حوراء الصباغ
اضطراب عصبي نمائي يصيب فلذات أكبادهم، يمنع أغلب المصابين بالتوحد من الالتحاق بالتعليم النظامي، فتعاني الأسر الأمرين، وتبذل الغالي والنفيس لإلحاقهم بمراكز التربية الخاصة، التي تفوق رسومها أحيانا راتب الأب نفسه.. إلا أن المشكلة الأكبر في هذا الصدد هي أن الأسر التي ضغطت على نفسها ماديا ومعنويا لتأهيل أبنائها، تتفاجأ بعودتها إلى الجلوس بالمنزل، لعدم وجود مراكز تربية خاصة تستقبل الشباب التوحديين بعد سن السادسة عشرة!
هذه المعاناة التي يعانيها الأباء، تجعلهم يتلقفون أي نشاط يقام للشباب التوحديين لإلحاق أبنائهم بهم، وكان آخرها نادي الشباب التوحديين الثاني الذي نظمته جمعية التوحديين البحرينية مؤخرا بمشاركة عدد من المتطوعين الذين أمنوا بقضية التوحد، وضحوا بأوقاتهم في سبيل رفع جزء من معاناة أسرهم.
أولياء أمور التوحديين اتفقوا على ضرورة التفات المجتمع والجهات الرسمية لاحتضان الشباب التوحديين والقيام بحملات مجتمعية توعوية مكثفة وإنشاء مراكز لاحتضانهم وتنمية مواهبهم.
وأشاروا إلى أن تجربة البرامج تجربة ناجحة ويجب الاستمرار بها، كما أشادوا بدور المتطوعين في الاعتناء بأبنائهم والتعامل معهم بكل رحابة صدر، وطالبوا بتأسيس برامج للشباب توحديين على مدار العام وإنشاء ناد رياضي يخص التوحديين.. وفي الآتي تقترب الوطن من معاناتهم وتورد آراءهم تباعا..
وقالت فاطمة عيسى إحدى أولياء الأمور وأم الشاب التوحدي ماجد الذي يبلغ من العمر 20 عاما إن الشاب التوحدي بحاجة إلى نشاطات تجمع بين التعليم والمهنية والترفيه وهذا ما حققته فعاليات برامج نادي الشباب التوحديين عبر اكتشاف مواهبهم وتعريفهم بالمجتمع والعمل الجماعي، مشيرة إلى عدم وجود أي هيئة تتبنى فئة التوحد حيث طالبت بإنشاء نادي رياضي نموذجي يضم الشباب المتوحدين وإقامة برامج على مدار السنة ومدرسة تأهيلية لفئة التوحد. وأشادت بدور العاملين والمتطوعين في الجمعية وأوضحت أنها الجمعية الوحيدة التي تسعى لإنشاء نشاطات تخدم التوحديين الشباب.
وأشارت نجاة حسن والدة الشاب التوحدي يوسف البالغ من العمر 19 عام ان البرنامج قد أدى إلى احداث تغييرات جذرية لدى يوسف، إذ كشفت عن مواهب وابداعات يمتلكها بالإضافة إلى التقليل من حدة الانفعالات وتفاعله مع الكوادر وتكوينه لصداقات، مشيرة إلى وجوب تبني الجهات المختلفة لهذه الأنواع من البرامج لاستمرارها على مدى العام لما تعود عليها بفوائد كثيرة.
وقالت نسيمة عبدالقادر أم الشاب محمد البالغ من العمر 21 عاما إنها المرة الأولى التي تشارك فيها بفعاليات الجمعية والتي أبهرتها بوجود برامج متكاملة تناسب أعمار الشباب، وأشارت إلى أن افتقار الجهات الرسمية في توفير حقوق التوحديين الشباب وذلك من خلال البرامج والأنشطة والوظائف، وعبر الشاب التوحدي محمد عن سعادته البالغة لمشاركته في البرنامج، لافتا إلى أن البرنامج الذي حاز على إعجابه كان برنامج ركوب الخيل إذ كانت تجربة جديدة وممتعة.
ماذا يقول المتطوعون
وقال المتطوع علي الفرج (27 عاما) بأن الدافع التطوعي للمشاركة يكمن في أن فئة الشباب التوحديين هي فئة مهمشة مجتمعيا ويجب مساندتهم معنويا للوصول لأهدافهم، مشيرا إلى ضرورة زيادة الوعي المجتمعي لتصحيح المفهوم الخاطئ للتوحد، فهي حالة أكثر تعقيداً مما يتداول وتتطلب الكثير من الاهتمام، حيث أنه اكتسب خبرة في مجال التعامل مع التوحديين من خلال تطوعه في الفعاليات المنظمة من قبل الجمعية.
ولفت إلى تواجد جميع كوادر الجمعية المتواجدين طوال الوقت للإرشاد مما يؤدي لعدم وجود أي عوائق في التعامل مع التوحديين، كما أن تفاعل الشباب التوحديين وأهاليهم يدل على تحقيق أهداف البرنامج والتمكن من دمجهم مجتمعيا.
التطوع ضرورة
وأكدت المتطوعة وطبيبة الأسنان د.عفاف القيم أن الدافع في تطوعها يكمن في امتلاكها شغف وحب للأطفال ذوي الهمم، فضلا عن عدم وجود أي هيئة في البحرين تحتوي التوحد وحتى في الجانب الطبي لا وجود لأي هيئة تؤهل للتعامل مع الأطفال التوحديين.
وقالت: إلى جانب كوني متطوعة أحببت أن أقدم خدمات طبية، وهناك نقص وعي شديد جدا فيما يتعلق بالتوحد والشاب التوحدي بحاجة إلى دعم واحتواء أكثر، حيث يصنف التوحدي لدى العديد على أنه مختل عقليا مباشرة، ويجب على الجهات المعنية زيادة الوعي.
وأشارت إلى أن برامج الفعالية تهتم بالتفاصيل الصغيرة التي يحتاجها الشاب التوحدي وجهود الكوادر انعكست إيجابا على نجاح الفعالية وانطباعات الشباب واولياء الأمور المنبهرة والإيجابية.
وأوضحت المتطوعة زهراء سامي عبدالله (23 عاما) أن دخولها للجمعية كمتطوعة كان منذ ما يقارب العام، ويكمن الدافع بسبب اندفاعها للانخراط في مجال الاعمال التطوعية، لافتة إلى وجوب زيادة الوعي المجتمعي حيث أنها كانت تجهل تماما ما يتعلق بمصابي اضطراب التوحد، وأشارت إلى أن تجربة التوحد اتاحت لها الفرصة لتطبيق ما تعلمته من أمور علمية في تخصصها على ارض الواقع كونها طالبة تربية رياضية وتدرس مقررات تتعلق بالتربية الخاصة والتوحد، وأكدت أن تكرار التجربة هي خير دليل على نجاح التجربة والانطباعات الإيجابية.
فكرة البرنامج
من جهته، أوضح رئيس جمعية التوحديين سيد زكريا هاشم إن الهدف وراء تأسيس برنامج نادي الشباب التوحديين يكمن في السعي لاحتضان جميع أطفال التوحد في البحرين واكتشاف المهارات في مختلف المجالات التي يمتلكونها ذوي اضطراب التوحد عبر مختلف النشاطات التي تجمع بين التعليم والترفيه، فضلا عن تحقيق هدف الجمعية والذي يتلخص في توعوية المجتمع فيما يتعلق باضطراب التوحد عبر تعريف المجتمع بمصابي اضطراب التوحد ودمجهم مع مختلف فئات المجتمع والانخراط في الأنشطة المجتمعية وبناء على رغبة من أولياء الأمور في ظل نقص المراكز التي تحتضن الشباب التوحديين. وأشار إلى أن البرنامج قد امتد على مدى 7 أيام وتضمن نشاطات مختلفة بمكان مختلف في كل يوم واكتساب مهارة جديدة. حيث انطلقت فعاليات نادي الشباب التوحديين في 19 يناير 2018 وشهد اليوم الأول زيارة لجزر الدار، إذ اجتمع التوحديون المشاركون والمتطوعون عند مرفأ الصيادين بسترة وانتقلوا بالقارب الى الجزيرة.
وبدأ البرنامج بألعاب ترفيهية ومسابقات لخلق الحماس إلى جانب برنامجاً رياضياً تضمن اللعب بكرة السلة وكرة الطائرة والجري والبولنج، ولفت إلى أن برنامج زيارة جزر الجار يهدف لتنمية المهارات الحسية وتنمية العضلات الكبيرة وتحسين مهارات التواصل واللعب والمهارات الاجتماعية والقدرة على الانخراط في المجتمع.
وأشار هاشم إلى أن اليوم الثاني من البرنامج تضمن برنامج تدريبي علاجي بمركز فارس الفرسان للفروسية، إذ تعرف الشباب التوحديون على الخيول و طريقة التعامل معهم والعناية بهم بالإضافة للركوب.
وقد كان بقيادة الكابتن عمار وطاقم الإسطبل وبحضور النائب كلثم الحايكي، مشيرا إلى أن الحصان يستخدم كطريقة علاجية للتوحديين ويساهم في تحسين حركة عضلات الحوض وتطوير التواصل البصري والحسي وزيادة الثقة بالنفس والانفتاح على المحيط.
أما اليوم الثالث، فقد اشتمل على برنامج وظيفي اجتماعي بزيارة لمزرعة تسنيم بقرية أبوصيبع.
حيث قام الشباب التوحديون بالرسم والتلوين باستخدام أوراق الشجر، كما زرعوا الشتلات وقطف كل منهم الخضروات التي يفضلها كالخس والطماطم والبروكلي، وقاموا بغسلها وتقطيعها، وتهدف زيارة المزرعة إلى العمل على المهارات الحياتية من خلال تعليم التوحدي شراء الخضروات وتحضير السلطة وزرع الشتلات والعمل على المهارات الاجتماعية عبر تنمية العضلات الدقيقة بالتلوين.
وفي اليوم الرابع تضمن البرنامج زيارة لمصنع الفخار في منطقة عالي من خلال جولة داخل المصنع حيث قام صاحب المصنع بتعريف المشاركين بمراحل صناعة الفخار وقيامهم بتطبيق صناعة الفخار بجميع مراحله من خلال توزيع الطين عليهم و تشكيلها و تلوينها حسب أذواقهم تحقيقا لهدف العلاج الوظيفي.
وذكر حيدر الشغل صاحب المصنع أن ممارسة هذه المهنة لها فوائد صحية و نفسية كثيرة منها طرد الطاقة السلبية والتخلص من الشحنات الكهربائية في الجسم وتساعد على التخفيف من فرط النشاط وله جانب إيجابي في التكامل الحسي.
وفي خامس أيام البرنامج تضمن برنامج تدريبي تأهيلي بزيارة لمطعم عدليز بقرية جنوسان، إذ قام الشباب التوحديون بالتعرف على أجهزة المطعم وتعلم طريقة فرد عجينة البيتزا وتقطيع المكونات وإضافتها للعجين وطهيها وتقديمها، وتهدف زيارة المطعم إلى تطوير المهارات الذاتية للشباب التوحديين والعمل على المهارات المطابقة وتطويرها من خلال مطابقة مكونات البيتزا بالأشكال مع البطاقات.
أما في اليوم السادس، فقال هاشم أنه تضمن برنامج تكامل حسي بزيارة لمعهد البحرين للموسيقى بمنطقة أم الحصم حيث قام الاستاذ عيسى نجم بالمعهد بالعزف على آلة البيانو وبعدها أتاح المجال للشباب التوحديين بالعزف على الآلة، مؤكدا أن زيارة المعهد تهدف لإكتشاف المواهب وتنمية المهارات الحسية السمعية عن طريق استخدام الآلات الموسيقية المختلفة وتطوير التكامل الحسي من هلال مقطوعات موسيقية.
واختتمت فعاليات البرنامج في 26 ينايرببرنامج وظيفي اجتماعي بزيارة لمركز عيسى الثقافي بمنطقة الجفير، إذ قام الشباب التوحديون بلعب ألعاب تعليمية وتركيبية، إضافة اإلى التلوين والأعمال اليدوية، وتم عرض فيلم ديزني قصير، توزيع هدايا للشباب المشاركين في البرنامج من جمعية التوحديين البحرينية، وتوزيع هدايا من مركز عيسى الثقافي للشباب، وتهدف زيارة المركز لتطوير المهارات العضلية الدقيقة من خلال الرسم والتلوين وتطوير بعض المفاهيم الاجتماعية عن طريق القصص، كما تساعد الأناشيد الجماعية على تطوير التكامل الحسي.
وأكد هاشم إلى أن جميع فقرات البرنامج هي بداية وأبواب للاستمرارية واكتشاف امتلاك الشباب للموهبة، كما أن انطباع الشباب وتقبلهم للكوادر والمتطوعين ووجود سلوكيات ايجابية يدل على نجاح البرنامج.
وأشار إلى أن الجمعية تسعى لإنشاء علاقة تعاون بينها وبين وزارة الصحة كخطة مستقبلية باعتبارها إحدى الجهات الخدماتية المهمة للتوحديين.
الحاجة إلى مركز رياضي
وقال رئيس لجنة الفعاليات في جمعية التوحديين حسين حماد أنه يتمنى إنشاء مركز رياضي لاحتضان الشباب التوحديين بهدف تنمية وتطور مواهبهم ومهاراتهم، حيث أنهم يمتلكون طاقات كبيرة كشف عنها البرنامج يجب استثمارها وتنميتها.
وأشار إلى أن عدد الشباب المشاركين في البرنامج قد بلغ 10 من عمر 12 سنة فما فوق، بالإضافة إلى ما يقارب حوالي 35 متطوعا من ضمنهم أخصائيين مؤهلين للتعامل مع التوحديين، مشيرا إلى أن الجمعية تسعى لاحتضان أكبر عدد من مصابي التوحد واشراكهم في البرامج التدريبية، بالإضافة إلى أن باب التطوع مستمر ومفتوح للجميع.
وأوضح حماد إلى أن البرامج تم اختيارها بناء على أهداف يتم تحقيقها تكمن في وجوب أن تكون فعاليات متنوعة وتعليمية يستطيع من خلالها الشاب التوحدي اكتشاف وتنمية مهاراته وتمضية وقت فراغه بصورة ناجحة، فضلا عن اختيار أماكن ونشاطات جديدة لم يسبق لمصابي التوحدي تجربتها من منطلق إنجاح تجربة الدمج مع المجتمع وتدريبهم للانخراط مع بقية أفراد المجتمع.
ولفت إلى أن البرامج المختلفة قد أدت إلى كشف الستار عن مهارات جديدة للشباب لم يتم الالتفات لها مسبقاً، فضلا عن تفاعل التوحديين مع بعضهم البعض، وبناء علاقة بينهم وبين المتطوعين من خلال اعتيادهم على مرافقتهم وانطباع أولياء الأمور الإيجابي والذي يعكس نجاح البرنامج وجهود كوادر الجمعية المثمرة..
شح الاهتمام
وقالت أخصائية التوحد جنان عمران إن الجمعية قد اتخذت الطريق الصحيح فيما يخص الشباب التوحديين من خلال برنامج شامل وهادف ملائم، إذ تعاني البحرين وكافة الدول من شح في الاهتمام في إنشاء مراكز تنمية الشاب التوحدي وتركز على الأطفال فقط، مشيرة إلى أن الشاب التوحدي بحاجة إلى مثل هذه الفعاليات لتفريغ طاقاته فهي لا تحفزه فقط وانما تحفز أهالي الشاب وتمنحهم الأمل وانطباع كبير باكتشاف قدرات جديدة، فرؤية شاب شبه عاجز بعد تمضية أعوام من الضغط على أنفسهم ماديا ومعنويا لتأهيل أبنائهم وينتهي بهم الأمر لعودتهم الى الجلوس بالمنزل لعدم وجود مراكز تربية خاصة تستقبل الشباب التوحديين بعد سن السادسة عشر أمر صعب ومؤلم لكل من ولي الأمر والشاب.
ولفتت عمران إلى وجوب تدخل الجمعيات الإنسانية والمضي على خطى جمعية التوحديين فيما يخص تخصيص الأنشطة والفعاليات، وتخصيص الجهات المعنية أيام خاصة للتوحديين، فضلا عن ضرورة وجود مركز تأهيلي خاص سيساهم في تعديل النظرة السائدة عن مصابي اضراب التوحد واكتشاف قابليتهم للتعليم ومهارات جديدة.