حوار أجراه جعفر الديري
استمتع جمهور أسرة الأدباء والكتاب بالأمسية التي نظمتها الأحد الماضي 17 مارس، للاستماع إلى الأديب تقي محمد البحارنة في حديثه حول الأديب المرحوم إبراهيم العريض في غير المتداول من سيرته الشخصية وكتاباته.
واستتباعا لمدى علاقة البحارنة بأسرة الأدباء والكتاب منذ نشأتها في 1969، باعتباره معاصرا لها ورئيسا لنادي العروبة في ذلك الوقت، فقد رأت الأسرة أن تستحضر رأيه وشريط ذكرياته عنها ومسيرتها عبر الزمن، خلال الحوار التالي...
نادي العروبة رحب بإنشاء أسرة الأدباء
* عاصرت تأسيس أسرة الأدباء والكتاب سبتمبر 1969، فكيف كان المشهد الثقافي وقتها في البحرين وأي الوجوه الثقافية تتذكرها على وجه الخصوص؟ وهل لمست موافقة عامة لمولد هذا الصرح الثقافي؟
- كنت رئيسا لنادي العروبة حين وردت إلى النادي هذه الرسالة من الأسرة:(باسم الكلمة الأمل، باسم المؤمنين بها وبجدواها، أبعث إليكم بتحية اخضرار واحترام وبعد – انطلاقا من فكرة رعاية الحركة الفكرية والنهضة الأدبية في البحرين، والعمل على ازدهارها تكونت في أول شهر ديسمبر 69 أسرة الأدباء والكتاب في البحرين لجمع شتات الشباب ذوي الميول الكتابية في شتى مجالاتها، وللمساهمة في احتضان المواهب والطاقات الخلاقة..) وبعد استعراض أهداف ومسؤوليات الأسرة وطموحاتها في البحرين وخارجها، تختتم الرسالة بعبارة (ويطيب لنا أن نحيطكم علما بنتيجة انتخاب الهيئة الادارية لهذه المؤسسة، مؤكدين لكم صدق دعوتنا لأن تقوم صلة نشيطة وتعاون مثمر فعلا بيننا، دون جدار ولا كلفة). الرئيس: الأستاذ محمد جابر الأنصاري، أمين السر: علي عبدالله خليفة، أمين الصندوق: السيد علوي الهاشمي. أعضاء إداريون: السيد قاسم حداد، الآنسة حمدة خميس، السيد محمد الماجد، الآنسة منيرة فارس الخليفة، التوقيع: أمين السر.
وكان من الطبيعي أن يرحب نادي العروبة بانشاء أسرة الأدباء والكتاب، لا سيما أن فكرة الأسرة كانت تتردد في أجواء النادي وسمعتها شخصيا من الأستاذ العريض وبعض المؤسسين لها ممن كانوا يترددون على النادي آنذاك.
ثم اشتد عود الأسرة وقامت على سوقها ورأى مجلس إدارة نادي العروبة أن يحتفل بالأسرة من خلال أمسية تكريمية للأسرة وأعضائها وذلك في السابع من جون – 1989. ألقيت فيها كلمة ترحيب باسم النادي قلت في مقدمتها ما يلي: (نلتقي في هذا المساء بالزملاء الأساتذة من أسرة الأدباء والكتاب، لنسمع منهم عن تجاربهم في الشعر والأدب وتطورهما في البحرين. وإنها لفرصة سعيدة لأعضاء نادي العروبة أن يتعرفوا على خصائص الحرف الجديد، وأسرار الكلمة الشعرية الحرة، وذلك من أفواه الرواد الشبان الذين أقلعوا بأشرعتهم منذ عام 1969 فمخروا عباب هذا البحر وغاصوا الى مواطن الدر فيه بعزم الصابرين، ثم استهواهم الأفق الفسيح وحملتهم أشرعة الرياح الى عوالم الإبداع وهم يرددون عبارة (الكلمة من أجل الإنسان.. إلخ).
أما بخصوص الوجوه الثقافية في تلك الفترة، ففيما عدا من كان يكتب في صحف البحرين ومجلاتها، فأولها الأستاذ العريض وغازي القصيبي وأعضاء جمعية الخريجين وأعضاء الأندية الوطنية والشاعر أحمد الخليفة بالإضافة إلى أعضاء الأسرة وأعضاء نادي العروبة. وكان للأستاذ أحمد العمران نشاط ثقافي حين كان رئيسا للجنة الثقافية التابعة لاتحاد الأندية الوطنية برئاسة الأستاذ إبراهيم حسن كمال ولا ننسى عددا من أساتذة المدارس وبعض الباحثين.
نشاط واضح للأندية في الستينات
وبشأن المشهد الثقافي، كانت معظم الأنشطة الأدبية والثقافية والفكرية في الستينات تتم غالبا من قيل أندية البحرين الثقافية في شكل كلمات وخطب وأشعار في مناسبات عدة. وكان لنادي العروبة دور كبير في إنشاء (اتحاد الأندية الوطنية) الخمسة وهي نادي العروبية والنادي الأهلي من المنامة ونادي البحرين ونادي الإصلاح الخليفي من المحرق ونادي النهضة من الحد. ومارس اتحاد الأندية الوطنية دوره الأدبي والثقافي والفكري بكفاءة وأضاف الى ذلك أنشطة وفعاليات وطنية وقومية واجتماعية من بينها: أسبوع نصرة الجزائر 1958-1960، نصرة فلسطين 1968 -1970، ضحايا العدوان الصهيوني 1969، عروبة البحرين 1968 – 1970، حل الخلافات بين أعضاء بعض الأندية، حفلات بمناسبة تولى الحكم لصاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، بالإضافة الى المواسم الثقافية والحفلات العامة في المناسبات الدينية والوطنية، محاضرات من شخصيات أدبية وسياسية، إرسال بعثات تعليمية لإكمال دراسة طلاب البحرين في العراق وسوريا ولبنان ومصر والمغرب العربي. ولقد قمت بأول توثيق لقيام اتحاد الأندية الوطنبة في كتابي (نادي العروبة وخمسون عاما) إصدار 1992.
ومن المعلوم أن البحرين البلد المعطاء ورائدة التطوير في الخليج العربي قد توافد إليها في الستينات جموع من الشبان والشابات الخريجين من دراساتهم في الخارج وفي أذهانهم عطاء فكري وثقافي وفني جديد وصار التململ من الأجواء الثقافية التقليدية لديهم، حافزا للتحديث والابتكار. واحتضن نادي العروبة أول أسرة للفن بولادة (أسرة هواة الفن) وفتح صالاته لمعارضها الفنية في عدد من المناسبات حتى استقلت بأرضها وسمائها. وتلى ذلك تأسيس نادي الخريجين على مثل ذلك الهم والطموح الشبابي. ثم تـوجت أسرة الأدباء والكتاب هذا التوجه بكل جديد في الفكر والأدب ودنيا الأشعار. ثم تعددت بعد ذلك مؤسسات الفكر والأندية والجمعيات على جميع الأوجه وفي مختلف الساحات مما هو ماثل ومعروف.
أتذوق التفعيلة والشعر المنثور
* تجربتك غنية في شعر العمود، ألا تزال مخلصا له؟ ماذا عن التفعيلة وقصيدة النثر؟
- صحيح أنني منساق للشعر العمودي، فقد دأبت على قراءته وحفظه وروايته منذ الصغر وفي صفوف الدراسة، وأبذل في شعري جهدا في تجديد طرق التعبير الفصيح واستخراج المعنى الجديد، ويتملكني الغرام في موسيقى الشعر وتفعيلاته وقوافيه. ولكن كل ذلك لم يحل بيني وبين تذوق الشعر الجيد ذي التفعيلة أو الشعر المنثور. حتى أنني كتبت في دواوين شعري، شعرا في كليهما أعجب به بعض الناقدين. وفي كتابي (من عيون الشعر العربي) ضمنت مختاراتي الشعرية شعر التفعيلة وشعر النثر مما حسبته في ذوقي جيدا ومفهوما وحسن التعبير. أما عن رأيي بشأنهما فأنا على مذهب الأستاذ العريض الذي يؤثر عنه ما معناه أن القصيدة الجيدة من شعر التفعيلة هي شعر. وأما الجيد من الشعر المنثور فهو (النثر الفني لا غير).
* أنت تنهل من التراث العربي وتستجيب لقضايا الراهن، كيف للشاعر أن يخلق عالمه الشعري بين هاذين؟
- أحاول أن أستفيد من الأسلوبين: أستفيد من الشعر التراثي سلامة اللغة وعمق التعبير وموسيقى الوزن والقافية وجمال التصوير وجنوح العاطفة وسعة الخيال. انظر إلى قول أعرابية: (وما وجد أعرابية قذفت بها.. صروف النوى من حيث لم تك ظنت/ تمنت أحاليب الرعاة وخيمة.. بنجد فلم يقدر لها ما تمنت/ إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه.. وبرد حصاه آخر الليل أنت/ لها آهة عند العـشي وآهة.. سحيرا ولولا الآهتان لجنت). كما نستفيد من شعر الحداثة تفعيل الكلمة من خلال طاقات اللغة الفصيحة، وتوظيف الرمز القابل للفهم، والصور الفنية، وحالات الانزياح حيث يتم تحويل المفردات من معناها القاموسي إلى فضاء جديد يفضي إلى الإدهاش.
قضايا العدالة مؤثرة في شعري
* رحلتك الدبلوماسية هل ألقت بظلالها على تجربتك الشعرية من حيث المواضيع والألوان والظلال؟
- رحلتي في دهاليز السياسة كسفير سابق، وعضو في مجلس الشورى ورئيس بعثة البحرين في الجامعة العربية، واختلاطي بالمجال السياسي والدبلوماسي لم يكن لكل ذلك التأثير المباشر في شعري أو أدبي. لكني استفدت من استعمال التعبير الدبلوماسي بدلا من التعبير الصادم. وتعلمت كيف يمكن احترام الرأي الآخر ومناقشته بهدوء المفكر. واستفدت من المعرفة بطرق المراوغات التي يلجأ اليها الخصم عادة والمنحرفون. كما أثرت في شعري قضايا العدالة وقضية فلسطين بالذات وحقوق الإنسان. وتجد مثل ذلك في دواويني الشعرية.