من كونه مجتمعا بحريا وتجاريا فرضه عليه موقعه الاستراتيجي منذ حضارة دلمون القديمة وما كانت تتمتع به من نقطة التقاء بين حضارة السند وحضارة بلاد الرافدين.