في أجواء ثقافيةٍ تُجلي روح المنامة وفضاءاتها المكانية، تابعت "سينما يتيم" عروضها في الهواء الطلق، بالساحة المقابلة لمجمع يتيم، حيثُ عرض مساء السبت الفيلم الوثائقي "ترميم الذاكرة" (The Destruction of Memory)، ضمن الموسم السينمائي الموسوم بـ (120 كغ)، الذي تنظمهُ "هيئة البحرين للثقافة والآثار" بالتعاون مع مبادرة "موانئ"، وبالتنسيق مع عائلة يتيم.

وتطرق الفيلم المنتج في العام (2016) إلى قضايا تدمير الذاكرة الثقافية، وما تتعرضُ لهُ هذه الذاكرة من كوارث باستعراض مختلف الجهود لإنقاذها. فمنذُ القرن الماضي، شهدت العديد من المناطق حول العالم، كوارث تسببت في دمارٍ ثقافي للعديد من الأمكنة التراثية والحضارية، وبالرغم من الجهود البطولية لأفراد خاطروا بأرواحهم لحماية هذا التراث الإنساني، ورغم التشريعات والسياسات التي لعبت دوراً في الحفاظ على الهويات الثقافية، إلا أن هذا التراث الإنساني ما يزال يتعرضُ للدمار كما يحدث اليوم في العديد من البلدان العربية كسوريا، والعراق.

وتخلل الفيلم، المستند على كتاب يحملُ ذات عنوان الفيلم، للمؤلف روبرت بيفان، العديد من المقابلات مع شخوص مختلفة، كالمدير السابق لليونسكو، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة لعددٍ من المسؤولين والخبراء الدوليين، الذين قدموا رؤاهم لمعالجة هذا الموضوع البالغ الحساسية، والذي يمسُ هوية الإنسان في مختلف الأمكنة.

من الجدير بالذّكر، أنّ عروض "سينما يتيم" وموادّها السّينمائيّة معنيّة بموضوعات حيويّة حول: العمارة، والإنسان، والهويّة والصّلة ما بين الذّاكرة والمكان. إذ تمّ انتقاء مجموعة الأفلام بالتّعاون مع مبادرة (موانئ)، ومن المقرر أن يعرض في الـ 20 من أبريل القادم، فيلم "16 فدان" الذي يتطرق لإعادة بناء جرواند زيرو الذي يعدُ من أكثر المشاريع تعقيداً في التاريخ الأمريكي المعاصر.

وجاء تعاون هيئة الثقافة ومبادرة "موانئ" تلبية لمبادرة "نداء المنامة" التي أطلقتها الهيئة خلال شهر يناير الماضي، والتي تشمل ضمن اشتغالها على المدينة من أجلِ إدراجها على قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ لليونيسكو، وكأحد مدن الإبداع في العالم، العديد من الشّراكات والتّفاعلات المجتمعيّة، التي تتضمّن بدورها فعاليّات متنوّعة ما بين الجولات المفتوحة للجمهور للتّعرّف على ملامح مدينة المنامة التّاريخيّة العمرانيّة والثّقافيّة، بالإضافة إلى اللّقاءات التي يلتقي فيها المهتمّون بالثّقافة وجماليّات المدينة وأهاليها في استعادةٍ لهويّتها وروح المكان.

ويشير عنوان الموسم السينمائي "120 كغ" إلى الفترة التي منحت فيها الخطوط الجويّة البريطانيّة لما وراء البحار في العام 1945م لبابكو شهادة لاستيراد 120 كغ من الأفلام عن طريق الشّحن الجوّيّ في الأسبوع من كراتشي، وذلك لمعالجة مشكلة تأخّر شُحنات توريد الأفلام، وهو ما ساهم في تطوير أحد المقترحات المتواضعة بإنشاء دارين للسّينما في البحرين. أمّا عن اختيار الموقع ضمن الفناء الدّاخليّ لمبنى يتيم، فيأتي محاكاةً لفكرة السّينما المفتوحة التي أشارت إليها بعض الوثائق التّاريخيّة عن مدينة المنامة، والتي جاءت باسم (سينما مكشوفة في الهواء الطّلق)، وذلكَ ضمن مساعي ثقافيّة خلال منتصف الثّلاثينيّات من القرن الماضي من أجلِ تفعيل دور السّينما في البحرين، ولتعميق الاتصال الثقافيّ مع الشعوب الأخرى.