عبد الله زهير

ذات حوار مع الشاعر العراقي الكبير سركون بولص حين سئل فيما إذا كان ينصح الشعراء الشباب بالترجمة، أجاب: "أنا أنصح كل شاعر أن يعرف لغة أخرى بشكل جيد وممتاز إذا أمكن. وأن يحاول الترجمة حتى لو كان ذلك من أجل لذتها الخاصة كتمرين .. يقود هذا التمرين أحيانا إلى تجاوز نفسك واللغة لاختراع نوع جديد من التراكيب الشعرية، وكل هذا طبعا يؤثر في النهاية علي كشاعرعندما أكتب .."(مجلة نزوى، العدد 6، أبريل 1996).

هذه نصيحة تستجلي الأثر الفردي للترجمة على تجربة الشاعر في صناعة لغته وتجديدها. وأظن أنها تستبطن البعد الحضاري للترجمة، تأثرا وتأثيرا، على حراك الشعرية العربية بشتى اتجاهاتها وتياراتها. إذ إن الشعر بصفته فنا لغويا ينتابه التطور المستمر. وهذه سمة كونية تشمل الأشياء جميعها. ولا تطوير للبناءات الشعرية، رؤى وأشكالا، إلا عبر ممارسة الترجمة المبدعة في أبعادها الفردية والمؤسسية والحضارية. إذ لا ينبغي أن تكون الترجمة جهدا فرديا فقط؛ وإنما جهدا جماعيا مؤسسيا في المقام الأول.

لو لم يكن بدر شاكرالسياب مجيدا للغة الإنجليزية ومتابعا عميقا لأحدث الثقافات الشعرية التي كانت تمور بها أرجاء أوربا والعالم، قراءة وترجمة، لما استطاع أن يحرر الشعرية العربية عروضيا ومضمونيا من قيودها العاتية. وأرى أن كتابته الشعرية تأثرت بالشاعر والناقد إليوت من ناحية التقنيات الشكلية والأفكار الكتابية؛ ولكنه كان يكتب بنفس الطابع العاطفي الذي كان يكتب به شاعر إنجليزي مهم هو جون كيتس.

وإذا كنا نريد أن نعرف سرا من أسرار تأثير شاعر بحجم السياب على مسار الشعر العربي برمته، فلنقرأ باقة ترجماته في كتابه: "مختارات من الشعر العالمي الحديث". ولندرك تمام الإدراك ما للترجمة من أبعاد (الترجمة المبدعة وليست العشوائية) في تجديد حراكنا الأدبي.