أجرت اللقاء - سماح علام

ثقافة جديدة يرتئي فريق "موهبتي مشروع حياة" أن ينشرها بين الناس، فلم تعد الموسيقى والرسم والفن مواهب يقاس عليها.. فهذا النمط الكلاسيكي في تصنيف الموهبة لم يعد ملائماً اليوم في ظل مفهوم أكبر وأشمل للموهبة التي تضم طيفاً واسعاً من المواهب مثل الإحساس بمشاعر الآخرين.. وتقبل الآخر وتقبل أفكارهم، والقدرة على التعامل مع الوقت بدقة مميزة، والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية.

فريق عمل "موهبتي مشروع حياة" قام بتوزيع استبيان استهدف 400 شخص، وجاءت النتائج أن 81% اعتقدوا أن كل إنسان يمتلك موهبة، ورأى 72% أن الموهبة لها علاقة بالذكاء، في حين أن الصواب أن الموهبة لا ترتبط بالذكاء، وفي تصنيف المواهب لم يتم تصنيف التسامح والتشاعر على أنهما مواهب، في حين أن أكثر من 46% لم يعرفوا موهوبتهم.. ولم يستطيعوا تحديدها.

أما عن أهمية الموهبة فقد اعتقد 80% من العينة أنها مهمة في حين أن 20% رأوا أنها غير مهمة، في حين أن 6% فقط اعتبروا أن الدقة في الوقت تعتبر موهبة، و8% فقط رأوا أن التسامح وتقبل الآخر يعتبر موهبة أيضاً.

"موهبتي.. مشروع حياة"، ينعش ثقافة الموهبة باعتبارها طيفاً واسعاً من الصفات والتفاصيل الشخصية التي تميز الإنسان عن غيره.. فبين شخصية تحليلية وتفكيكية وصبورة ثمة الكثير من الشخصيات الموهوبة، وهذا ما تتحدث عنه د.رنا الصيرفي رئيسة المشروع الذي ينطلق تحت مظلة جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية.

لا مواهب تقليدية بعد الآن.. إذ يجب الالتفات للموهبة بشكل مختلف وبحس مختلف. هذا ما تبدأ به الصيرفي حديثها إذ تقول: "الموهبة هي الميزة اللطيفة الكامنة لدى كل إنسان، وهي قابلة للنمو والازدهار متى ما طورها صاحبها. الموهبة ليست متعلقة بالذكاء ولا محدودة بمهارات، فهي قدرة، أو صفة إنسانية، أو إمكانية تميز هذا الإنسان.

وعن أهداف المشروع تقول الصيرفي: "نهدف إلى تصحيح المعنى الدارج للموهبة والمنحصر في الجوانب الفنية والحسية، بحيث تشمل نواحي أوسع في حياة الإنسان، فكل إنسان لديه موهبة يستطيع أن يقدم للآخرين من خلالها، وتشجيع الأطفال والمراهقين على اكتشاف موهبتهم (مواهبهم) وتنميتها والعطاء للمجتمع من خلالها، ومساندة أولياء الأمور والمربين في التعرف على الطيف الواسع لأنواع الموهبة، والنواحي المختلفة التي تتجلى من خلالها، لمساعدتهم على اكتشاف مواهب أبنائهم وتنميتها، مع تقوية الشراكة مع المؤسسات ذات العلاقة لنشر ثقافة الموهبة وأهميتها".

مشروع حياة

لماذا هذا المشروع؟ سؤال أجابت عنه الصيرفي: "نواة المشروع انبثقت في فبراير العام الماضي، جهزنا المعرفة وعملنا بحث عن الموهبة، ووصلنا إلى العمق في هذا المفهوم، وبعد التأسيس انطلقنا في المشروع للعامة.. فإسم المشروع يحمل في طياته المعنى المراد نشره".

وأضافت: "الموهبة ليست شيئاً هامشياً، أو كمالياً، وإنما هي أساس حياة كل إنسان وهي مشروع حياته، وهي التي تساعده على إعطاء معنى لحياته. لأن كل إنسان لديه موهبته الخاصة، وهي هبة السماء له، ليكون له دور فاعل ومميز في الحياة، ويضيف لمسته الخاصة من خلالها. فحتى الأشخاص الذين لديهم موهبة تبدو متشابهة، إلا أن لكل واحد منهم إضافته ونكهته الخاصة".

خلط في فهم الموهبة

وعنه تفصل د.الصيرفي قائلة: "عندما نتحدث عن الموهبة فغالباً ما يقفز في ذهننا المواهب الفنية مثل العزف أو الرسم أو الخط وغيرها من المواهب المحسوسة. لكن هناك مواهب كثيرة وأكثر تنوعاً من الدائرة الضيقة للمواهب التي كثيراً ما يتم تسليط الضوء عليها".

وتابعت: "عندما نتعرف على أنواع المواهب فإن ذلك يساعدنا على تمييزها لدى الأبناء، وبالتالي نستطيع تنميتها وتطويرها، في هذا القسم سنعرض بعض المواهب المتنوعة، وهي ليست منحصرة في هذه فالمواهب الأخلاقية والقيمية وتشمل العديد من المواهب مثل موهبة الاهتمام بالآخرين وتقدير مشاعرهم، موهبة تحمل المسؤولية، موهبة المثابرة والالتزام، وغيرها، أما المواهب الفكرية فمنها موهبة تحليل الأحداث، موهبة النظرة الاستشرافية للأمور، موهبة توليد الأفكار الجديدة، موهبة التفكير النقدي، وغيرها".

وتزيد قائلة: "هناك الكثير من التصنيفات فمثلاً المواهب الفنية كموهبة الرسم بمختلف أنواعه، موهبة العزف والحس الموسيقي، موهبة صناعة المجسمات وغيرها، أما المواهب الاجتماعية فمنها موهبة التواصل مع الآخرين، وموهبة تكوين علاقات متنوعة، وموهبة إلهام وتحفيز الآخرين. أما المواهب الجسدية هي المواهب المتعلقة بأجزاء الجسم، مثل مرونة بعض أعضاء الجسم وقدرته على تأدية حركات، أو أداء مهمات مميزة بسهولة أكثر من الآخرين.. إلخ".

الموهبة بوابة عطاء

وعن أهمية اكتشاف الموهبة في حياة كل إنسان تقول الصيرفي: "الموهبة هي ميزة لدينا، تقدم لنا فرصاً للعطاء وخدمة الآخرين. الموهبة نمتلكها لنغير من حياتنا للأفضل، ونشحذها لنستطيع أن نزيد من عطائنا".

وتضيف قائلة: "أما إذا امتلكتنا الموهبة، فنجد أنفسنا نستمتع بها إلى حد كبير ينسينا الهدف الذي نسعى لتحقيقه، وقد نضيع في أمواج متطلبات هذه الموهبة، ونضيّع العديد من الفرص في حياتنا. وبالتالي تكون نقمة علينا، لأنها هي المهيمنة علينا وعلى قراراتنا".

وزادت الصيرفي: "مثلاً من يمتلك موهبة التحليل والبرمجة الإلكترونية، إذا كان يمتلك موهبته فهو سيعمل وفق ما يريده من تطوير هذه الموهبة في عمل برمجيات مفيدة للناس، وتساهم في خدمتهم. أما إذا امتلكته الموهبة، فقد يستمتع بها بدون أي حدود، وقد يجد نفسه يصنع برمجيات تخرب أجهزة الآخرين، أو قد ينحى إلى التلصص على أجهزتهم، أو اختراقها".

وتضيف: "في هذه الحالة هو أصبح دمية تحركه موهبته واستمتاعه بها، ومن هنا يجب معرفة الفرق والانتباه له يجعلنا أكثر قدرة على مساعدة أبناءنا في قراراتهم حول مواهبهم. ولنحمي أبناءنا من أن يكونوا تحت هيمنة مواهبهم، من المهم أن يضعوا لهم هدف أو أهداف واضحة لتطوير موهبتهم. أهداف بها عطاء للآخرين، وفائدة لهم ولمجتمعهم، ولا تشمل إساءة إلى أحد، أو أن تأخذ من حق أحد".

عقبات الموهبة

وتؤكد الصيرفي، أن "من أبرز العقبات التي تقف أمام اكتشاف الموهبة، مثلاً التركيز على الذات فكلما كان تركيز المرء على نفسه، فإنه لا يستطيع أن ينمي موهبته بالشكل الصحيح. التركيز على الذات يجعل الإنسان يفكر في نفسه طوال الوقت وبالتالي يفقد القدرة على تنمية الموهبة بالشكل الأوسع ليستطيع من خلالها خدمة الآخرين، وينحصر تركيزه على تنميتها بشكل ضيق خدمةً لنفسه واحتياجاتها".

أما ثاني أنواع العقبات فهي الانزعاج من نجاح الآخرين، وعنه تقول د.الصيرفي مفصلة: "أن يغضب ويمتعض من نجاح شخص آخر أو بسبب تفوقه عليه في مجال قريب من مجال موهبته، فالانزعاج له تأثيرات سلبية كثيرة على الموهبة منها أن يجعل الإنسان مشغولاً بالمشاعر والأفكار السلبية والتي تضيق أفق تفكيره، وينشغل عن تطوير موهبته، ولا يستطيع رؤية الفرص التي قد يحصل عليها، ويكون غير محبوب، والناس تنفر منه، وبالتالي تقل الفرص التي يمكن أن يحصل عليها ليقدم موهبته للآخرين ويخدمهم من خلالها، في حين أن العقبة الثالثة هي القلق، فالقلق عدو الموهبة، يمنعها أن تفيض بانسيابية، ويقف كالمصد لها، وهو نوع من الخوف".

وتواصل: "ترى بعض الأطفال الذين يمتلكون موهبة جميلة عندما يطلب منهم آباؤهم أن يقوموا بالعمل ذاته أمام الآخرين فإنهم يرتعشون، أو ينزوون ويبتعدون عن الآخرين، فالنطاق الأول كان محيط عائلتهم الذي يشعرون فيه بالمحبة والقبول، أما النطاق الأوسع مع الآخرين، فهم غرباء بالنسبة لهم، لذا يشعرون بالتوتر".

وأوضحت، أن "معظم الموهوبين هم خجولون بطبيعتهم، ويصعب عليهم إظهار موهبتهم أمام الناس. ولمساعدتهم على تجاوز هذا الخجل والقلق، فنحتاج أن نفتح لهم المجال بشكل تدريجي، يساعدهم على التغلب على هذا القلق، والانطلاق".

وتزيد في توضيح العقبات قائلة: "يعتبر الشعور بالذنب من العقبات أيضاً، فأن يشعر الشخص بالذنب إذا أخطأ في مجال موهبته، وخاصة الأطفال، فغالباً ما يحكمون على أنفسهم بأنهم لن ينجحوا، وأنهم ليسوا موهوبين كما يظنون، وأنهم غير ملائمين لهذه الموهبة، وهنا من المهم توضيح أن الموهبة لا تعني أن الإنسان لن يخطئ أو لن يحتاج إلى التمرن".

وأوضحت الصيرفي، أن "كل موهبة تحتاج إلى تطوير، وممارسة لتنمو وتتطور، وأيضاً يعتبر الاستسخاف بالموهبة أو الخجل منها من العوائق أيضاً، فبعض الأشخاص يخجلون من مواهبهم، فيعتقدون أنها صغيرة، أو غير ذات أهمية، فينكمش صاحبها، ويستصغرها، ولا يسعى لتطويرها. في حين أن كل موهبة مهما بدت صغيرة فهي لها أهمية، ويستطيع العطاء من خلالها للآخرين".

الموهبة والتعليم والمجتمع

وعن أهمية نشر مفهوم الموهبة بتفاصيله الواسعة تقول د.الصيرفي: "الموهبة والتعليم والمجتمع مثلث نجاح إن تحقق سوف يسهم في نقل الفرد إلى فضاء مختلف سواء من حيث اكتشاف شخصيته أو عمله أو أسلوب حياته، لذا من الجيد أن ينتبه أولياء الأمور والمعلمون والمربون لهذا الأمر، فلا يقتصر الاهتمام فقط بالمواهب الأكاديمية ولا المواهب الفنية، وهي تلقى اهتماماً كبيراً وواسعاً.