عيسى جراغ
احتفت المنامة السبت الماضي بافتتاح سينما يتيم الذي يعد تتويجاً لعطاءات دور السينما على مدى 97 عاماً والتي تعرَّضت لسلسلة من المحطات كان كل منها بداية لمرحلة سينمائية جديدة.
ويبدأ هذا الامتداد التاريخي الطويل للسينما في البحرين منذ 1922م حيث قام محمود الساعاتي ببناء كوخ من سعف النخيل يقع على ساحل البحر يضم 30 مقعداً عُرضت فيه الأفلام الصامتة وبيعت تذاكرها بآنتين.
ويأتي افتتاح سينما يتيم ضمن موسم سينمائي بعنوان "120 كغ" دلالة على كتلة الأفلام التي كانت تستوردها "بابكو" كل أسبوع عن طريق الشحن الجوي من كراتشي عام 1945م.
ويعود التدشين ليحيي اسماً شجع على استيراد هذه الأفلام محققاً رواجها في البحرين وهو حسين يتيم الذي يعتبر أحد مبتكري فكرة إنشاء أول دار للسينما بالمنامة بمشاركة كل من الشيخ علي بن عبدالله آل خليفة وعبدالله الزايد عام 1937م.
وحسب ما ورد في كتاب تاريخ السينما في البحرين للمؤلف الدكتور منصور السرحان فمن الصعوبات التي واجهت السينما ظروف المناخ، ففي الشتاء يزداد البرد حدة وقساوة وتتساقط الأمطار، وفي الصيف ترتفع معدل درجات الحرارة والرطوبة ولم تعرف البحرين حينها المكيفات وأجهزة التدفئة، مما حدا بأصحاب المشروع إلى تأسيس مبنيين أحدهما صيفي والآخر شتوي. فأمَّا المبنى الصيفي فهو عبارة عن مساحة كبيرة مكشوفة محاطة بأربعة جدران استخدم أحدها كشاشة عرض وأما المبنى الشتوي فكان مسقوفاً.
ويضيف إلى أن دار سينما الوطني أو ما سُمي بمرسح البحرين قد تعرض في بدايته لموجة من الانتقادات والتوجسات لاسيما من قبل كبار السن الذين خشوا بتعبيرهم أن تؤدي قيمة التذاكر إلى انحراف الفتية وقيامهم بالسرقة للتمتع بمشاهدة فيلم بالمرسح، أو العمل بمحاكاة سلبية لتصرفات أحد الممثلين على الشاشة، حيث دوَّنت واقعة قيام أحد الشبان برش الصودا الكاوية على صاحبه تقليداً لأحد أبطال فيلم شاهده في المرسح.
وعلى الرغم من هذه الهواجس فقد كانت للخطط التسويقية للأفلام التي روج لها عبدالله الزايد بصحيفة البحرين والثقافة التي رسخها التعليم النظامي منذ 1919م الدور الكبير في تقبل المجتمع للسينما .
ومما يؤكد ما وصل إليه دار سينما البحرين من شهرة وقبول في ذلك الوقت زيارة الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود لها ومشاهدته إحدى أفلامها خلال زيارته التاريخية للبحرين عام 1939م.
ومع بلوغ العقدين الرابع والخامس تطورت سبل تقديم دور السينما فأضحت جوالة تطوف القرى والمدن البحرينية لتعرض أفلامها في مكان مكشوف على الهواء الطلق، وقد قام الفنان البريطاني هارولد ويليام هايلستون أثناء زيارته للبحرين عام 1941م بتدوين إحدى هذه العروض عبر رسمة هي إحدى أقدم المشاهد المرئية الدالة على ارتباط المجتمع البحريني بالسينما.
وبدأ رواج السينما بشكل أكبر مع دخول الأفلام العربية وانتشارها في دور السينما في أواسط الأربعينيات حيث كرَّس سينما الأهلي لصاحبه إبراهيم الزياني جلب الأفلام المصرية وعرضها عبر شاشته وكان أول فيلم يعرضه هو فيلم عنتر وعبلة، وخطرت على باله فكرة جذب الجمهور عن طريق ربط خيل أمام دار السينما، وكان له ما أراد فقد أثار الجمهور مظهر الخيل أمام سينما الأهلي الناس مما حداهم قطع التذاكر ومشاهدة الفيلم الذي طبقت شهرته حينها الآفاق.
هذا الموروث السينمائي الذي يمتد لقرن من الزمن تعرَّض إلى سلسلة من التغييرات والتطورات بنتها ابتكارات البحرينيين التي لابد لها أن تستمر بطرق تكتنفها روح الإبداع كما بعثها رواد البحرين من قبل للمحافظة على جعل البحرين قبلة تاريخية بالخليج للاستمتاع بمشاهدة الأفلام السينمائية.