أكدت الكاتبة والقاصة والروائية السعوديّة زينب أحمد حفني، أن الكتابة كانت وما زالت الصدر الحنون الذي ارتمي في أحضانه وأهمس في أذنيها بآهاتي حين تعجز نفسي عن مواجهة قسوة الحياة.وأضافت خلال حديثها عن تجربتها الروائية الطويلة، ضمن ندوة أدبية - نظمتها أسرة الأدباء والكتَّاب، للكاتبة السعودية الأحد الماضي احتفاءً بيوبيلها الذهبي والتي أدراتها د. صفاء العلوي - أن نتاج الأدباء والمبدعين يُعتبر تاريخ موثّق لمن يرغب في معرفة ما يدور في أزقة بلاده الخلفية.وحول ما يكتبه الروائي على الورق قالت حفني، "لا يستهنْ أحد بما يُسطّره الروائي على الورق، فقد يُصبح نتاجه يوماً الدليل الدامغ على نصاعة أوطان، أو على تورّط أشخاص بعينهم في أعمال نهب! لحظتها التاريخ لن يرحم من عاش زمن ذلك الروائي!"، موضحة أنها تعتقد بأنَّ الكثيرين يُوافقونني أنَّ نتاج الأدباء والمبدعين يُعتبر تاريخ موثّق لمن يرغب في معرفة ما يدور في أزقة بلاده الخلفية!!.وتقول حفني "قرأتُ في مذكرات وزير الثقافة المصري السابق د.ثروت عكاشة، أن الرئيس عبد الناصر كان أكثر رؤساء العالم العربي حرصاً على قراءة نتاج أشهر أدباء عصره، لإدراكه مبكراً قدرة الروائي الثاقبة على اختراق المنافذ، ومهارته الفائقة في تشريح مجتمعه وإظهار مكامن علته".وأجزمت الكاتبة حفني، بأن الحّكام والرؤساء العرب لو قرأوا بعضاً من الروايات المكتوبة عن مجتمعاتهم، لاستغنوا عن قراءة التقارير التي تُقدمها لهم وزاراتهم الحكومية، التي يغلب على مُعظمها طابع التزوير والكذب ولي الحقائق الموجودة على الأرض! بل إنه سيستطيعون بسهولة معرفة ما يدور من خلف أظهرهم مثل تلك المتعلقة بقضايا الفقر والبطالة والفساد وقضايا أخرى كثيرة ساهمت البطانة المحيطة بهم في أن تكون حاجزا بينهم وبين ما يقع من مآسٍ لشعوبهم!وسردت حفني تجربتها الروائية قائلة "أعتبر نفسي واحدة من حفيدات جدّتي شهرزاد، اللائي قررن الغناء بصوت جهوري والتحليق عاليا خارج السرب!! وتأثري بشهرزاد التي لم أرها يوما بأمِّ عينيَّ، وتعلّقتُ بها في فكري، هي التي دفعتني إلى المخاطرة والإقدام على مغامرات فادحة العواقب، والولوج إلى مناطق خطرة دون أن ترتجف جفوني أو أحسَّ برهبة الخوف من المجهول!!".وتواصل "ليال طويلة تقلّبتُ فيها على فراشي عاجزة عن وضع إجابات مقنعة لمئات الأسئلة المنهمرة في مساحة فكري الصغير!! كنتُ أسأل نفسي، هل من الممكن في المستقبل أن أصبح شهرزاد عصرية وأتملّص من تبعات أفعالي؟! هل في استطاعتي إتقان شيئا من مميزاتها؟! هل أملك القدرة على أن أكون حكّاءة عظيمة مثلها ويُشيد الناس بموهبتي الأدبيّة؟!.وأضافت "قررتُ في لحظة مباغتة أن أضع قلبي على يدي وأسير على هديها، وأن أسجّل بقلمي ما يمر من أمامي، وأسطّر على الورق كل ما يعترض طريقي، رغم كم الأخطار المتربصة بي، وكتلة التقاليد والعادات الصارمة التي ترعرعت فيها داخل مجتمعي".فضح عالم النساء والابتعاد عن الرقابةوعن بدايتها في إمساكها بالقلم قالت حفني "عندما شببتُ عن الطوق وتعلّمتُ كيف أمسك بقلمي جيداً بين أصابعي، وبدأت أعي ماهية الأشياء، وأفهم وجوه الناس من حولي، كان أمامي خياران، إما أن أقتل المرأة في أعماقي حتّى أنفي عن إبداعي صفة الدونية المرتبطة بعالم النساء، أو أراهن على أنوثتي وأضع فيها ثقتي، وأجعلها في حالة التحام دائم مع نصي، حتّى وإن أحدث صداما مُدوّيا داخل مجتمعي!!، وحينها اخترتُ بلا تردد فضح عالم النساء والابتعاد عن رقابة المجتمع.وأوضحت، أن هناك سؤالاً يدور دوماً في مخيلتها حين تنتهي من ولادة قصة أو رواية، وهو هل قدّمت الأديبة العربية واقعها في قالب مستحدث؟!، موضحة في هذا الصدد أنها تشعر بأنها هربت من واقعها بخلق عوالم وهمية كانت تحلم بها ولم تسنح لها الفرصة لتذوّقها، أو التورّط في مغامرات جامحة لم تملك الشجاعة على تجربتها وهي في كامل وعيها، مما يُحفزها لا شعوريّا على دفع غيرها إلى طرقات أرادت يوما اقتحامها، وأطلق بعدها زفيرا طويلاً، شاعرة بفرحة غامرة تتملكها وهي ترى بطلاتها اللواتي كتبن بحبر قلمها أقدارهن، يتحررن من القيود المفروضة عليهن من مجتمعاتهن، فأفرح لفرحهن، واحزن لحزنهن، واسعد لسعادتهن".وتقول "هناك الكثير من الشخصيات صنعتها وأصابتني الغيرة منها، متمنية لو كنتُ في مكانها، وبكيتُ مع ذلك وأنا أودعهن الوداع الأخير مع وضع كلمة النهاية..نعم أحلامي حققتُ بعضا منها بين دفتي رواية أو قصة، وبعضها لم تزل حبيسة خاطري تٌلحُّ عليَّ أن أحلَّ قيودها هي الأخرى لتنعم بحريتها".وأكدت حفني "لم تزل التحذيرات التي لقّنتها لي أمي في صغري راسخة في فكري، بحتميّة إسدال أهدابي، حين أتعرّض لموقف يتنافى مع طبيعتي الأنثوية، لذا ما إن أسمع كلمة إطراء تُلهب مشاعري حتّى تتخضّب وجنتاي خجلا!! لكنني أتملّص من تحفظي، وأحسر الخمار عن رأسي، حين أكون في حالة حميميّة مع إبداعي، فأمرح وارقص مع بطلات قصصي ورواياتي، أمارس ساديتي عليهن حينا، ومازوشيتي حينا آخر، وأخرج لساني لموروثاتي الاجتماعية، وأقول لها أنظري لقد خلقتُ نساء قادرات على الوقوف في وجهك ومحاربتك، دون أن تملكي القدرة على مقاضاتهن أو توقيفهن في مخفر شرطة أو تشويه سمعتهن بين الناس أو حتّى منعهن من أن يعشن قصص حب حقيقيّة في وضح النهار".موقع حفني من الساحة الأدبية السعوديةوأوضحت حفني، أن الناقد السعودي ينأى بنفسه عن دراسة نصوصها حتّى لا تلتصق به تهمة الانحياز لها، وحتّى لا يُتهم بأنه يُروّج للأدب الجريء أو كما يُطلق عليه بالأدب المكشوف، متجاهلاً بأن الكتابة الأدبية هي في الأساس عملية لا أخلاقيّة! ولم تشفع لي عشرات من البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه التي تمّت في نتاجي الأدبي بدول عربيّة وإسلاميّة، والعديد من شهادات التكريم التي حصلتُ عليها خارج وطني".وأضافت أن "هناك كلمة حق لا بدَّ أن تُقال، فأنا أدين بالفضل لتعريف القارئ العربي بنتاجي الأدبي، إلى العديد من النقّاد العرب الذين أنصفوني، وقدّموا أدبي على أنه أدب سبق زمانه بطروحاته الجريئة، وفتحوا لي محافلهم الثقافية لأعبّر عن أفكاري التنويريّة".خطوط حمراء خوفاً من ردود الأفعالوأوضحت حفني "أن هناك خطوط حمراء يتوقّف عندها أغلبية الأدباء خوفاً من ردود أفعال مجتمعهم، ويُؤثرون الطرق الآمنة"، مضيفة أنها قرأت سابقاً حواراً للأديب المصري إحسان عبد القدوس، يذكر فيه أنه بقي متهماً طوال عمره بأنه أديب يكتب في الجنس، ودائمًا ما كان يستشهد بأسماء أدباء كُثر كتبوا عن الجنس، فيوضّح "لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس، فهناك المازني في قصته "ثلاثة رجال وامرأة"، وتوفيق الحكيم في قصته "الرباط المقدس"، وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت، ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكنني لم أضعف مثلهما، إيماني بمسئوليتي ككاتب"، ما أدّى إلى تهميش إحسان عبد القدّوس كروائي متميّز، والحط من أدبه، وظل لحد وفاته يدفع ثمن ولوجه إلى ساحات محرّمة اجتماعيّاً.وتقول حفني إن هناك سؤال أيضاً يُلقى عليَّ كثيرا في الحوارات التي تُجرى معي، وهو لماذا فضّلتُ عالم الرواية والقصة؟!، حيث تقول في هذا الصدد "إنه من وجهة نظري، يظل هذا العالم المنبر الأقدر على كشف المستور، وفضح الحقائق الملتوية. فالمرأة المبدعة من خلال هذا الجنس الأدبي، تستطيع تعرية شخوص رواياتها بتركها تتصرف على سجيتها، والإعلان عن رغباتها، والتنفّس بحرية، مبيّنة بذلك مستواها الفكري، فاضحة مرتبتها الاجتماعية، ما يجعلني أؤمن بأن الرواية لغة لا تعرف الحياء، كونها لا تخشى من كشف وجهها أمام الغرباء، ولا تهاب من حسر رأسها أمام المتشددين، وترفض بكبرياء كل أنواع التدليس الفكري".وأكدت حفني، أن الكتابة قدر حتمي يستسلم لها الكاتب بطوع إرادته، مُستعذباً التمرّغ في أحضانها وإن لسعته لدغاتها القاسية في بعض الأحيان!!، مستندة في ذلك إلى مقولة "إننا لا نختار أمهاتنا ولا آباءنا ولا نُحدد لحظة ميلادنا".وأشارت إلى أن الكتابة تقوم طوال الوقت بمشاغبة صاحبها، وأنا بطبعي أكره الحياة الروتينية وأحبُّ الصخب الذي يُوقد فكري، لذا مهما كانت ردود أفعالي عنيفة تجاه حاجياتي الخاصة، إلا أن ذبذباتها تُشعرني بأنني ما زلتُ أحيا، وتتيح لي الفرصة لممارسة آدميتي بكل تناقضاتها، وأنني لستُ مجرد دمية تتراقص بخيوط قدرية لا حيلة لها في التحكّم بخطواتها!وتقول الأديبة السعودية حفني "أجد الكتابة مثل النهر الذي ينبع من جهة ليجري في اتجاهات أخرى، لكنه بالتأكيد يروي عطش كل عابر سبيل يمر بشطآنه".مغزى قصص الأديبة حفنيوتضيف "الكتابة فعل فاضح لكنه سلوك مرتبط بذاكرتها، بمعنى أن كل رواية ما أن أفرغ منها حتّى تسقط أحداثها في بئر النسيان..لا اختلف حينها عن القاتل الذي يختار ضحاياه تحت جنح الظلام، ما إن يقترف جريمته حتّى يغسل يديه وينسى وجوه قتلاه..الفرق بيني وبين القاتل الحقيقي هو أنني أهتك عرض أبطالي على الورق دون أن أترك أدلة دامغة على أرض الواقع تُثبت تورّطي وفداحة فعلتي".وأكدت حفني "كثيرا ما يعترضني أحدهم ليسألوني عن مغزى قصة كتبتها، أو تستوقفني قارئة لتناقشني في فصل معين بإحدى رواياتي، أخجل من القول إنني أنسى ما سطّرته بمجرد أن أفرغ منها، كي لا يتسّرب الشك إلى سائلي ولو لهنيهة بأنني لستُ بكاتبة الرواية ما دمتُ أجهل أصلها وفصلها خاصة أنّي امرأة مشكوك في نصاعة فكرها!! ولا أدري حقيقة إن كانت هذه الصفة مقتصرة عليّ، أم أنها تنطبق على أغلبية المبدعين.وتواصل حفني سرد روايتها قائلة "في مرات عديدة حين أكون في حالة انسجام مع ذاتي، أعود إلى كتبي وأتصفّح ما سطّرته في الماضي، ينتابني إحساس بأنني غريبة عن بعض نصوصي كأنني أطلُّ من شرفة منزلي على منظر لم أعتده، وتجتاحني حينها رغبة في التنصّل من هذه النصوص، وتلحُّ عليَّ فكرة جهنمية في أن أذهب إلى المحكمة لأعلن تبرّئي منها بل ومطالبة القاضي بتقييدها ورميها خلف القضبان".وتستدرك قائلة "لكنني أعود فأطرد هذه الخواطر الخبيثة من رأسي، كيف يمكنني أن أخطو هذه الخطوة القاسية في حق أبنائي الذين أنجبتهم بعد ولادات متعسرة وأشرفتُ على الهلاك بسببها؟!، وهل هناك أم تتبرّأ من أبناءها وإن خرجوا عن طوعها أو قصّروا في حقّها، أو تشعر بالسعادة حين تراهم مقيدين بالأغلال لمجرد أنهم لم يعودوا مؤمنين بأفكارها أو أعطوا ظهورهم لمعتقداتها!!.وتواصل قائلة "لاحقتني هذه المشاعر فترة من الزمن بعد نشر مجموعتي القصصيّة (نساء عند خط الاستواء)، ولا أدري إن كان هذا يعود لأنني تلقّيتُ وقتها ضربة موجعة على رأسي عقاباً لي على كتابتها، أم لأنني كتبتها بمرحلة مبكرة من عمري!".وأوضحت "بلا شك أن كثيراً من مرئياتنا في الحياة تتغيّر مع تزاحم التجارب في جعبتنا، ومعرفتنا العميقة بالأشياء والناس، لكنني ما زلتُ حريصة على أن لا تفلت خيوط طفولتي من بين يديَّ وتضيع مني في زحام الأيام، فهي التي تجعلني أكتب بعفوية صادقة وبقلب متشبّث بالدنيا".شخوص روايات حفنيوبشأن تعاملها مع شخوص روايتها، تقول حفني "عندما أكتبُ رواية، ترتسم في مخيلتي مجموعة من الناس، فيهم من يُلاحقني وفيهم من ألاحقهم، تماماً كما يحدث في تفاصيل حياتنا اليوميّة".وتضيف "هناك أشخاص يُثيرون إعجابنا ويلفتون انتباهنا منذ الوهلة الأولى، فنلاحقهم بنداءات أعيننا حيناً، وبسكب كلمات الإطراء في آذانهم حينا آخر، حتّى يقعوا في مصيدتنا وينساقون خلفنا..وهناك أشخاص نلتقي بهم كل يوم، مع هذا لا يعلقون في ذاكرتنا، ولا يُحركون ذرة في وجداننا، لكنهم مع طول ملاحقتهم لنا يتسلطون على أفكارنا ويرغموننا على أن نضع أسماءهم في قائمة أصحابنا، لكننا نتحيّن الفرصة للانقضاض عليهم وإزاحتهم عن طريقنا".وتطرقت حفني إلى روايتها "ملامح"، حيث ظلّت ثريا بطلة الرواية تُلاحقني في يقظتي ومنامي، حتّى ضقتُ ذرعا بمشاغباتها، ومللتُ من مطاردتها لي، فأرديتها قتيلة دون أن ترجف جفوني على موتها أو أحزن على فراقها، مطمئنة بأنّي سأفلت من العقاب، فليس هناك قانون سيُحاسبني على جريمتي الوحشية!!وعرجت الكاتبة إلى التلصص على ما يكتبه الروائي، مؤكدة أنها هي عادة مستحكمة لدى أغلبية القرّاء. وكثيرا ما تصلني رسائل من قرّاء فضوليين عبر بريدي الإلكتروني يدور محورها حول أسئلة محددة: هل شخوص رواياتك حقيقيّة من لحم ودم؟! هل قصصك هي انعكاس لتجارب شخصيّة مررتِ بها في حياتك؟! هل هي من صُنع خيالك، أم أنها بالفعل مقتبسة من الواقع المعاش، وأن كل ما ذكرته يحدث بالفعل في مجتمعك؟!.وفي هذا الصدد تقول حفني "دوماً أردد بأن الروائي الحقيقي ماهر في اختراق خصوصيات الآخرين، وأن الفرق بينه وبين الإنسان العادي يكمن في قدرته الفائقة على خلق عالم خيالي، لكن هذا العالم لا ينبثق من فراغ وإنما من تلك الأرض التي ترعرع فيها، والتي وقع أسير حبّها دون أن يدري، لذا فهو يغار عليها من أي سلبيات عفنة تنفذ لخياشيمه، متوعداً في لحظة نزق وهو ممسك بقلمه، أن يفضح ما يلمسه بيديه ويراه بعينيه ويسمعه بأذنيه، وفي قول ما لا يستطعْ أن يُجاهر به عامة الناس.واستطردت "هناك دوما سؤال فضولي يقف على طرف ألسنة البعض عن سر نجاح رواياتي؟! لا يدرون بأن إظهاري الطبائع البشرية لشخوص رواياتي، وتحريرهم من سطوة العادات والتقاليد جعلت منهم أناس من لحم ودم، ليكتشف كل قارئ يتلصص على كتاباتي بأن في أبطالي جوانب من شخصيته الخفيّة!! لذا أردد دوما بأن الكتابة كانت وما زالت الصدر الحنون الذي ارتمي في أحضانه وأهمس في أذنيها بآهاتي حين تعجز نفسي عن مواجهة قسوة الحياة".أنا لست أديبة مستهترةوقالت حفني "أوجه تهما مستمرة بأنني أصوّر الرجل في عوالم رواياتي، بأنه الظالم المتجنّي على المرأة، لكنني أرفض أن يُقال عنّي بأنني أديبة مستهترة، لا تعرف معنى الوفاء، وتنقض العهد بسهولة، وأنها سخّرت قلمها للسطو على حقوق الرجل، وإنكار دوره في السهر على حمايتها طوال الليل من ذئاب الطريق.وتقول "الحقيقة الراسخة في وجداني، أنني لم أقف يوما في مواجهة الرجل، ولا أفكر بتلويح سيفي في وجهه"، موضحة أن الرجل يُمثل همزة وصل حقيقيّة في حياتها، لكنه في نفس الوقت يُشكّل علامة استفهام كبرى في فكرها".وأكدتا أنه، تقف ضد موروثات اجتماعية هي في الأصل نتاج عقول ذكوريّة متخلفة، ساهمت في منح الرجل الكثير من الصلاحيات، وحصرت نظرته الضيقة في المرأة على أنها مجرد صندوق أثري، من حقه أن يُلقي بداخله أشياءه القديمة بلا مبالاة، على اعتبار أنها تُمثل جزءا لا يتجزأ من إرثه التاريخي.واعتبرت حفني، أن الرجل، من وجهة نظرها، هو الأب والأم والابن والحبيب ورفيق الدرب، والرجل والمرأة روحان يُكمّل أحدهما الآخر، وهذا لا يعني أن مجتمعاتنا العربية أنصفت المرأة، فهي ما زالت مجتمعات ذكوريّة بامتياز، وإن كانت بنسب متفاوتة من مجتمع لآخر.وقالت حفني "لا أضع اللوم هنا على الرجل وحده في تمسّكه بذكوريته، كون المرأة التي ربّته تتحمل جزء كبيراً من هذه النظرة السلبية للمرأة، كونها هي التي تُعلم أبناءها منذ صغرهم، مُفردات تقدير المرأة والرفع من شأنها واحترام استقلالية عقلها".وأكد المرأة - في العام أجمع - ظلّت ملهمة الأدباء والفنانين، حيث سجل التاريخ الكثير من النصوص التي كانت المرأة فيها نبعا فيّاضا لإبداعاتهم، بل إن بعضهم بنوا صروح أمجادهم الأدبية على رفات النساء، في الوقت الذي غضّ الطرف، التاريخ الذكوري، عن الكثير من الإبداعات النسائيّة التي كان فيها الرجل مصدر إلهام للمرأة، من منطلق أن المرأة محظور عليها أن تطال قامة الرجل لئلا تنتقص من قدره وتطعن في رجولته بحسب ما يردده الموروث الاجتماعيّ.وتشير حفني، إلى أن المرأة التي تجاسرت وتمردت على هذا القانون الذكوري ووطأت بقدميها أرضاً غريبة عليها، اُعتبرت امرأة مسترجلة تخلّت عن أنوثتها، وفرض المجتمع حولها سياج من الشك والريبة، حولها، وأخضعها للمساءلة القانونية والاجتماعية، ما يدفعني للتوقّف عند عبارة الأديبة غادة السمان، بأن المرأة المبدعة تتعامل مع إبداعها من خلال موروثها الثقافي، بمعنى أن كما الرجال قوامون على النساء، كذلك الأدب الرجالي قوّام على الأدب النسائي.وقالت "أحيانا أغرق في أحلام يقظتي، فأتخيّل نفسي أسير في نفق طويل مظلم، حاملة بيدي شعلة يشعُّ منها ضوء قوي، لأجد نفسي مع طول المشي تنهدُّ قواي ويخفت ضوء الشعلة حتّى ينطفئ تماما وتعود الظلمة تُحيط بي من كافة الاتجاهات".وتزيد قائلة "أوقن لحظتها بأن كل الأشياء مصيرها يوماً إلى زوال وأن أهم شيء في الحياة أن لا يعيش الإنسان على هامشها ثمّ يموت نكرة لا يلتفتُ إليها أحد".وتواصل "أعتبر نفسي من البشر المحظوظين كوني لم أعش حياة راكدة بل عشتُ حياة عاصفة وإن تخللتها أنهار من الدموع"، موضحة أنها جاهدت طوال عمرها لتترك خلفها إرثا أدبيّا وإن أختلف الناس حوله، بين من يكنُّ لها الحب ويُوقن بأنها قدّمتُ حراكا جميلا، وبين من سيُخرج لسانه ممتعضا متهمني بأنّي اقترفتُ إثما عظيما في حق مجتمعي بتلطيخ سمعته أمام القاصي والداني".واختتم حفني محاضرتها قائلة "نهاية الأمر أترك أمر مقاضاتي للتاريخ فهو الحكَم المنصف. وقد يُحالفني الحظ ويتم تكريم اسمي بعد موتي بأبيات نعي جميلة، ربما تشفع لي عندما تقرؤني الأجيال القادمة".