تشارك البحرين، الأمم المتحدة احتفالها باليوم العالمي لمتلازمة داون، الذي يصادف 21 مارس، حيث يأتي احتفال هذا العام متركزا على موضوع "ألا يتخلف أحد على الركب"، وتنادي الأمم المتحدة دول العالم بألا تتخلف عن إدماج المصابين بمتلازمة داون في المجتمع وفقا للأهداف الإنمائية للألفية 2030 التي حددتها المنظمة.

وسعت البحرين وتنفيذا للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى، فنجحت في تحقيق معظم أهداف الألفية، وحصلت على إشادة عالمية كبيرة لمنح الأشخاص المصابين بمتلازمة داون المساواة مع غيرهم في كل الجوانب المجتمعية، كالتعليم والرعاية الصحية والعمل وسبل العيش والترفيه والمشاركة في الحياة العامة على أساس كامل وعلى قدم المساواة مع الآخرين.

وتكرست جهود الحكومة في هذا الجانب في منح الرعاية الكاملة لهم، ودعم المؤسسات العاملة في هذا المجال، والعمل على دمجهم في المجتمع من خلال تطبيق تجارب رائدة لدمجهم في التعليم وفي سوق العمل وغيرها.

ومثل القرار الصادر عن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، بوضع المؤسسات التي تعمل في مجال رعاية المتلازمة داون وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام تحت مظلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، خطوة كبيرة في إطار الدعم الحكومي للمؤسسات التي ترعى المصابين بمتلازمة داون وشكل أرضية قوية للعمل المستمر لخدمة هذه الفئة من المجتمع.

وكانت قد قامت بالسماح بتكوين جمعيات ومراكز تهتم بالأشخاص المصابين بمتلازمة داون فصارت هناك عدد من الجمعيات التي تحتضن هؤلاء، بل وهناك جمعيات متخصصة لرعايتهم منها الجمعية البحرينية لمتلازمة داون التي تأسست عام 1998 وهي من الجمعيات الأهلية الإنسانية التي أخذت على عاتقها الاهتمام بالأطفال من متلازمة داون منذ ولادتهم من خلال (مركز العناية بمتلازمة داون)؛ بهدف توفير الخدمات الضرورية للمصابين بهذه الحالة.

واجتهدت البحرين لدمج الأشخاص من متلازمة داون في سوق العمل ومنحهم فرصا متساوية مع غيرهم، من خلال مركز "لست وحدك"؛ الذي يهدف لتدريب وتأهيل وإيجاد فرص عمل لجميع فئات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم متلازمة داون مع توفير التدريب اللازم لهم وإدماجهم في سوق العمل، وقد تمكن المركز من تأهيل وتوظيف المئات في مجالات عديدة تتناسب مع قدراتهم.

ومن أحدث المبادرات التي قامت بها البحرين توقيع صندوق العمل "تمكين" إتفاقية تعاون مشتركة مع الجمعية البحرينية لمتلازمة داون تقضي بتأهيل وتدريب وتوظيف البحرينيين من ذوي متلازمة داون في الوظائف المتخصصة ذات المهارات العالية، مما يمثل خطوة مهمة على طريق الادماج، ويفتح باب الأمل لتشغيل هذه الفئة العزيزة على المجتمع في مختلف الوظائف الممكنة، وفق المعطيات المهنية والعلمية.

إن هذا المشروع يعد الأول من نوعه في العالم العربي حيث كانت مشاريع التشغيل السابقة تركز على تشغيل هذه الفئة في وظائف بسيطة، كما أنه الأول من نوعه على مستوى الوظائف المتخصصة، ويسمح بتضمين كافة شرائح المجتمع البحريني في برامج ومبادرات الدعم الرامية إلى تأسيس مبدأ التكافل الاجتماعي، وإشراك الجميع في العملية التنموية لمملكة البحرين.

ويعد هذا البرنامج وهو من إعداد وإشراف ومتابعة الخبير المتخصص في الأفراد من ذوي متلازمة داون ومدير مركز العناية بمتلازمة داون الدكتور محمد عبدالكريم المناعي من البرامج المتطورة، حيث يحتاج فريق عمل متكامل بالإضافة إلى تخصيص مدرب واحد لكل شاب وشابة يقدم له التوجيه والدعم بشكل مستمر لمدة عام كامل حتى يتقن المهمة، وبعد هذه المرحلة يستمر معه في موقع العمل حسب احتياجات كل وظيفة.

إلى جانب ذلك، سعت البحرين إلى دمج طلبة متلازمة داون في التعليم، وتعد تجربة مملكة البحرين إحدى التجارب التربوية الرائدة في هذا المجال، والتي جاءت تنفيذا لتوجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، وترجمة للمبادرات الحكومية التي تحرص على توفير التعليم للجميع.

وتطبق وزارة التربية والتعليم سياسة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة للطلبة القابلين للتعلم من فئات متلازمة داون، وبلغ عدد مدارس الدمج لهم 63 مدرسة للبنين والبنات موزعة على المحافظات، بما نسبته 36% من إجمالي عدد المدارس الحكومية، وتحتضن هذه المدارس المئات من هؤلاء الأبناء بجميع فئاتهم.

كما عززت حكومة البحرين من مكتسبات هؤلاء الطلبة بتخصيص بعثات دراسية لهم، بغض النظر عن معدلاتهم في الثانوية العامة، ووجهت كذلك إلى أن تكون المدارس الحكومية الجديدة مصممة بما يراعي متطلبات دمجهم، إضافة إلى توفير خدمة المواصلات المجانية لهم عبر حافلات بمواصفات خاصة، وإشراكهم في برامج مركز رعاية الطلبة الموهوبين.

وبهدف تعزيز قدراتهم التعليمية والتعلمية ومشاركاتهم الاجتماعية، طبقت وزارة التربية والتعليم منهجا تأهيليا لطلبة متلازمة داون في أكثر من 63 مدرسة حكومية مخصصة لدمجهم، بالتعاون مع إحدى المؤسسات الدولية المتخصصة في مناهج ذوي الاحتياجات الخاصة، وفق معايير تربوية عالمية، ويشتمل المنهج على مجالات متعددة وهي: الرعاية الذاتية، واللغة والتواصل، والتكيف الاجتماعي، والمهارات الحركية والأنشطة الرياضية، والمجال الأكاديمي، والتربية الإسلامية، والمهارات غير الأكاديمية، ويغطي المرحلة العمرية من سن 3 إلى 15 سنة.

وبدأ تطبيق هذا المنهج في الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 2015/‏2016 في إحدى مدارس الدمج، وقد تم تطبيقه تدريجيا على 3 مراحل وصولا إلى تعميمه في العام الدراسي 2016/‏2017 على جميع المدارس المخصصة لدمج هذه الفئة من الطلبة، ليستفيد منه أكثر من 500 طالب وطالبة بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية.

وخضع المعلمون والمعلمات لبرامج تدريبية متعددة قبل تطبيق المنهج في مدارسهم، كما تم تسليم حقيبة متكاملة للمنهج لكل مدرسة، متضمنة محكات وأدلة وظيفية واسترشادية موحدة، تعين على إعداد الخطط التربوية والتدريسية، مع تكثيف الزيارات الميدانية للمدارس من قبل المختصين بإدارة التربية الخاصة لمتابعة عملية التطبيق.

ونجح المنهج في تحقيق نتائج متميزة على صعيد تنمية قدرات الطلبة ومهاراتهم الأساسية في المجالات التربوية والتعليمية والتأهيلية، وساعدهم في الوصول إلى أقصى درجات التفاعل والمشاركة في المجتمع المدرسي والخارجي، واستثمر طاقاتهم ومواهبهم المتنوعة، بعد أن ساهم في تصنيف وتحديد مستويات الطلبة بشكل دقيق، وتشخيص نقاط القوة والضعف لديهم، من خلال مجالاته المتنوعة.

كما ساهم في تخفيف العبء الكبير على المعلمين في تحضير الدروس وإعداد الأنشطة، وفتح بابا من التعاون المتميز بين المدرسة والأسرة.

وفي مجال الصحة، لم تدخر البحرين جهدا في رعاية الأشخاص المصابين بمتلازمة داون من خلال توفير الخدمات الصحية والوقائية والعلاجية، ودعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تهتم بالخدمات الموجهة لهذه الفئة من المجتمع، وهناك جهود تنسيقية مشتركة مع مختلف الجهات الحكومية المعنية والمؤسسات الأهلية من خلال لجان متخصصة لتضمن حصول المتلازمة داون على جميع احتياجاتهم ومتطلباتهم ومن ضمنها الاحتياجات الصحية بكل سهولة وفاعلية.

كما سعت وزارة الصحة لرفع نسبة الوعي لدى الجمهور حول طبيعة هذا المرض وتصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالمصابين، بالإضافة إلى القيام بإبراز حقوق واحتياجات هذا الفئة ومهاراتهم.

جانب آخر من اهتمام البحرين بهذه الفئة، يتمثل في رعاية المؤسسات التي تعتني بفئة المتلازمة داون، فقد قامت شركة البحرين للاستثمار العقاري "إدامة" في فبراير الماضي تطبيقا لمبدأ الشراكة المجتمعية، بتقديم الدعم اللازم للجمعية البحرينية لمتلازمة داون، وذلك عبر تجديد عقود الإيجارات لمقر مركز العناية بمتلازمة داون التابع للجمعية البحرينية لمتلازمة داون، والموافقة على الخطط التوسعية للجمعية لاستيعاب الزيادة المستمرة في أعداد الاطفال المصابين بمتلازمة داون.

وفي مجال الرياضة اهتمت مملكة البحرين بتأهيل أبطال في مختلف الرياضات من ذوي المتلازمة وتدريبهم وإعدادهم وإشراكهم في البطولات المحلية والخارجية وتهيئتهم لكي يكونوا قادة مؤثرين في المجتمع، وهناك أسماء أبطال كبار من متلازمة داون رفعوا اسم البحرين عاليا في المحافل الإقليمية والدولية.

ولم يتوقف الاهتمام بمتلازمة داون عند ذلك الحد بل أن هناك دراسات علمية وأوراق بحثية اهتمت بهم وبإدماجهم في المجتمع، ومن ذلك دراسة بجامعة البحرين بحثت "تأثير التكنولوجيا المساعدة في طلبة متلازمة داون في البحرين"، شاركت بها الأستاذة المساعدة في قسم نظم المعلومات بكلية تقنية المعلومات في جامعة البحرين د.جفلة العماري، في المؤتمر الدولي الثامن عشر لتكنولوجيا التعليم، الذي عقد بجامعة هارفرد بولاية ماساتشوستس الأمريكية عام 2017.

واقترحت بناء شبكة اجتماعية بوسم "Bahrain.DS"، يتم بوساطتها ربط أولياء أمور طلبة متلازمة داون بالخبراء والمختصين والأساتذة والمهتمين لمناقشة الأمور الخاصة بهذه الفئة، وأكدت الدراسة أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به القطاعان: العام والخاص في الارتقاء بمراكز التأهيل ومدارس الدمج، وتهيئة بيئة تعليمية مدعمة بتقنيات مساعدة عالية الجودة لتعزيز العملية التعليمية.

ورشح المؤتمر، البحث لنشره في المجلة العلمية المحكمة (TOJET)، وتعد هذه المجلة ذات فهرسة عالمية في قاعدة البيانات.

إن ما سبق يؤكد الجهود الكبيرة التي تقوم بها مملكة البحرين في دمج ذوي متلازمة داون.