نجحت زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى جمهورية فرنسا الصديقة في تحقيق النتائج المرجوة منها، وجسدت حقيقة النهج الفاعل الذي تتبناه المملكة لترسيخ أسس تحالفاتها بالدول الكبرى، وإقامة شراكات جديدة في علاقات البحرين مع مجتمع السياسة والمال والأعمال بشتى الدول، وبما يعود بالنفع والخير على المملكة وشعبها.

وأظهر تقرير بثته وكالة أنباء البحرين (بنا) أن الزيارة السامية "استهدفت تحقيق جملة من الأهداف التنموية في المملكة، فإضافة إلى تطوير وتبادل الخبرات، والاستفادة من قدرات الشركات الفرنسية في مجالات عدة، فإنها رمت أيضاً إلى تحقيق أكبر استفادة ممكنة في مشروعات التحديث والنهضة التي تشمل شتى أرجاء البلاد، ثم خلق وظائف ذات مردود اقتصادي كبير، خصوصاً في مشروع توسعة مطار البحرين وتزويده بأفضل سبل الراحة، ومشروع تطوير الاكتشاف النفطي الأخير بالمملكة، ومشروعات البنى التحتية اللازمة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال".

رؤى سياسية متناغمة

وقال التقرير إن "أجواء الزيارة السامية التي ضمت وفداً كبيراً من المسؤولين ورجال الأعمال شهدت كثيراً من المنجزات المحققة، فمن جهة، وصفت جولة المباحثات التي أجراها عاهل البلاد المفدى مع الرئيس الفرنسي بالمثمرة، إذ عززت متانة العلاقات الثنائية الطيبة بين البلدين والشعبين الصديقين، التي تعود إلى عقود مضت، وعبرت عن الإرادة المشتركة لتذليل أية عقبات قد تعترض تطويرها. وتأكد ذلك في أكثر من مظهر، منها حفاوة الاستقبال والترحيب بالوفد البحريني الكبير، والتوقيع على عدد من اتفاقات التعاون ومذكرات التفاهم بين حكومتي البلدين شملت تدريب الأطباء المتخصصين، والتدريب الإعلامي والتعليم العالي والجامعي. وكذلك الكلمات التي عبر فيها الرئيس الفرنسي عن حرص بلاده على دعم كل ما من شأنه أن ييسر سبل الانطلاق لعلاقات البلدين إلى آفاق أكثر رحابة، وبما يشمل مختلف مجالات التعاون والتنسيق، خاصة مع توفر الأساس اللازم لتطوير هذه العلاقات من مصالح حيوية مشتركة، وتفاهمات سياسية بشأن المستجدات الإقليمية والدولية، ورؤى ومواقف متناغمة إزاء العديد من قضايا الاهتمام".

قناعات مشتركة

وأضاف تقرير "بنا" أن الزيارة السامية والفعاليات التي شهدتها كشفت عن قناعتين مشتركتين، الأولى ضرورة البناء على عدة ركائز لتطوير العلاقات البحرينية الفرنسية، وأبرزها تشابه وجه البلدين الحضاري، حيث تتسم ثقافة وروح الشعبين بـ"التسامح والمحبة والتعايش والقيم الرفيعة"، والثانية عمق العلاقات التاريخية التي تربط البلدين، بالنظر لدور التجار والمستكشفين الفرنسيين الذين كان لهم السبق ليس فقط في التعرف على البحرين وقدم حضارتها إنما في دعم العلاقات معها منذ عقود وتطويرها إلى ما وصلت إليه في الوقت الراهن".

وكان العاهل المفدى أكد في عدد من التصريحات خلال وجوده في العاصمة باريس أن البلدين يحظيان بروابط استراتيجية متينة تشمل جميع القطاعات، ولدى قادتهما العزم والإرادة على جعل علاقاتهما أكثر تطوراً، خاصة أنها "تطرد باستمرار وعاماً بعد عام"، سيما في مواجهة "التحديات والمخاطر الراهنة" التي يواجهها أمن العالم واستقراره، وخصوصاً مع اهتمام البحرين بالحادث المروع الذي تعرضت له كاتدرائية "نوتردام" التاريخية، وحرص جلالة العاهل المفدى على التعبير عن تضامن المملكة مع باريس إثر هذا الحادث.

وقال التقرير "تبرز أهمية ما أسفرت عنه مباحثات جلالة الملك المفدى مع الرئيس الفرنسي، خاصة مع اتفاق الجانبين بشأن إقرار "السلام في الشرق الأوسط" و"استدامة الاستقرار في الخليج العربي"، وضرورة أن تسعى جميع الأطراف والحلفاء لحماية المنطقة "من شر الإرهاب بكل صوره وتنظيماته"، وأن تعمل جميعها معاً لـ "وقف كل أشكال التدخل الخطير في شؤونها".

كما جسدت الزيارة السامية أهمية تجاوز العلاقات البحرينية ـ الفرنسية المفهوم التقليدي للتفاعلات البينية بحيث تتجاوز الجانبين السياسي والدبلوماسي لتمتد وتشمل الجوانب الاقتصادية باعتبارها الآلية الأكثر أهمية في عالم اليوم لتعميق أطر التعاون المتشعبة بين البلدين، وهو ما تجلى واضحاً بالنظر إلى الوفد الاقتصادي الكبير المرافق لجلالة الملك المفدى، وتنظيم منتدى رجال الأعمال المشترك، فضلاً عن اللقاءات التي أجراها جلالته مع وفد رجال الأعمال والمسؤولين الفرنسيين وعلى رأسهم وزير الاقتصاد والمالية".

وأضاف التقرير "ينظر لجملة الفعاليات الاقتصادية التي شهدتها الزيارة، خصوصاً تلك التي جاءت بمشاركة واسعة من نحو 100 من رجال الأعمال البحرينيين والفرنسيين، باعتبارها آلية مهمة باتت تعتمدها المملكة في كل تحركاتها الدبلوماسية التي يقودها جلالة العاهل المفدى لتدعيم بيئة الأعمال الجاذبة بالبلاد، وللتعريف بالحوافز والأجواء التي تقدمها لاستقطاب مزيد من تدفقات الاستثمار إليها، وهو ما يمثل رافعة أساسية من روافع قوة الاقتصاد الوطني، وقاطرة محورية لتحريك وتنشيط العجلة التجارية التي يعول فيها على دور رأس المال الوطني لقيادة حركة النمو والنهوض بالبلاد".

3 نقاط اقتصادية جوهرية

ولفت تقرير "بنا" إلى ثلاث نقاط مهمة تعد خلاصة للتحركات الاقتصادية البحرينية في باريس، "أولاها تعدد وتنوع الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن تربط البحرين بفرنسا، وخصوصاً في مجالات "الطاقة والنقل والاستثمار الثقافي والتعليمي والسياحي"، كما أشار إلى ذلك العاهل المفدى، وثانيها مدى حرص الجانبين على تمتين الروابط الاقتصادية، الأمر الذي بدا واضحاً في توقيع عدد من اتفاقيات ومذكرات التفاهم، التي لم تقتصر على الجانب الرسمي، بل شملت الشركات الفرنسية، وبلغت قيمتها 2 مليار دولار لتصل إجمالي قيمة العقود البينية إلى 4.6 مليار دولار.

وثالثها الفرص الكبيرة التي أتاحها منتدى رجال الأعمال المشترك للتعريف بأجواء التجارة وبيئة الاستثمار في المملكة، وحظيت باهتمام كبير من المستثمرين الفرنسيين الذين أبدوا اهتمامهم بسبل تطوير العلاقات المشتركة، وأشادوا بميزات الإنتاج التنافسية التي تتمتع بها البلاد، والإجراءات المتخذة لتشجيع رجال الأعمال للنفاذ لها، ولمنطقة الخليج ككل باعتبار البحرين البوابة الرئيسة لهذه السوق الواسعة والمهمة".

جملة أهداف تنموية

وأوضح تقرير "بنا" أن "الزيارة السامية استهدفت تحقيق جملة من الأهداف التنموية في المملكة، فإضافة إلى تطوير وتبادل الخبرات، والاستفادة من قدرات الشركات الفرنسية في مجالات عدة، فإنها رمت أيضاً إلى تحقيق أكبر استفادة ممكنة في مشروعات التحديث والنهضة التي تشمل شتى أرجاء البلاد، ثم خلق وظائف ذات مردود اقتصادي كبير، لا سيما في إطار مشروع توسعة مطار البحرين وتزويده بأفضل سبل الراحة، ومشروع تطوير الاكتشاف النفطي الأخير بالمملكة، ومشروعات البنى التحتية اللازمة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال. وبدا ذلك مهماً بالنظر إلى ما تملكه فرنسا من خبرات، حيث تسهم بسدس الإنتاج الصناعي للاتحاد الأوربي محتلة بذلك المرتبة الـثانية أوروبياً والـرابعة عالميا، وتعد ثاني مصدر للمنتجات الزراعية عالمياً، والأولى عالمياً في إنتاج الكهرباء، وتتصدر المرتبة الـرابعة في إنتاج السيارات والـسادسة عالمياً في النفط، والمرتبة الـحادية والعشرين في الخدمات المالية، وتأتي ضمن أكبر 50 شركة عالمية في الخدمات المصرفية، وتحتل شركاتها المراتب الأولى في ترتيب أكثر شركات العالم نمواً في مجال التكنولوجيا، وتستقبل نحو 85 مليون سائح سنويا وغيرها بحسب مواقع".

وقال التقرير "لا شك أن الزيارة السامية لجلالة الملك المفدى وضعت في حسبانها التطور الكبير الذي حققته النهضة الفرنسية في شتى المجالات والقطاعات، لذلك يتوقع أن تنمو حركة التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة القادمة، حيث بلغت التجارة غير النفطية نحو 507 ملايين دولار العام 2018 بزيادة 105% عن 2015. ومع احتضان المملكة لعدد من كبريات الشركات والبنوك الفرنسية، ينتظر أن ينمو بوتيرة متسارعة التعاون التجاري والاقتصادي في السنوات القليلة المقبلة".