سماهر سيف اليزل

"إدمان ألعاب الفيديو" .. وصف علمي مثبت يبين خطر الانتشار الهائل للألعاب الذي سيطر على أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين والشباب.. فإدمان الفيديو لم يعد مشكلة عابرة تواجه الأسرة بل أصبحت خطراً قابعاً داخل غرف أبنائنا يضرب عقولهم ويستهدف نمط شخصياتهم ويمحي قيم اجتماعية ودينية تظهر آثارها مع مرور الوقت وترك الذات رهينة لإدمان الألعاب أثر اليوم عن انحسار الأنشطة الحياتية الأخرى، حيث ينغمس الأبناء في اللعب لساعات طويلة دون حسيب ولا رقيب، وإذا الإدمان التقني.. خطر يولد تغيرات في سلوكيات وطباع أفراد المجتمع، نستعرضها في الناحية الاجتماعية والنفسية والتربوية في هذا الموضوع الذي نبدأه بآراء مواطنين يتلمسون هذه المشكلة ، ثم نستعرض آراء اختصاصيين يبينون آثار وتبعات مستقبلية على المدى القريب والبعيد.

حنان عبدالعزيز ترى أن هذه الألعاب قد دمرت عقول أبنائنا ، وعن رأيها تقول: " دمرت هذه الألعاب أبنائنا فعلا وشغلتهم عن دراستهم ، وواجباتهم اليومية وحتى عن دينهم ، وأبعدتهم عنا ، وجعلت منهم مجانين يسيرون ويتحدثون مع أنفسهم ، فانا لدي ابن يبلغ من العمر ال26 سنة ، مهووس بهذه الألعاب بشكل كبير يقضي معظم وقته في غرفته ، يسهر اغلب الليالي لا يهتم بصحته أو واجباته اليومية ، تعبت من التحدث معه دون جدوى أو فائدة" .

من داخل البيوت

تقول الشابة سماح سيف : "لا أجد ما افعله في اغلب أوقات الفراغ سوى اللعب بهذه الألعاب فهي مسلية وتساعد على انقضاء الوقت ، تنمي روح التحدي وتكون غالبا بين مجموعات من مناطق ودول مختلفة وتساعد على تكوين صداقات ، لا أرى منها ضرر إذا استطاع الشخص التحكم بنفسه ولا يقع في دوامة إدمانها أو يجعلها شغله الشاغل" .

ومن جهتها تقول سارة عادل : "أصبحت هذه الألعاب هوس لأغلب الشباب ، فانا أسير في ممرات الجامعة وارى الشباب في مجموعات لكن كل واحد فيهم في عالمه الخاص بلعبته الخاصة ، منهم من يصرخ ومنهم من يكلم نفسه ومنهم من يقول ألفاظ خارجة عن الأدب بسبب انه غلب في احد هذه الألعاب ،كما أن البعض منهم يلعب أثناء المحاضرة ولا يترك الهاتف من يده ، واعتقد أن الموضوع يأخذ منحى غير سليم ، فهو يلهيهم عن حضور المحاضرات ، والمشكلة هنا أن البنات أيضا أصبحت لديهم توجهات لهذه الألعاب ، التي لا ليس بها أي وجه استفادة ، وتستغرق ساعات طويلة مما يسبب هدر للطاقة ومنفعة الشخص لنفسه ولمجتمعة .. ولم تقتصر على الطلبة أو المراهقين بل وصلت للموظفين في المكاتب والشركات ، وتحولت من ألعاب تسليه إلى مرض يتفشى بين المجتمع ويحتاج لمتابعة وحل" .

بناء النفس .. بين الأثر والنتيجة

يوضح استشاري الطب النفسي د.عبد الكريم مصطفى أسباب إدمان الأطفال لألعاب الفيديو ، إذ يرى أن انشغال الكبار بهذه الألعاب يقدم قدوة سيئة للأطفال، ويحذر من انشغال الآباء والأمهات عن الأطفال الذي يجعلهم يتخلصون من مسئولياتهم تجاه أبنائهم بالسماح لهم بالانشغال بهذه الألعاب ليتفرغوا إلى ما هم مهتمون به.

وفي هذا السياق يقول : " إن انشغال الأطفال بهذه الألعاب يعرضهم لعدم تعلم المهارات الاجتماعية التي يحتاجونها في حياتهم كذلك تضعف فيهم مهارات التواصل وغيرها كذلك تجعلهم يميلون للعنف الذي يتعودون عليه من هذه الألعاب وتؤثر في تشكيل ملامح شخصياتهم، ومن الممكن معالجة هذا الإدمان بزيارة المتخصص حيث قمنا بافتتاح مركز سيرين المتخصص في الاستشارات الأسرية وهو متخصص في الوقاية من هذه المشاكل وملاحقتها وهي مشكلة قبل أن تستفحل وتصبح مرض ، وهنا يقوم المركز باستدعاء كل أفراد الأسرة وإشراكهم في حل المشكلة مع الطفل أو المراهق مما يجعل عمل المركز مستمر حول الطفل طوال اليوم بمشاركة أسرته في حل المشكلة".

وعن الحالات التي يتعاملون معها يقول د عبدالكريم: "تلقينا حالات كثيرة من هذا القبيل ولهذا جاءت فكرة فتح مركز وقاية قبل حدوث المرض لا توجد إحصائيات لهذه الحالات على مستوى البحرين ، لكن من الممكن بعد فترة من عمل المركز الجديد أن تتوفر لدينا إحصائيات بعدد من طلب المساعدة منهم ولهذا نشكر جريدة الوطن على تسليط الضوء على هذه المشكلة وملاحقتها قبل أن تستفحل وتوعية المواطنين لطلب المساعدة مبكرا ".

ويحذر د عبدالكريم من التأثيرات السلبية على الأسرة ، وعنها يقول: " ادمان هذه الالعاب يزيد من التفكك وتقطع قنوات الحوار وتعيق الأسرة عن استيعاب مشاكل المراهق والتعامل معها واحتوائه من الانجراف في تيار هذه الألعاب التي تفقد الأسرة سيطرتها عليه، وننصح الشباب والمراهقين بالجلوس مع والديهم لإيجاد حلول مبكرة لهذه المشاكل فإذا لم ينجحوا يلجأوا للمراكز المتخصصة في الوقاية من المشاكل النفسية لطلب المساعدة واستشارة المتخصصين ".

التأثيرات الاجتماعية خطيرة

الأخصائية الاجتماعية دلال عبدالله تدلي برأيها مقدمة قراءة اجتماعية للموضوع، وعنها تقول:" تعتبر التكنولوجيا من أهم التطورات التي حدثت في العالم ، فهي المساهم الأول لتسهيل الكثير من الأمور في حياتنا ، فقد أصبح بفضلها وبفضل وجود الانترنت في عالمنا ،العديد من التغيرات الاقتصادية على مستوى الدولة والاجتماعية على مستوى الأسرة والنفسية على مستوى الفرد ..وأصبح الانترنت لا يخلو من أي جهاز يوجد بأيدي الناس ، فهو من أهم العوامل لمدى جودة هذه الجهاز وتطوره، ومن حق كل فرد أن يواكب التطور الذي يوجد في العالم وذلك عن طريق وجود الانترنت والأجهزة الالكترونية في حياتنا."

وتزيد في التوضيح قائلة: " لكن مع هذه التطورات ، أصبح لدى المراهقين والشباب الذين لديهم شغف الإطلاع لكل ما هو جديد في العالم الالكتروني ومعرفة كل البرامج والألعاب الجديدة ، للسير في طريق معاكس عن الطريق الصحيح في مواكبة التطور وذلك بإدمانهم الإدمان التام في الألعاب إلي يتم تحميلها في الأجهزة الالكترونية ..وترجع الدراسات أن هناك أنواع مختلفة من الإدمان ، حيث يعتبر الإدمان على الانترنت الذي يشمل الالعاب الالكترونية ، احد أهم أنواع الإدمان الموجودة لدى المراهقين والمنتشرة في كثير من المنازل بمجتمعنا، نرى ذلك الإدمان داخل بيوتنا وفي الأحياء والمجمعات والحدائق العامة وأين ما نذهب ألان ، أصبح لا يخلو أي شارع من وجود المدمنين على الألعاب الفيديو الالكترونية ."

وعن ارتباط الألعاب بالعقل وقدراته تقول دلال : "تربط الكثير من الدراسات إدمان الفيديو التغيير في الجسد والبنية الدماغية ، إذ له دور في الدماغ والانتباه والتركيز والتفاصيل ، سواء من ألعاب أو تواصل اجتماعي أو غيره من الأمورو ،هذا النوع من اضطراب الإدمان يسهم بالتأثير على مركز المتعة بالدماغ ، مما يجعل المراهقين لا يستطيعون التخلي عنه لأنه قد ارتبط بهم فسيولوجياً وجسدياً.

فلكل شكل من أشكال الإدمان له أسباب خاصة. وترجع أسباب الإدمان على ألعاب الفيديو لدى الشباب والمراهقين: قلة الأنشطة الموجودة في تعزيز الحركة لشباب ، الملل، الفراغ والوحدة ، المشاكل الأسرية الذي يعيش بها المراهق أو الشاب وتجعله يهرب من حياته بتوفير له نوع من المتعة بعيدة عن مشكلات العائلة، المهام الروتينية وغيره من عديد من الأمور التي تختلف الأسباب فيها لدى كل شخص مدمن على تلك الألعاب".

وتواصل عن الأثر النفسي: "أما بالنسبة لتأثيرها على المستوى النفسي والاجتماعي للفرد، ستبدأ التغيرات النفسية تطرأ على الفرد كلما زادت درجة إدمانه، فسوف تغرز في داخله عدم الشعور بأي سعادة إلا بممارسة تلك الألعاب، وسيكون التغير في الشخصية كبير جداً، فالعدوانية والعصبية ستطغى على المراهق والشباب بسبب الانفعال الزائد مع هذه الألعاب التي يكون بها نوع من القتال والجريمة والسرقة وغيرها من الأمور الخطيرة مما يساهم في جعل أعصاب المراهق مشدودة جداً لما يراه إلى أن يصل لحالة الاندماج التام ، وفقدان التواصل الاجتماعي مع الناس فأغلب الأشخاص المدمنين على تلك الألعاب بعيدين جداً عن من حولهم ، فأحاديثهم قليله ومنعزلين مع عالمهم الخاص المملوءة بالألعاب ، فقدان الإبداع لدى الشباب والمراهقين، خاصة بأن هذا هذه الفترة الذي يعيشها المراهق والشاب هو عمر الإنجاز والازدهار بتحقيق كل ما هو جديد ومبتكر في جميع النواحي".

بين الفشل والإنجاز

وتضيف دلال عبدالله قائلة: "الفشل الحياتي نقطة مهمة جداً، إذ يعتبر الكثير من مدمنين الألعاب قد فشلوا في حياتهم العملية لأن لا يوجد أي إنجاز من ناحية مدرسية أو جامعية وعدم القيام بالواجبات المطلوبة منهم بسبب طغيان الألعاب على حياتهم بأكملها، بالإضافة إلى ذلك تعتبر من أهم التأثيرات النفسية أن هناك ارتباط كبير بين الألعاب ووجود العدوان عند المراهقين والشباب وذلك لما يطبقونه من ألعاب حربية مملوءة بالعنف والقتل والأسلحة، فهي مساهمة بدور كبير في أن تشكل جزءاً من شخصية المستخدم لهذه اللعبة. ومع كل تلك التأثيرات النفسية والاجتماعية لا ننسى التأثيرات الصحية كمشاكل العيون والرقبة والظهر".

وتختم بتوضيح الأضرار النفسية والاجتماعية بقولها: "إن جميع ما يمر على الشباب والمراهقين من تأثير نفسي واجتماعي سيكون له انعكاس كبير على المجتمع من ناحية ارتفاع معدلات الجرائم كالضرب والسرقة لميل بعض المراهقين لأن يتقمص الشخصيات التي يراها، وتأثير شخصيات المدمنين على الألعاب على بقية أفراد المجتمع بسبب زيادة العدوان لديهم، وأيضاً عدم وجود الطموح والإبداع في البلد بسبب تدمير هذه الألعاب لإبداع الشباب، وعدم وجود مستقبل مستنير لهذه المراهقين إذا لم يكن لإدمانهم حد من قبل الأسرة التي تعتبر المسئولة والنواة الأولى التي لها دور في التنشئة الصحيحة، وذلك عن طريق تهيئة الأبناء بكافة أعمارهم بأشغال أوقاتهم بكل ما هو مفيد من دون الإفراط في ألعاب الفيديو.. أيضاً لابد من الحديث عن دور المدارس في تثقيف المراهقين بكل ما هو مفيد ويثير اهتمامهم ليساعدهم على التخلص عن إدمان الألعاب، مع التأكيد على دور المراكز التنموية لتفريغ طاقات الشباب والمراهقين لكل ما هو بصالحهم ويساهم بإبعادهم عن الروتين والملل الحياتي، لكي يقوم المجتمع بمستقبل مزدهر بأبناء مبدعين ومتميزين وبعيدين عن المخاطر النفسية والاجتماعية من إدمان تلك الألعاب".