سماهر سيف اليزل

مفارقة يعيشها الأهالي وخصوصاً من أصحاب الدخل المحدود الذين يرون في الحدائق العامة ملاذاً للترفيه عنهم في ظل غلاء المجمعات التجارية وأمكان الألعاب المغلقة التي تكلف الأسرة ميزانية أسبوعية تتضاعف مع زيادة عدد الأطفال في الأسرة.

الفضاءات المفتوحة التي يجب أن تكون خياراً مثالياً للأسر لقضاء وقت جميل وممتعاً ، أصبحت اليوم مصدر استياء وتعاسة لسوء بعضها وقلة الخدمات وعدم التفكير في خيارات تطويرية لمفهوم الحديقة العامة.

ويعتبر الترفيه من الأساسيات الحياتية اليوم ، وتظهر أهميته في البناء التربوي والصحي والاجتماعي وهو مفهوم يتلخص في الوقت الذي يقضيه الفرد في الأنشطة المحببة له، ينم عنها تجديد النشاط وكسر الروتين اليومي .

ويجد عدد كبير من الأشخاص الترفيه في زيارة الحدائق والأماكن العامة المفتوحة، لتنشق الهواء النقي، والنظر للخضره أو للمياه، وتنزه الأطفال في أماكن مفتوحة للتغير من رتابة المنزل، كونها أماكن شبه منعدمة التكاليف ، وتكون في بعض الأحيان الملاذ الوحيد لمحدودي الدخل من الأسر، ولكن حين يغيب الاهتمام عنها، وتصبح أماكن بائسة لا يمكن للفرد أن يروح عن نفسه بها، ولا يستطيع الأطفال اللعب بها ، فمن المسئول ، وإلى أين تلجأ هذه الفئة البسيطة من المجتمع التي لا تتمكن من دفع تكاليف الأماكن الأخرى ..؟

تقول المرشدة الاجتماعية بسمة محمد حسن : الترفيه هو التنفيس عن الخاطر والتسلية وهو أيضاً إدخال السرور في النفس وإزالة الهم ويمكن أن يتوفر في أي نشاط يقوم بتوفير التسلية ويتمثل غالباً في أماكن الترفيه العامة ، المنتشرة في أنحاء مملكة البحرين ، حيث إن الترفية من ضروريات الحياة الحالية ، وخاصة في عصرنا هذا ، وبالأخص للطبقات ذات الدخل المحدود والبسيط ، حيث إن ضغوطات الحياة وتراكم المشاكل اليومية وتسارع وتيرة عجلة الحياة يسبب عدداً من المشاكل النفسية والصعوبات الفكرية ، مما يؤثر سلباً على الفرد ويجعله بحاجة ماسة لأماكن يتنفس فيها ويريح فيها ذهنه ونفسه ويغير بها مزاجه .

وتضيف المرشدة الاجتماعية بسمة محمد : يجد عامة الشعب ضالتها الترفيهية في هذه الأماكن العامة لإضافة عنصر المرح في وسط إيقاع الحياة اليومية ، وكسراً للروتين ، وإضفاء جو من السعادة والبهجة على أفراد الأسرة .كما أنها ضرورية لتجديد طاقة الفرد وتساعد في استعادة قدراته لمواصلة جهوده والقيام بمسؤولياته تجاه نفسه والمجتمع .لكن لوحظ في الآونة الأخيرة وجود إهمال متعمد لهذه الأماكن العامة ، من نواحي النظافة ، والصيانة الدورية ، وعدم توفر الحراسة في بعض الأحيان .ونتيجة لهذا كله لوحظ كذالك عزوف الفئة الأكبر من الشعب عن الذهاب لهذه الأماكن الترفيهية العامة مما يترك عليه نتائج سلبية منها :* جلوس الأطفال في البيت لفترات طويلة أمام التلفاز و ألعاب الإلكترونية وهذا ما نحاول جاهدين الابتعاد عنه والتقليل منه .* التسكع في الطرقات لأوقات متأخرة ، وبدون هدف مما يؤدي إلى مشكلات منها مرافقة أصحاب السوء ، تعاطي المخدرات ، التحرش الجنسي ، حوادث السير .* حدوث الضغط المالي على رب الأسرة بسبب سعيه لتوفير التسلية والمرح للأبناء ، ولجوئه بالتدين من احد المصارف أو الاستغناء عن بعض الحاجيات الضرورية لتوفير عنصر البهجة بالذهاب إلى أماكن الترفيه ذات الأسعار المرتفعة .* كما قد يتسبب ذلك لمشاكل نفسية للأطفال في المنزل بسبب تواجدهم في المنزل لفترات طويلة مما يشعرهم بالحزن والكآبة .* كما أن الأمهات يحتجن لهذا النوع من المتنفس للتغير قليلاً من روتين العمل داخل المنزل والأعمال اليومية ، وعدم توفر هذا المتنفس قد يؤدي إلى ضعف أدائها ، ويسبب تقلبات مزاجية حادة تنعكس على تصرفاتها مع الأطفال والزوج .



واقع متغير

ومن جهتها عبرت مستشارة الأسرة والتربية زينت حبيب حاجي قائلة : أحب الذهاب في بعض الأحيان إلى الحدائق العامة والمفتوحة مع أطفالي ، وألاحظ عند زيارتي لهذه الحدائق قلة الألعاب الموجودة وافتقار بعضها إلى الصيانة ودورات المياه غير النظيفة وقد لا يوجد بها ماء غالباً وفِي بعضها يقفل الباب ويتم البحث عن رجل الأمن لفتح باب دورة المياه وأماكن الجلوس لأولياء الأمور جداً محدودة ، وبسبب ذلك للأسف أصبحت هذه الحدائق ملاذاً لبعض الشباب لممارسة أعمال مخلة بالآداب أو عما مخالفات فغياب الإنارة أو ضعفها وكذلك تدني مستوى الخدمات الأمنية سبب في انتشار مثل هذا السلوك أبنائي يستمتعون باللعب في الرمل ولكن لا يستطيعون ذلك بسبب وجود زجاج ومخلفات فيها .وبعض الحدائق العامة والمنتزهات مهملة من قبل الوزارة المسئولة عن تلك الحدائق الموجودة في الأحياء لمتوسطي الدخل المحدود والفقيرة ، كما تفتقر تلك الحدائق للألعاب والمرافق العامة ودورات المياه والإنارة ولا توجد حاويات للقمامة أعزكم آلله والأشجار إن كانت موجودة لا يتم تنظيفها حيث يتجمع بها القوارض والفئران والحشرات والأوساخ . وأيضاً تفتقر بعض منها إلى عدم صيانة ممرات الحديقة المتهالكة حيث توجد بها حفر والرمال أكثر من البقعة الخضراء ، حيث تكون اسمها حديقة وهي في الواقع قد تكون ملاذاً للشباب المنحرف قد يتعاطى المخدرات والمسكرات وأعمال مخلة بالآداب .لذلك أطالب الجهات المسئولة بالاهتمام أكثر بهذه الحدائق وصيانتها وتخصيص ميزانية لتعديل هذه الحدائق وإقامة أنشطة وفعاليات بين فترة وفترة فيها وكذلك وضع عمال لتنظيف دورات المياه وزيادة رجال الأمن والحراسة وأيضاً فرض عقوبات شديدة للمخربين هذه مسئوليتنا جميعاً آباء وأمهات ومربون ومسئولون أن نحافظ على حدائقنا على وطننا فهي ملكية عامة للجميع .

ممارسات وسلوكيات



ومن جانب آخر يقول مدرب تطوير الذات عبدالله القرني : الحدائق العامة عمل إنساني رائع تقوم به البلديات من اجل إظهار لمسات الجمال على المدن ، وكمتنفس للأهالي للتنزه والاستمتاع به ويظل هناك معاناة وإهمال وفوضى ، مما تجعل المكان ذا إطلالة مبهجة تسعد النفس ، لمكان نعيد التفكير في تكرار التجربة لعدة أسباب : وقوف خاطئ للسيارات ، ترك بقايا الطعام أو المخلفات ، الشوي في أي مكان دون مراعاة لمن يتأذى من تصاعد الأبخرة ، تناول السجائر أو الشيش .. الخ دون أن نراعي ذلك المريض بالقلب أو المصاب الربو أو الطفل الصغير ، إصدار الضجيج بإزعاج الآخرين بالأصوات المرتفعة ، وهناك غير ذلك من الأمور التي تضايقنا .. إذا كنا أحد أولئك المتضررين السؤال : كيف نريد من الآخرين التعامل والتصرف في الحدائق العامة ؟ من هذا المنطلق علينا أن ننظر للآخرين وماذا ينبغي علينا فعله ؟ دون النظر كون الآخرين يفعلون ذلك .. أو هناك تقصير من الجهات ذات الاختصاص ..متى ما استشعرنا المسؤولية لنعلم أنه سيحدث التغيير للأفضل ويحتاج منا الصبر والنصح والتوجيه لأنفسنا ثم لمن حولنا بالقدوة في تقديم السلوك الذي سيعود علينا أولاً بالراحة الداخلية لفعلنا الصحيح .. ونكون أنموذجاً للآخرين ذا تأثير إيجابي .. ومن الحلول : ١- عمل مبادرة تطوعية من كافة الكوادر والأطياف بإعلام قوي لتصل للجميع . ٢- عمل حملات توعية بالحدائق بمشاركة الجهات المعنية كل باختصاصه . ٣- الاهتمام بتوفير الاحتياجات الضرورية من نظافة ودورات مياه .. الخ . ٤- إنشاء جهاز شرطة للحدائق العامة . ٥- نشر الوعي والثقافة للأجيال في كافة المراحل الدراسية . ٦- تفعيل دور يوم الشجرة العالمي بمشاركة كافة الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات . ٧- مشاركة رجال الأعمال والشركات في إنشاء وصيانة الحدائق العامة . ٨- فتح المجال للشباب والفتيات في التفكير الإبداعي في وضع الحلول والابتكار للتجديد والتطوير .

النظافة والتطوير

وتقول الأخصائية الاجتماعية دلال العطاو : تعتبر البحرين من الدول التي تسعى لتحقيق التطور على جميع الأصعده وتشهد مؤشرات التنمية بوجود التطورات في كثير من القطاعات والمجالات وخاصه في المجال العمراني والبيئي . فقد استطاعت مملكتنا أن توفر جميع وسائل الترفية للأسرة باختلاف مستوياتها المادية سواء من مجمعات أو حدائق كبيره أو منتزهات عامة وغيرها من الكثير من وسائل الترفية . فتعتبر هذة الوسائل الترفيهية العامة كالبحر و الحدائق والكورنيش ملجأ ومتنفس للكثير من العوائل ذات الدخل المحدود التي لاتستطيع ان تذهب للمجمعات الكبرى وتصرف أموال كثيرة لاتتناسب مع الحالة المادية لبعض الأسر. فمن الطبيعي عندما تريد الأسر أن تذهب إلى تلك الأماكن ، تسعى أن تراها بمظهر جميل وسليم وملائم للجلوس فيها ولكن في الواقع نرى أن هناك الكثير من الأماكن الترفيهية العامة تفتقر إلى إجراءات السلامه الصحية والأمنية والبيئية، ونراها بشكل يوحي بأن قد حدثت كارثة في المكان نظراً لافتقار النظافة في بعض الأماكن ، وافتقار الشكل الجمالي لها ،فهذا يساهم في التأثير على الإطار العام للمجتمع فهو يجعلنا بصورة لاتتناسب مع التطور الذي تمر فيه البلاد ،ويعكس شكلاً غير حضاري عنا.

وتضيف دلال : "يعتبر هذا مؤشراً بأن الأسر ذات الدخل المحدود لا تحظى باهتمام ترفيهي عن طريق توفير كافة الإجراءات السليمة للأماكن التي تذهب للاستمتاع فيها . فذلك له تأثير كبير على الأسرة من نواحٍ كثيرة فعند عدم تهيئة الاحتياطات الأمنية في الأماكن العامة والتعامل مع المشكلات التي تمر به المرافق العامة مثل حدوث مشكلة بيئية كالحريق أو ضياع الطفل عن والديه، سيؤدي لعدم شعور الأسرة بوجود السلامة البدنية وعدم شعورهم بالطمأنينة النفسية في الجلوس بهذة الأماكن نظراً لافتقارها للمعيار السلامة ووجود الإهمال فيها.

حق الترفيه

وتختم قائلة: " الجدير بالذكر أن من أهم الفوائد الاجتماعية على الفرد والمجتمع عند وجود هذه الأماكن العامة بالشكل المتناسب، سيساهم بالتنفيس عن الأسرة ذات الدخل المحدود وبتخفيف عنها متاعب الحياة التي تمر بها،وذلك عن طريق شعورها بإنها تتخلص بعض الشيء من تفكيرها بالمشاكل الحياتية والمادية ، وهذا من خلال قدرة الأسرة أن تجعل أطفالها يلعبون بالحدائق العامة أو بالجلوس عند البحر من دون دفع التكاليف المادية الباهضة فهو يساهم بجعل أو الوالدين فرحين بإنهم يحققون السعادة لأطفالهم عن طريق الترويح عن أنفسهم بهذه الأماكن وبما يتناسب مع إمكانياتهم . فيعتبر ذلك ذا عوائد نفسية كبيرة للعائلة ،عن طريق التخلص من الأفكار السلبية التي يعيشون بها مع ضعف الحالة المادية ، من خلال توفر الأماكن العامة بالشكل السليم والملائم للفرد والمجتمع. فالتركيز على المرافق العامة من قبل البلاد ومؤسسات الدولة سيؤدي الى وضع المجتمع بصورة مشرفة للمساهمة بتوفير كافة احتياجات الترفيه عند مختلف المستويات المادية الموجودة في المجتمع بشكل يلائم ماتمر به البلاد من تطور ، وسيساهم أيضاً على المستوى النفسي والاجتماعي بتحقيق التوزان العام في حياة الأسرة ذات الدخل المحدود من ناحية نفسية واجتماعية.