أجرت اللقاء - سماح علام:أكدت د سمية حسن أن البحرين شهدت تطوراً كبيراً في مجال الاهتمام بالبيئة، ممثلاً في إنشاء المجلس الأعلى للبيئة، وأعداد الكوادر في مؤسسات التعليم العالي باستحداث برامج الدراسات العليا المتخصصة بالبيئة والتنمية المستدامة بجامعة الخليج العربي وجامعة البحرين، لكون هذا المجال يمثل أحد أهداف التنمية المستدامة العالمية، إلا أن الجهود المبذولة ينقصها التنظيم، فغياب السياسة العامة يسهم في تشتيت الجهود.وبينت، في بحث نالت عليه درجة الدكتوراه في الهندسة البيئية من جامعة وارويك بالمملكة المتحدة، أن البيئة محور أساسي من خطة البحرين ورؤيتها 2030، لذا لابد من إدارة المخلفات بطريقة مستدامة، وتطبيق التقنيات الخضراء والاستهلاك الذكي.5 سنوات هي مدة البحث العلمي الذي تضمن فصولاً ثرية منها دراسة تقنيات إدارة المخلفات، فضلاً عن قياس وعي المجتمع ممثلاً بعينة من سكان المحرق، إلى جانب تحليل كيميائي لعينات من المخلفات العضوية من أرض الواقع ودراسة ملاءمتها لكل تقنية في البحرين.ولأن المجال البيئي هدف إنمائي هام يتفق مع رؤية البحرين 2030، كان لابد من تسليط الضوء على هذا البحث الذي يعتبر من أحدث البحوث المتعلقة في هذا المجال أجريت خلال العشرين سنة الماضية في مملكة البحرين.. فإلى تفاصيل اللقاء ..من منطلق تخصصك، هل هذا الاهتمام يفي بالغرض؟الجهود غير كافية، ولكننا نسير في الطريق الصحيح، وعلينا تعزيز العمل البيئي النوعي، أما على صعيد تنظيم الجهود، فنحن نعاني من تشتيت الجهود والمعلومات أيضاً، فمثلاً لا يوجد مصدر معلومات شامل ومرصد يجمع البيانات البيئية تحت مظلة واحدة، وهذا ما يشكل مشكلة في إدارة الملف بشكل عام، لاسيما وأن البيئة ملف عالمي كبير وثقيل.وكيف كانت دراستك؟تمحور البحث عن كيفية إدارة المشكلة لاختيار أفضل تقنيات الإدارة للبحرين، وليس رصد المشكلة فقط، فنحن نتحدث عن أهمية بناء القدرات الوطنية في مجال الإدارة المستدامة للمخلفات الصلبة باعتبارها أحد المصادر المتجددة للطاقة، إذ نشهد قصوراً كبيراً، وقد واجهت قصوراً في قاعدة البيانات، فلا توجد دراسات بحرينية كثيرة في قاعدة البيانات العالمية، من هنا كان على جمع البيانات ميدانياً من عدة مصادر، وبشكل عام عندما تكون البيانات غير موحدة يصبح من الصعب البحث عنها وتجميعها.البيئة والاستثمار.. وجهان لعملة واحدة. كيف ترين هذا الملف؟هناك رابط كبير، والرؤية الاقتصادية تطل بظلالها على البيئة، فالاهتمام بالبيئة يجب أن يكون مجدياً اقتصادياً.وهل هو مجدٍ فعلاً؟هناك تقنيات مجدية اقتصادياً في مجال البيئة، وفي بحثي درست الجدوى الاقتصادية ل 6 تقنيات، وقست مدى ملاءمتها للبحرين، وهي تتلخص في 3 أنواع حرق بتقنيات ومستويات مختلفة و2 تحلل بيولوجي و1 فيزيائي والتي تعتبر معالجة مبدئية.ويتمثل السيناريو الأول في حالة مواصلة الحكومة لجهود ردم المخلفات الحالية، والتي تكلف الدولة ملايين الدولارات حالياً، وإذا أوقفنا الردم في السيناريو الثاني باستغلال المخلفات كمصدر طاقة فسيكون هذا المبلغ بمثابة العائد وليس تكلفة.ومن هنا تأتي الجدوى الاقتصادية في إدارة ملف المخلفات، فكل تقنية تضمنت قيمة استثمار رأس المال إضافة إلى كلفة التشغيل والصيانة لمدة 15 سنة.وتتمثل تقنيات المعالجة البيولوجية الحيوية للمخلفات العضوية بالتخمر الهوائي (تحويل إلى سماد) أو تخمر لا هوائي (إنتاج الوقود الحيوي). وفي كلا الحالتين ثمة عوائد ونواتج، حيث يمكن تحويل نفايات الطعام إلى سماد قابل للتسويق أو وقود حيوي (غاز الميثان) كمصدر مهم للطاقة للدولة.كما تعتبر المعالجة الحرارية، إما بالحرق المباشر أو الحرق بوجود قلة من الأكسجين، أو بانعدام الأكسجين، من أهم التقنيات المستخدمة لإنتاج الطاقة من المخلفات عالمياً، وفي كل طريقة حرق تكون النتائج مختلفة ويتم التعامل معها بشكل مختلف.قمت بدراسة التقنيات السالفة الذكر مع ذكر إيجابيات وسلبيات كل طريقة، وعمل مقابلات مع خبراء في هذا المجال لاكتشاف عوائق ومقومات تطبيق كل تقنية في مملكة البحرين. إلى جانب تعاوني مع مختبر رائد ومتخصص بالتحليل الكيميائي لعينات ممثلة من المخلفات المنزلية العضوية لسكان المحرق، وقد أعطوني نتائج التحليل حسب الضوابط والمعايير العالمية المتفق عليها، وتم عرض النتائج في فصل خاص في الدراسة.كمتخصصة مم تحذرين؟جميع من يتخصص في الشأن البيئي يدرك ويحذر من مخاطر وآثار غاز الميثان على البيئة، فالمخلفات العضوية إذا دفنت سوف يحدث لها تخمر لا هوائي بشكل طبيعي في ظل انعدام الأكسجين، حيث ينتج عنه غاز الميثان الذي ينبعث عشوائياً من المردم ويفوق تأثيره الضار غاز ثاني أكسيد الكربون بـ 23 مرة، حيث يعتبر من أهم غازات الدفيئة، والتي تسبب الاحتباس الحراري وبالتالي تؤدي الى تغير المناخ.. أيضاً يعتبر الميثان وقوداً حيوياً، لذا نريد استغلاله كمصدر للطاقة بدل هدره، وهذا ما يجب العمل عليه، وهذا ما اقترحته من خلال دراستي.ما العوائق التي تقف أمام تنفيذ تقنيات إدارة المخلفات على أرض الواقع؟درست عوائق التطبيق، والتي كان أهمها غياب إستراتيجية وطنية لإدارة المخلفات والتي وضعتها وزارة الاشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني مؤخراً في خطوة تعتبر موفقة نحو الاستدامة، وكذلك غياب السياسات الصحيحة تحت مظلة واحدة وتنسيق جهود موحدة في مجال إدارة المخلفات بطريقة مستدامة، ومن أهمها عدم وجود سياسة فصل للمخلفات من المصدر واتي ستؤثر حتما على كفاءة التشغيل، وغياب إعطاء التقنيات الخضراء أهميتها بإعطاء تسهيلات وحوافز للمستثمرين، إضافة إلى تكلفتها العالية، ولكن موضوع التكلفة مردود عليه لأن الوضع الحالي يكلف مبالغ طائلة أيضاً، لذا يتوجب على المسؤولين عن هذا القطاع إدارة المال بطريقة صحيحة بالاستثمار الذكي، بدلاً من ضياع الموارد دون استفادة، وهذا ما يشكل الفارق.تحدثت عن الوعي البيئي.. فكيف تقيسين هذا الوعي؟أطرح موضوع التفكير بطريقة مستدامة، فقد ولى زمن الاستهلاك غير المستدام، نريد الاستهلاك الذكي، الذي يقوم على كيفية الحصول على أكبر أرباح وفائدة بأقل موارد وتكلفة، دون تبعات سلبية ناتجة عن الاستخدام الخاطئ وكل ذلك لن يتأتى دون الوعي البيئي، والذي يتكون من 3 عناصر أساسية هي المعرفة والتوجه وسلوك الأفراد أنفسهم والذي يعكس وعيهم.ولكي أقيس وعي المجتمع أخذت عينة عشوائية متنوعة الفئات من المجتمع البحريني من 300 شخص، وجدت أن هناك تبايناً في الوعي البيئي بين الناس، حيث كانت هناك فروق دالة إحصائياً لكل من المعرفة والتي وجدت أنها أعلى عند الفئة العمرية من 41 إلى 50 عاماً مقارنة بالفئة العمرية 18 إلى 20، وكذلك التوجه والقيم كانت أعلى عند الفئة العمرية من 41 إلى 50 عاماً مقارنة بالفئة العمرية 21-30، ووجدت أن السلوك والوعي العام البيئي كان أفضل وأعلى عند الفئة العمرية من 41-50 عاماً مقارنة بالفئات الأخرى، والمتزوجين أكثر توجهاً وقيماً ووعياً في هذا المجال مقارنة بغير المتزوجين.ووجدت الدراسة أن هناك قابلية عند الناس لتغيير سلوكهم بما يتوافق مع اشتراطات مراعاة البيئة وإيجاد طرق بديلة أكثر استدامة لإدارة المخلفات البلدية الصلبة، شرط وجود خطة واضحة وجامعة ملزمة تطبق في المجتمع، ووجدت أن تقبل فكرة إنتاج الطاقة من المخلفات عند أهالي المحرق عالٍ جداً.بعد ختام رحلتك البحثية . بماذا توصين؟أوصيت في الدراسة بتعاون كافة المعنيين لإنجاح تطبيق استراتيجية مستدامة لإنتاج الطاقة ولإدارة المخلفات البلدية الصلبة واعتبارها مصدراً مهماً للطاقة للبحرين، والاستفادة من إنشاء وحدة الطاقة المستدامة التي تعتبر بادرة مبشرة بالخير لمستقبل أكثر استدامة في البحرين... وسأعمل على توصيل نتائج الدراسة للوزراء المسؤولين عن القطاع، فضلاً عن أهمية تبني سياسات واستراتيجيات محددة لحلحلة هذا الملف.أيضاً أوصيت باعتبار سياسات المنع والتقليل من إنتاج المخلفات من المصدر وإعادة الاستخدام والتدوير كأولوية سلوكية تؤخذ بالاعتبار، ثم يأتي تطبيق التقنيات المناسبة، وقد وجدت أن هناك تقنيتين من التقنيات الست التي درستها يمكن تطبيقها بشكل سلس في البحرين وهما الحرق والتخمر اللاهوائي وكلاهما ينتجان الطاقة،، وهما تطبقان عالمياً في المدن الحديثة، أيضاً اقترحت عمل برنامج تحليلي عبر مصفوفة خاصة تجمع بين التقنيات والتوصيف الكيميائي الأمثل، بحيث يمكن تحديد أفضل تقنية على أساسه، وهذا ما مثل إضافة نوعية أضافها البحث للجانب المعرفي العام.