أكد المدير العام لمعهد الإدارة العامة "بيبا" د. رائد محمد بن شمس، أن العمل الحكومي النوعي أوصل مملكة البحرين لتكون على خارطة العالم الذي لا يختلف في فهمه للغة واحدة ممثلة بلغة "البحث العلمي"، حيث أنجز المعهد أكثر من 500 بحث إداري مكن البحرين من وضع لبنات صناعة المعرفة وتصديرها في قطاع العمل الحكومي لتأخذ موقعها الإداري الصحيح عالمياً. وأوضح انتهاء معهد الإدارة العامة من تطوير قدرات أكثر من 55% من كادر الحكومة منذ إنشائه، حيث تم تطوير كفايات ومهارات أكثر من ألف و700 موظف حكومي ضمن البرنامج الوطني لتطوير القيادات الحكومية، ونفذ أكثر من 120 دورة تعاقدية شارك فيها أكثر من ألفين و800 موظف حكومي ، معلناً التوجه قريبا ببرامج مماثلة للقطاع الخاص.
وقدر د. رائد بن شمس ميزانية العمل الحالية في المعهد بـ 2 مليون 800 ألف دينار سنويا كميزانية إجمالية كان النصيب الأكبر منها مرصود من قبل وزارة المالية ومن ثم صندوق العمل (تمكين) إضافة إلى العوائد المالية من خدمات المعهد التدريبية والاستشارية، مبيناً أن العمل الحكومي يتمحور حول "سعادة المواطن"، ومقدماً قيم "المروءة والصدق والأمانة" كرهان إداري قادر على إيجاد قصص نجاح "محلية" تصل إلى "العالمية"، فحسب -وصف د. بن شمس- "لدينا "خير كثير" والغرب يتعلم منا ولكننا لا ندرك "قيمتنا" ولا نملك "الرضا".
في أقل من شهر فاز معهد الإدارة العامة برئاسة أكبر وأعرق منظمة دولية متخصصة في الإدارة العامة "المعهد الدولي للعلوم الإدارية International Institute of Administrative Sciences (IIAS)"، حيث تم التصويت لمملكة البحرين بالإجماع في انتخابات دولية تضمنت منافسة قوية من قبل الصين، وسنغافورة، وإيطاليا، والمجر، كمت حقق جائزة عالمية منحت لبيبا من قبل مركز العائد على الاستثمار الأمريكي لقياس الأثر.. فعن رهان المعهد وإنجازه في عالم الإدارة العامة وتحقيقه لشراكات دولية وإقليمية مع أكثر من 50 دولة وهيئة ومنظمة تحدث بن شمس في هذا اللقاء عن جوهر الإدارة معولاً على فكر جديد بدأ يظل بظلاله على مناحي العمل الحكومي.. فإلى التفاصيل..
ما دلالات فوز معهد الإدارة العامة "بيبا" برئاسة أكبر منظمة دولية للإدارة العامة "المعهد الدولي للعلوم الإدارية IIAS"؟
يعد المعهد الدولي للعلوم الإدارية "IIAS" أكبر وأعرق منظمة دولية للإدارة العامة، وهذا الفوز يأتي تماشياً مع الرؤية الشاملة والطموحة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه الرامية إلى مواصلة التقدم على سلم التنافسية العالمية بما يحقق تطلعات الوطن والمواطن؛ من خلال الوصول إلى تنمية مستدامة في مختلف القطاعات بما يرتقي بجودة الخدمات المقدمة للمواطن ويرفع من كفاءة الموارد المتاحة للأجيال القادمة.
المعهد رسم منذ تأسيسه نهجاً إدارياً واضحاً للارتقاء بمنظومة العمل الحكومي في مملكة البحرين ورفع مستوى كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين، بالإضافة إلى رسمه لخط ٍ إداريٍ واضح للارتقاء بمنظومة العمل الإداري على الصعيد الإقليمي ومواصلة طموحه لجعل البحرين تتبوأ مكانة إدارية عالمية.. تمكن المعهد من تغطية كل أبعاد الإدارة العامة من إدارة وحوكمة وسياسات عامة، في خططه واستراتيجياته والتي كان من أبرزها تخطيط المشهد التنافسي الإداري للوصول لهذه المكانة الدولية، من خلال تأسيس أول شبكة إدارية في المنطقة وهي شبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لبحوث الإدارة العامة ''مينابار''، والشراكات الدولية والإقليمية مع أكثر من 50 دولة وهيئة ومنظمة وتجمعاً إداريا، وتشجيع علوم الإدارة العامة من خلال تبني أول برنامج مهني أكاديمي في مجال الإدارة العامة وهو برنامج ماجستير الإدارة العامة، بالإضافة إلى اللقاءات الجماهيرية وتجمعات الطاولة المستديرة وغيرها من الفعاليات الإدارية، والتي تساهم في عملية التحول من مستهلكين للبحوث والدراسات إلى صانعين ومصدّرين لعمليات تشبيك عالمية ساهمت في إثراء الفكر الإداري، وفي رصيدنا "أكثر من 500 بحث إداري"،
إذا الفوز برئاسة المعهد الدولي للعلوم الإدارية ليست حدثاً عادياً بل هي "عملية مدروسة ومخطط لها"، فالمعهد تأسس بعد توجيه من جلالة الملك لوزير شؤون مجلس الوزراء في العام 2006 بأننا بحاجة إلى تطوير العمل الحكومي، وهنا كانت انطلاقة البداية، عملنا وأسسنا واطلعنا على تجارب وتبادلنا خبرات، والفوز الذي تحقق هو ثمرة العمل الدؤوب لأسرة بيبا، فللبحرين موقعها وهي نموذج متطور تسعى بصدق لخدمة المواطن.كثير من العلوم الإدارية وتطبيقاتها غير موجودة في العمل الحكومي، فنحن نشكو من عدم فهم السياسيات العامة في العمل الحكومي ونعاني من مشكلة في فهم التخطيط الاستراتيجي، إن كنا نريد أن يكون لنا موقع على خريطة العالم فعلينا السعي بما وجه به جلالة الملك فهو دائماً يحث على خدمة المواطنين، إذاً المحور هو المواطن، والعمل الحكومي يخدم المواطن، وتطوير النفس وفريق العمل والمؤسسة والعمل الحكومي بشكل عام هو من أجل خدمة المواطن، إذاً نحن اليوم وبعد عشر سنوات وصلت البحرين إلى أن تترأس أكبر منظمة دولية للإدارة العامة IIAS، وهو في حد ذاته بداية عمل جديد، من نهل العلوم للعلوم وتطويعها لخدمة المواطن.
صناعة ومنهجية
* يهدف المعهد لصناعة سياسات حكومية ممنهجة.. كيف حققتم ذلك؟
ثمة مدارس ومنهجيات كثيرة للإدارة ولصناعة السياسات الحكومية، ولكن المحك هو اختيار الأنسب لنا ولمجتمعنا وللمواطن، فالسؤال المهم هو: كيف أستفيد من كل ذلك في اختيار الأنسب والأصلح لنا، وهذا هو الفارق الذي نريد أن نرسخ له، فلا نريد استنساخ التجارب الغربية بل نريد إيجاد نهجنا وتجربتنا الخاصة والترويج لها عالمياً، لأننا ببساطة نستحق ذلك.
فرق كبير بين إدارة الحكومات وبين إدارة الشركات، فالمعايير في كل قطاع مختلفة، فالأولى تعمل من أجل المواطن ولها شهادات مهنية مختلفة عما هو مطلوب ومتاح في القطاع الخاص، وهذا ما ينعكس على شؤون الموظفين من جهة والحسابات من جهة أخرى، ففي العمل الحكومي ثمة تخطيط استراتيجي يختلف عن التخطيط في المؤسسات الخاصة، فأحدهما يقيس الفائدة بالمال والربح والآخر يقيسها على حسب خدمة الناس والأثر في المجتمع.
ولتحقيق أهدافنا قمنا بتشبيك العلاقات الاستراتيجية مع الشراكات الدولية والاستفادة من خبراتهم وفُضلى الممارسات الإدارية الدولية، في تأسيس أجندة إدارية تلائم احتياجات المنطقة، وساهمنا في توفير مخزون بحثي إداري يتوافق مع احتياجات المنطقة ويُسهم في صناعة سياسات حكومية ممنهجة ترتقي بالأداء، وعملنا على تكييف استراتيجية المعهد وخططه وبرامجه ومبادراته بما يسهم في صناعة السياسات الحكومية الممنهجة التي ترتقي بالأداء الحكومي.
عملنا أيضاً في مؤتمرات شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبحوث الإدارة العامة (مينابار)، بنيناها داخل المعهد مع شركائنا حول العالم، ثم أصبحت مؤسسة دولية غير ربحية مقرها الرئيس في البحرين وتخدم الوطن العربي وتعمل من أجله، آمنت فيها الأمم المتحدة حيث تم عرض علينا الانضمام إلى شبكة المفكرين الدوليين التابعة لها، وكنا دائماً نخصص أول يوم من المؤتمر لعرض أفضل الممارسات في الإدارة في الوطن العربي وخصوصا البحرين، ولدينا الكثير يتعلم منه الغرب، فنحن نملك أحيانا ما لا يملكونه ببساطة.
* كيف توائمون بين عمل المعهد وبين برنامج العمل الحكومي؟
لنحدد أولاً من ينفذ برنامج عمل الحكومة، فمن ينفذ الأهداف هو الموظف، وعليه فإن نجاح البرنامج الحكومي يعتمد على معرفة كل موظف لمكانه على خارطة العمل وتحديد مساحة عمله وفق برنامج عمل الحكومة، وأذكر أن انضم إلى البرنامج مدير إدارة في برنامج تدريبي معين قال بأن إدارته ليس لها مكان في برنامج عمل الحكومة، وبعد التدريب ذهب إلى وزارته وصمم خطة تضعه وفريق عمله على خطة عمل الحكومة، وتم إقناع الوكيل والوزير بها، فمن مثل هذه الخطوات يحدث الفارق.
لذلك نقول إن معهد الإدارة العامة "بيبا" يعمل اليوم وبشكل أساسي على إعداد قيادات حكومية قادرة على تشكيل ملامح مستقبل العمل الحكومي من خلال تأهيلها لصناعة سياسات حكومية ممنهجة واتخاذ قرارات ترتقي بالأداء الحكومي وبالتالي مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين من خلال البرنامج الوطني لتطوير القيادات الحكومية، وخدمات التقييم والإرشاد للمؤسسات والأفراد، وأيضاً خدمات الاستشارات والبحوث.
أذكر في 2007 أن استعرضنا في لقاء مع المسؤولين أن مدرسة الفكر الإداري الحكومي الفرنسية مبنية على أنه من يتدرب يجب أن يحصل على ترقية وظيفية ولكن بينا أن هذا أسلوب غير ناجح، فالتدريب لا يرتبط بشكل شرطي بالترقية، بل هو مرتبط بالأداء والأداء شرط للترقية، ومن هنا نقول إن المدارس الفكرية العالمية متنوعة، وعلينا أخذ ما يناسبنا منها، لذا فإن البرنامج الوطني لتطوير القيادات الحكومية يخلق خريجين مؤهلين يمكن الاختيار منهم للترقيات المتاحة، والترقية تأتي بناء عل القدرة لتوظيف التدريب في تطوير العمل وتحسين الأداء، إذاً الترقية في المحصلة تكون بناء على تحسين الأداء وليس بتلقي التدريب فقط.
الإدارة العامة و2030
ينسجم عمل المعهد مع الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030.. فكيف ترون المستقبل؟
إن كان العمل الحكومي مرتبطاً بسعادة المواطن، ونقيس الأداء وفق معايير تحقيق هذا الهدف، فإننا من هنا نأتي متفقين تماماً مع أهداف 2030، فالخطة الاقتصادية تضع المواطن هدفاً لها، والدول اليوم تتنافس من أجل تحقيق أفضل الممارسات التي هي موجودة لدينا في الأساس، من هنا يجب أن نؤمن بإمكانياتنا والعمل على أساسها وفق احتياجات اليوم ونظرتنا للمستقبل المتغير، وليس بطريقة عمل الأمس.
لذلك نقول إن الإدارة العامة هي المحرك الرئيس للقطاعين العام والخاص نحو الارتقاء بعملية التنمية، ونطمح من خلال الإدارة العامة إلى الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام من خلال خدمات المعهد التي تهدف إلى تغيير أسلوب تفكيرنا وعملنا للحفاظ على المال العام أو تحقيق الأثر المرجو لخدمة المواطن، لذا فقد تم تكييف استراتيجية المعهد وخططه بما يحقق الرؤية الاقتصادية 2030 بشكل أساسي وبرنامج عمل الحكومة، وكل العمل ينصب في هذا الاتجاه.
ما هي خطتكم في تسيير جملة المشاريع والمبادرات الحكومية في ظل ترشيد الإنفاق والموازنة الجديدة؟
نعمل في ظل ميزانيات متباينة، ففي 2009 إلى 2010 كانت ميزانيتنا المرصودة من وزارة المالية 5 ملايين دينار، وفي 2011 قلصت إلى مليونين فقط، والآن وصلت إلى مليون و600 ألف.. وما أتطلع إليه هو توفير كل سبل استمرارية العمل في المستقبل.. لا نقف ولا نعمل في حدود الموازنة الرسمية فقط، بل أيضاً رتبت لنا الحكومة مع تمكين لتخصيص ميزانية للبرنامج الوطني لتطوير القيادات الحكومية تقدر بـ900 ألف ، وحوالي 300 ألف دينار من إيرادات المعهد مقابل الخدمات التي نبيعها على الوزارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية داخل وخارج البحرين، إذا الخير موجود ولكن كيف نستفيد منه وكيف نسخره من أجل عملنا.. نحن نتحرك في ظل ميزانية إجمالية تقدر بمليونين و800 ألف دينار.
التحدي ليس في الميزانية، بل التحدي في تغيير طريقة التفكير وأساليب العمل، بل نريد فرق عمل تعمل على تغيير الكلمات في الرؤى والسياسات إلى خطط عمل وبرامج يقاس أثرها.
ولا يتحقق التغيير في السلوك إن لم تتغير القناعات المبنية على القيم، ففي بيبا مثلا، أعدنا صياغة القيم في استراتيجيتنا بعدما وجدنا أن القيم المرصودة ليس لها "طعم ولا رائحة"، فحددنا بعدها قيمنا المؤسسية لتصبح ثلاث قيم رئيسة (روح العطاء بصدق الابتسامة، وحب المشاركة والاهتمام بشغف، وريادة ملهمة تتجاوز التطلعات).. فمتى ما تمثلنا هذه القيم الثلاثة سوف نقفز قفزة عالية في أدائنا وفي خدماتنا، ورغم أن هيكلنا يتسع لـ200 موظفا وإلا أن كوادر المعهد لا تتجاوز 60 شخصاً يقدمون عملاً عملاقاً وجباراً وأداء عالياً.. لذا نطلق عليهم أسود ولبؤات بيبا، فالكل يعمل بحب والأثر بيّن للقاصي والداني بفضل من الله.
* هل هناك إمكانية لأن يكون للقطاع الخاص نصيب من برامجكم التي تقدم للكادر الحكومي؟
نعمل حالياً من خلال البرنامج الوطني لتطوير القيادات على تدريب موظفي القطاع الحكومي والطلب كبير، ولكن القطاع الخاص في "البال" وسوف نتوجه له قريبا سواء من خلال تطوير القيادات أو باقي الخدمات مثل الكوتشينج والتقييم السايكومتري أو خدمات البحث العلمي، إننا نعمد على إيجاد حلول إبداعية ومبتكرة، ومع إيمان الحكومة بعمل المعهد فإننا سنصل ونحقق ما هو أفضل بالتأكيد.
* الديناميكية والتغيير سمة العصر.. فكيف يتعامل المعهد مع تحديات العصر في وضع خططه وبرامجه؟
نعمل دائماً على مواصلة رفع وتيرة وكفاءة العمل في المعهد وتحسين جودة الخدمات التي نقجمها والارتقاء بها بما يساهم في مواصلة الإنجاز على مختلف الأصعدة، فمركز الابتكار الحكومي مثلا الذي نطمح له أن يولد مشاريع ومبادرات وخدمات وسياسات حكومية مبتكرة، فنحن نفخر أن نكون عنصرا فاعلا ضمن "فريق البحرين".
أرقام ودلالات
* لنتحدث بلغة الأرقام لنبين حجم العمل المنجز؟
دربنا 55% من العاملين في الحكومة، من هنا يجب أن نؤمن بإمكانياتنا والعمل على أساسها وفق احتياجات اليوم، وليس بطريقة عمل الأمس، ونفذنا 120 دورة تعاقدية، ولدينا أكثر من ألف و700 شخص دخلوا البرنامج الوطني لتطوير القيادات الحكومية، هذا بخلاف برنامج خدمة العملاء وغيرها. و75% من المخرجات التطويرية لمتدربي البرنامج الوطني لتطوير القيادات الحكومية معنية بخدمة العملاء، و40% من مخرجات البرنامج الوطني لتطوير القيادات الحكومية من مشاريع ومبادرات حكومية تندرج ضمن محور التحول الإلكتروني من حيث تطوير الأنظمة الداعمة للخدمات الحكومية وتحويل بعضها إلى خدمات إلكترونية، و18% من المبادرات والمشاريع معنية بتطوير الموارد البشرية ورفع كفاءتهم في منظومة العمل الحكومي.
المشاكل القديمة هي أحجية سهلة الحل، ولكن المشاكل اليوم مع تعقيدات وسائل التواصل الاجتماعي والعولمة أصبحت أموراً مبهمة غريبة، كنا نبحث في السابق عن البيانات ونختار أفضل الحلول ونطبقه، أما اليوم في عصر المعلومة والتكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، فمشاكلنا موجودة والمعلومات حولها مهولة، وبضغطة زر نحصل على كل شيء لذا السؤال اليوم هو: إلى أي مدى نستفيد منها ونعمل على أساسها؟ ما هو الحل "الصح"؟ الكثير يعتقد أنه الأعلم بالحل "الصح".. ولكن الحل "الصح" هو الحل الذي يرضى عنه المواطن، لا الأوفر "نفقه"، ولا "رضا المسؤول" يعتبران "صح"، من هنا نقول إن المواطن هو الغاية وهو الهدف، ومنه ننطلق وإليه نصل، وكلما ارتقى المواطن بتفكيره معنا في وضع الحلول وأصبح جزء من الحل بل ومساهم فيه استطعنا أن نصل معا إلى رضاه بما يحفظ للبلاد والعباد حقوقهم.
كما أصبح العالم اليوم ينظر إلى كيفية تصميمنا لبرامجنا داخل المعهد، وبدأنا نصممها بأيد بحرينية بعدما تعلمنا من شركائنا حول العالم بل بدأنا نتبادل الخبرات حولها، كالخدمات التي قدمناها للأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي من تطوير قدراتهم في تصميم البرامج والمحتوى التدريبي..، وأصبحنا ندرس شؤون الوطن العربي، ففي العام 2018 أوكلت لنا مهمة عمل بحثين تطبيقيين من الأمم المتحدة بـ40 ألف دولار، وغيرها الكثير.
بيبا توك..
ما الذي أضافه "بيبا توك" منذ تدشينه وحتى الآن؟ وكيف له أن يطور من العمل الحكومي؟
"بيبا توك" هو مبادرة وطنية يدعم بشكل مباشر محركات العمل الحكومي، "فبيبا توك" جاء ضمن آلية عمل التواصل الاستراتيجي بالمعهد لقيادة الفكر في العمل الحكومي الوطني إلى مستويات تُجاري التقدم العالمي المتسارع.
أدركنا أهمية أن ندرس أنفسنا وطبيعة العمل الحكومي بأسلوب علمي، وهذا ما يجب الاهتمام به، فلم تعد التخصصات الاعتيادية مطلوبة، ولم تعد النظرة التقليدية بأن العمل الحكومي عمل فضفاض أو مكان للراحة، بل هو عمل جاد تقاس إنتاجية الموظف بناء على قدرته في خدمة المواطن، وهذا هو الفارق الذي يجب أن نسعى له جميعنا.
فلدينا نبض سلبي في المجتمع تغلغل في أوساطنا بشكل منظم ونحن عنه غافلون، غافلون عن تأثيره وأثره في شل حراكنا الوطني وتشويه صورة بلادنا، فما نريده اليوم من الجميع هو توصيل المعاني السامية والقيم النبيلة للمجتمع البحريني بما يعكس الصورة الحقيقة عنا، وهنا أدعو الجميع لنرى العالم من حولنا، فمن يعيش خارج البحرين يدرك قيمة ما لدينا، وكما قيل "ما تعرف قديري ليما تجرب غيري"، وأول خطوة للإحساس واستشعار الخير والمضي للأمام يبدأ بالرضا والنظرة الإيجابية.
قصص نجاح
* الفارق لا يتضح إلا بقصص نجاح.. فهل لنا بنموذج من هذه القصص؟
ونحن نتحدث عن بناء الكفايات وتوظيفها في العمل، لدينا قصص نجاح فهناك 3 أخصائيين وكلت لهم مهمة لتعديل الوثائق القديمة، وقبيل توقيع الاتفاقية ذهبوا إلى إحدى المؤسسات الحكومية المتقدمة في نفس القطاع وتعرفوا على التقنية عندهم، وجربوا التقنية وعرضوها على المديرين وتبين أنها صحيحة ومناسبة، فسألوا عن الكلفة فقالوا لهم إن الجهات الحكومية تتعاون مع بعضها دون ميزانية، وبالتالي لن يكلف المشروع أي شيء، عندها تم إلغاء فكرة الاتفاقية السابقة التي كانت ستكلف مليون و800 ألف دينار، ومثل هذا النموذج أقدّم، ومثل هذا النموذج أدعم، فهنا نحدث الفرق.
نموذج آخر أعرضه، فالمديرون الذين ندربهم نلزمهم بتنفيذ خطة 100 يوم بعد التدريب، لقياس العائد بعد التدريب وتأثيره في اختلاف الأداء وتطويره، وكانت نتيجة أحدهم أن خطة عمله في الجهة التي يعمل بها خدمت 35 ألف عميل في فترة قياسية، فمثل هذه الخطط نريد، وعلى مثلها نعوّل.
اشتغلنا عام 2010 على المؤتمر الدولي الذي احتضنته البحرين في 2013، وكان تحدياً رئيساً، وهنا كانت بداية دخولنا في البحث العلمي، وفكرنا كيف نقدم أوراقاً مهمة في العمل الحكومي، وكيف نبدأ صناعة المعرفة بدل استهلاكها، من هنا صنعنا الفارق، اخترنا تجارب ناجحة ضمن العمل الحكومي ولكن الجميع تعذر بأن ليس لديهم وقت للكتابة وتسجيل التجربة، بعدها شكلنا فريق عمل من شباب الجامعات وتم تدريبهم، وأرسلناهم إلى أصحاب قصص النجاح التي لدينا، فصنعوا معهم 43 ورقة عمل بحرينية عرضت في المؤتمر، 6 أيام حوت 12 جلسة متوازية يومياً، في هذا المؤتمر قدمنا موقعنا على خارطة العالم في البحث العلمي الإداري، ومن المؤتمر انبثقت فكرة "مينابار"، وكانت بداية انطلاقنا نحو الكثير من المؤتمرات الدولية التي أثبتت فيها الكوادر البحرينية قدرتهم على صناعة المعرفة.
أيضاً لدينا مجموعات تدربت من 2009 وهم حتى اليوم يتواصلون مع بعضهم البعض في مجموعات، ولايزالون يعملون مع بعضهم بعضاً، وهذا ما يترجم النظرة الثاقبة لصاحب السمو الملكي ولي العهد القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حول أثر هذا التدريب ومخرجاته من تشبيك بين المسؤولين الحكوميين لتطوير العمل وحل المشاكل معا.
من أهم ما لدينا اليوم الفكر العربي الإسلامي الذي للأسف نحاول أن نتخلى عنه، فالمروءة العربية ومبادئ الأخلاق في إسلامنا الحنيف تميزنا عن غيرنا من المجتمعات، لدينا أسس تجعل من تعاطينا مع العمل قيمة أكثر من كونه مهمة عمل.. وهذا هو سر النجاح إن التزمنا به.
جائزة جديدة في الأفق
* بعد كل ذلك.. ما الجديد؟
فزنا بجائزة مركز العائد على الاستثمار الأمريكي، وهي جائزة عالمية نلناها بدراسة الأثر التي طبقناها على برامجنا، وقُدمت هذه الدراسة كدراسة علمية محكمة تقيس العائد من الاستثمار بناء على 5 مستويات بشكل منهجي محكم وعلمي، وقد فازت أسرة المعهد بهذه الجائزة التي تضاف لرصيد المعهد ولله الحمد.
نتطلع إلى الإبداع عن طريق الخروج من دائرة المعهود، فالإبداع طريقة تفكير ونمط يحتاج إلى كسر التقليدية والحواجز، وهذا ما يحتاج تعويد النفس عليه.
وأخيراً؛ أقول إن معهد الإدارة العامة سيواصل تكييف خططه واستراتيجياته؛ للحفاظ على ريادة مملكة البحرين في مؤشرات التنافسية العالمية في مجال الإدارة العامة، تماشياً مع الأجندة الحكومية لمملكة البحرين، فالمعهد باسرته جزء من الفريق الحكومي ولا بد من تكاتف الجهود والمواظبة على العمل بروح إيجابية، وإطلاق المبادرات الإدارية الرامية إلى تحقيق الاستدامة وتحسين الأداء، وذلك عبر اعتماد الابتكار، لمواصلة التقدم والريادة على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية.