كتبت - سماح علام:
الصحة والاستدامة والمواطن .. مثلث نجاح يضمن تقديم الخدمات الصحية لمستحقيها في الوقت والمكان الملائم.. فشعار يوم الصحة العالمي يترجم هذا الهدف وفي البحرين تحرص وزارة الصحة على التوعية بالتغطية الصحية الشاملة وتوضيح معناها المتمثل في أن يحصل جميع الناس على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها دون مكابدة ضائقة مالية، كما تحرص على التوعية بالخدمات الصحية التي تقدم و كيفية الحصول عليها.
الرعاية الصحية الأولية تعتبر حجر الأساس الذي يقوم عليه أي نظام صحي فعال، فعن هذا الهدف وعن كيفية تحقيقه ووضع البحرين على الخريطة العالمية، كان لابد من الاقتراب من رأي العاملين في المهنة، الذي ينظرون لواقع العمل الصحي من الداخل .. فبين التأمين الصحي، وتطور المراكز، ودعوات تطوير الخدمات الصحية، ثمة الكثير ليطرح .. فإلى التفاصيل..
مديرة إدارة تعزيز الصحة الدكتورة وفاء إبراهيم الشربتي توضح أن مملكة البحرين تحتفل كل عام بيوم الصحة العالمي تحت شعار "الصحة للجميع وبالجميع" فهذا الشعار يركز على أهمية توفير التغطية الصحية الشاملة وتعني توفير الخدمات الصحية الأساسية للجميع وهي متوافرة منذ زمن طويل لجميع السكان في مملكة البحرين.
وتلفت قائلة: "توجد إضافة جميلة للشعار هذا العام و هي جزئية "بالجميع" والتي تؤكد على أهمية التضامن وتضافر الجهود من جميع الجهات "الحكومية والأهلية و الخاصة و الأفراد" من أجل تحقيق الصحة ولجعل الصحة للجميع حقيقة على أرض الواقع. وستستمر وزارة الصحة في سعيها لتكوين علاقات بناءة وشراكات فاعلة مع جميع الجهات. ويداً بيد من أجل تحقيق الصحة للجميع".
وعن رؤيتها لوضع البحرين الصحي على مستوى العالم: تقول د الشربتي: "تحتل البحرين مكانة متقدمة في المجال الصحي، فلو تكلمنا عن الرعاية الصحية الأولية وهي الموضوع الرئيس ليوم الصحة العالمي لهذا العام نجد أن المراكز الصحية منتشرة في جميع المناطق والمحافظات ويسهل الوصول لها وخصوصاً في ظل التطورات في نظام حجز المواعيد بصورة إلكترونية، كما أن المراكز الصحية حاصلة على الاعتماد الكندي وهو ما يشير إلى أن الخدمات التي تقدمها تضاهي الخدمات الصحية في الدول المتقدمة. ولو أحببنا أن ننظر للموضوع من ناحية علمية مربوطة بالمؤشرات لوجدنا أن العديد من أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالصحة والتي يسعى العالم لتحقيقها بحلول عام 2030 هي محققة بالفعل في مملكة البحرين، كما أن البحرين حققت المركز الأول عربياً في مؤشر رأس المال البشري للبنك الدولي والمرتبط بصورة كبيرة بالوضع الصحي للسكان".
وعن التحديات التي تواجه الوضع الصحي تقول: "لعل أبرز هذه التحديات هي الأمراض المزمنة غير السارية مثل الضغط والسكري وغيرها. هذه التحديات لا تستطيع وزارة الصحة وحدها مواجهتها حيث إنها تعتمد بصورة كبيرة على وعي الأفراد والمجتمعات بهذه الأمراض واستعدادهم لاتخاذ خطوات فعالة للوقاية منها مثل الحرص على تناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة وتجنب التدخين والامتناع عن تناول الكحول..من هنا يتضح أهمية شعار يوم الصحة العالمي لمملكة البحرين حيث يؤكد على ضرورة إشراك الجميع من أجل تحقيق الصحة للجميع".
مجتمع صحي وسليم
ومن جانبها تقول رئيس الخدمات الطبية بالصحة الأولية الدكتورة هالة أحمد الجاسم تقول: "أولت وزارة الصحة اهتماماً كبيراً لرفع جودة الخدمات في الصحة الأولية، وبدورها قامت الرعاية الصحية الأولية بتحديد رؤية موحدة وشاملة وهي "الوصول لمجتمع صحي وسليم من خلال توفير خدمات صحية متكاملة تعمل بعدالة وكفاءة وجودة عالية"، ولاشك أن السعي لتحقيق هذه الرؤية يتماشى تماماً مع تحقيق التغطية الصحية الشاملة".
وتقول الجاسم: "سعت وزارة الصحة لإنشاء مراكز صحية متكاملة منتشرة في جميع مناطق مملكة البحرين، بحيث تقدم الخدمات الصحية من قبل 25 مركزاً صحياً وثلاث عيادات صحية، كما وتفخر مملكة البحرين بتميزها عن بقية الدول بتقديمها لخدمات رعاية صحية أولية على مدار الساعة مما يساهم في تسهيل الوصول للخدمات الصحية".
ولأن رحلة الوصول للتغطية الصحية الشاملة لا بد أن تمر بعدة مراحل مختلفة، تقول الجاسم: "خطت مملكة البحرين عدة مراحل ووصلت لمستوى متقدم وخاصة في مجال الخدمات الصحية الأولية، فعلى سبيل المثال تقوم الرعاية الصحية الأولية بصورة دورية بتحديد احتياجات المجتمع الصحية حسب الفئات العمرية ويتم تحديد العوامل المحيطة المؤثرة وبناء على ذلك يتم وضع البرامج والخطط الصحية، كما ويتم تفعيل دور التعاون مع القطاعات والجهات المختلفة الحكومية وغير الحكومية، وتحرص الرعاية الصحية الأولية على ضمان جودة الخدمات المقدمة من خلال الحرص على الحصول على شهادة اعتماد دولية تضمن استدامة جودة الخدمات. إضافةً إلى ذلك فأننا نؤمن بأن تحقيق التغطية الصحية الشاملة مرتبط ارتباط مباشر بتطوير القوى العاملة الصحية، لذا سعت وزارة الصحة إلى توفير كوادر وطنية مؤهلة من أطباء أخصائيين في طب العائلة والمجتمع وممرضات مؤهلات وغيرهم من العاملين الصحيين يباشرون تقديم أفضل الخدمات الصحية الوقائية والتثقيفية والعلاجية والتلطيفية والتأهيلية".
وتختم الجاسم بالتأكيد على أن المساعي التي تهدف إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، قد توجت بإصدار قانون الضمان الصحي الوطني رقم 23 لسنة 2018 ، وعنها قالت: "ستتكفل الحكومة بالتغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين بالإضافة لضمان حصول جميع المقيمين على الخدمات الصحية الشاملة أيضاً، ويعتبر قانون الضمان الصحي في مملكة البحرين نقلة تاريخية ونوعية في مجال القطاع الصحي سيضمن تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية، وحسن إدارة للموارد المتوفرة وكفالة حقوق المريض وأهمها حقه في اختيار مُقدم الخدمة، كما أن قانون الضمان الصحي يمثل إنجاز لمملكة البحرين على المستوى الإقليمي في ظل المساعي الهادفة لتحقيق استدامة الخدمات الصحية".
تحسين جودة المراكز
رئيس مركز عالي الصحي استشاري طب عائلة د.عبدالحسين محسن دادي يوضح أن برنامج اختر طبيبك يعتبر أحد أهداف الخطة الوطنية للصحة، فهو من المشاريع الرائدة والمتميزة، والذي يساهم في الوصول إلى تغطية صحية شاملة وحصول جميع أفراد المجتمع على الرعاية الصحية اللازمة وذات جودة عالية، ويقول: "يهدف البرنامج إلى تطوير النظام الصحي وتحسين جودة الخدمات بالمراكز الصحية للرعاية الأولية، ولتحقيق هذا الهدف يمنح جميع أفراد المجتمع حرية اختيار طبيب العائلة، حيث أصبح لكل مريض طبيب مخصص لمتابعة حالت بشكل متواصل والإلمام بالمشاكل الصحية والعائلية والاجتماعية له، مما يساهم في توطيد العلاقة بين المريض وطبيب العائلة الخاص به، كما يساعد هذا البرنامج طبيب العائلة في الحصول على جميع المعلومات اللازمة عن المرضى المسجلين عليه مما يساهم في سهولة التواصل المباشر مع مرضاه لتقديم الخدمات الوقائية والعلاجية بالإضافة إلى خدمة الاتصال للأخبار عن النتائج".
ويضيف د. عبدالحسين قائلاً: "الخدمات المقدمة في الرعاية الصحية الأولية تساعد على إقامة نظام صحي أكثر فاعلية تساهم في توعية الأفراد على الإبكار في الكشف عن الأمراض بالإضافة إلى تشجيعهم على إتباع نمط حياة صحي، وأيضا يساهم هذا البرنامج على تهيئة كادر من العاملين المدربين جيداً والمتمتعين بالقدرات الكافية لتزويد المرضى بالخدمات تلبية لاحتياجاتهم على أساس أفضل البيانات المتاحة".
ويزيد قائلاً د. عبدالحسين: "الخدمات الوقائية تشمل إجراء الفحص المبكر عن الأمراض المزمنة من خلال إجراء الفحوصات الوقائية، التي لها علاقة بالعمر والجنس والحالة الصحية لكل مريض، كفحص الثدي للنساء فوق الأربعين، وفحص البروستاتا للرجال فوق الخمسين، والفحص عن أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول، أما بالنسبة لخدمة الاتصال للأخبار عن النتائج، يقوم الطبيب بمراجعة النتائج المختبرية عن طريق النظام الصحي الإلكتروني ومن ثم الاتصال بالمرضى وإخبارهم عن النتائج، كما تقدم المراكز الصحية خدمات أخرى لها تأثير مباشر في صحة الأفراد وزيادة المؤشرات الصحية، فخدمة الرعاية والأمومة من ضمن أولويات الرعاية الصحية الأولية وتشمل خدمات الفحص الدوري للأطفال وخدمة رعاية الأمومة، حيث يتم التواصل مع المرضى بالاتصال المباشر وعن طريق الرسائل النصية للتذكير بالمواعيد، بالإضافة إلى خدمات فحص قبل الزواج، ولجنة حماية المرأة ضد العنف ولجنة حماية الطفل، وعيادة الأمراض المزمنة.
الاستثمار في الصحة
الاستشارية د أمل الجودر .. مؤسس ورئيس أسباير أكشن اجيفمنت تدلي برأيها قائلة: "التغطية الصحية الشاملة تعني أن أي واحد يحتاج خدمة صحية في الوقت الذي يحتاجها سهل أن يصلها دون أن تسبب له ضائقة مالية.. فالتغطية إحدى مؤشرات أهداف التنمية المستدامة رقم ثلاثة، وتعنى بضمان قدرة كل الناس في كل مكان على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية والجيدة، وثمة 17 مؤشراً يقاس على إثرها تحقق هذا الهدف".
وتضيف د الجودر: "نحتاج لمجتمعات وأفراد قادرين على أخذ المعلومات الصحية ولعاملين صحيين مدربين وقادرين على تقديم خدمات وأصحاب القرار السياسي في تشريع أو تنفيذ ما لديهم من إيمان والتزام بالاستثمار في الصحة والمردود الايجابي، لاسيما وأن العائق يتمثل بأنه لا يوجد ولا دولة في العالم تستطيع أن تقدم كل شيء مجاناً في ظل ازدياد متوسط العمر وارتفاع نسبة المسنين، والأمراض المزمنة ومضاعفاتها وتكلفة التشخيص والأدوية.. وغلاء الاستشارة والدواء حسب التخصصات".
وتزيد قائلة: "الدول في العالم أمامها تحدي كبير، ونحن في البحرين تقدمنا كثيراً في هذا المجال، ولابد من الأخذ في الاعتبار أن نص سكان العالم لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية وقت ما يحتاجونها، وهناك 100 مليون شخص يدخلون في دائرة الفقر المدقع، في يومهم أقل من دولارين، خصوصاً عندما يكون المرض مزمن ويحتاج تكلفة علاج باهضة".
وتقدم فكرة مبادرة فريدة من نوعها وعنها تقول: "لنقتدي بدكتور من جدة هو جراج عيون قدم ألف ساعة تطوعية بدون أجر واعتبرها زكاة علم، وكانت خلال سنتين أجرى 130 عملية وعاين أكثر من 700 مريض.. هي مبادرة ونموذج للطبيب الإنسان تترجم الإنسانية والعطاء .. خصوصاً في التخصصات النادرة، من هنا نقول لماذا لا تتبنى جمعية الأطباء مبادرة لتقديم استشارات مجانية لمن يحتاج، وتعتبر زكاة علم، كما يمكن الاستفادة من صناديق الزكاة لعلاج المرضى".
وتختم د الجودر حديثها قائلة: "كطبيبة مهنية أرى أن وضعنا جيد مقارنة بالعالم، فوضعنا أفضل من دول كثيرة في العالم، فنحن لا نتحدث عن قضايا فردية، بل نصنف البحرين كدولة متقدمة لأنها حققت الكثير من الأهداف ولكن الطموح دائماً ليس له حد، فالتجويد والتحسين أمر مطلوب، وجودة الشيء ليس لها نهاية ولا يحدها سقف.. نريد تحقيق رضا الناس، وإدخال التكنولوجيا من أجل التطوير، وأطمح أن يكون لدينا أشياء وقائية أكثر من العلاجية، نريد تعزيز الصحة بحيث نترجم السياسات التي تشجع أنماط الحياة الصحية".