ورد في هذه الصحيفة الغراء في عددها رقم 4880 الصادر بتاريخ 21/04/2019 وفي صفحتها الأولى خبراً يتعلق بالتوجيه الكريم من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، بتعزيز إمكانيات التطبيق الفعال لقانون العقوبات والتدابير البديلة، ورفداً لهذا التوجيه الملكي الكريم الصادر من جلالته سوف أتناول في العمود وسلسلة أعمدة تليه بإذن الله العقوبات البديلة في الإسلام وفي القوانين المعاصرة.

تتفق جميع المجتمعات في محاربة كل سلوك خارج عن القوانين وغالباً ما يكون السجن هو الأسلوب المعتمد لمعالجة السلوكيات الإجرامية للإنسان داخل المجتمعات كافة، ولكن هل يحقق السجن الهدف من تقويم سلوك الإنسان المنحرف؟ وهل يهذب خلقه ليصبح إنساناً صالحاً؟ أم يكتسب مهارات إجرامية جديدة ومزيداً من السلوكيات المنحرفة؟.

إن لجوء القضاء إلى تقييد حرية الفرد في بعض الحالات يعتبر خلاف الأصل العام، وهو ليس من أجل إيذاء شخص بعينه، بل لأجل تحقيق الأمان الحرية لجميع أفراد المجتمع الآخرين، وهذا المبدأ يعم العقوبات الأخرى التي يلجأ إليها القضاء في بعض الحالات.

وبالنظر إلى موقف القضاء في الإسلام من العقوبات في الجملة، نجد أنه لا يهدف إلى إيقاع العقوبات بالفرد أساساً، بل إنه يضع سياجاً منيعاً دون إيقاع أي عقوبة بوضع الشروط الدقيقة لثبوت موجبات العقوبة من جهة، ووضع الشروط الدقيقة أيضاً لتنفيذها بعد ثبوتها من جهة أخرى، ويتضح اتجاه القضاء في الإسلام إلى هذا المنحى من خلال تقرير قاعدة "درء الحدود بالشبهات"، والأخذ بقاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، المؤيدة بالقاعدة الشرعية الأخرى التي تقول إن "الأصل في الأشياء الإباحة".

وإذا كان الحبس من العقوبات التي يلجأ إليها القضاء، فإن النظام الإسلامي لا يتشوف إلى تنفيذ هذه العقوبة وإنما يجريها وفق المبادئ والقواعد السالفة كغيرها من العقوبات، وهو من جهة أخرى يأخذ بكل الوسائل التي تحقق المصالح أو تدرأ المفاسد بشرط ألا تتعارض مع ثوابت الشرع، ومن ذلك أنه يوجد لعقوبة السجن بدائل تغني عنها، حينما يكون إيقاع العقوبة مع وجود البديل المناسب تخفيفاً في حق الجاني، على أن تكون تلك البدائل متماشية مع كل مجتمع حسب طبيعة الجريمة، ونوعية المجرمين فيه، وذلك أن اختلاف أنظمة أي مجتمع وقوانينه وثقافته يوجد فيها تباين واختلاف في ملاءمة البدائل من بيئة إلى أخرى وللعقوبات البديلة آثار إيجابية على المتهم والمجتمع فهي تجنب الآثار السلبية لدخول السجن فقد أصبح اللجوء إلى نظام البدائل يعكس اقتناع السياسة الجزائية بوجود آثار سلبية للسجون.

كما يعكس ضرورة تطبيق عقوبات بديلة للإصلاح، وتساعد على تلبية احتياجات المذنب والأسرة والمجتمع وفي هذا إشارة إلى نظرية تفريد العقوبة أي ضرورة مراعاة ظروف الجاني الشخصية والأسرية من جهة وحماية المجتمع من جهة أخرى تجنب إبعاد المذنب عن المجتمع، ويعكس هذا السبب النقد الموجه للسجن والمتمثل في التناقض بين ضرورة إصلاح المذنب لإدماجه في المجتمع، وما يؤدي إليه حبسه من فصله عن هذا المجتمع من جهة أخرى.

كما أن استخدام البدائل لا يؤدى إلى زيادة في الجريمة، وتؤكد معظم البحوث والدراسات التي أجريت والتي قطعت أشواطاً لا بأس بها في هذا المجال أن استخدام البدائل لم يؤد إلي أية زيادة في معدل الجريمة، ويمكن استخدام البدائل التخفيف من الأعباء المالية المترتبة على زيادة أعداد النزلاء بالسجون وبناء السجون وصيانتها.

فالعقوبات البديلة لها شقان، شق مادي وهما عقوبتا الغرامة والمصادرة والإتلاف، وشق معنوي "نفسي" وهو ما يشتمل على النصح و الوعظ والتوبيخ والهجر والتشهير، وسوف أتناول هذا الشق في سلسلة من المقالات، أما الشق المادي فسنتطرق إليه في أحد الأعمدة من هذه السلسلة باعتباره أحد العقوبات البديلة المنصوص عليها نظاماً والمطبقة.. نواصل.