أمين صالح

لماذا أكتب؟ لأنني أريد أن أتصل بالآخر، الذي يقرؤني طبعاً، ولأني أريد أن ألهو.. هل ثمة ازدواجية أو تناقض في الاتصال واللهو؟ محتمل.

كإنسان وكاتب أهفو الى تحقيق الاتصال مع الآخر وأن أنقل له ما أشعر به وأفكر فيه بدء من القضايا التي تؤرقني: التناقضات المريعة، العلاقات المشوهة، القيم المضادة، التشيؤ واللا أمان .. الخ. ومن جهة أخرى، ألجأ – لأنني أؤطر أحاسيسي وأفكاري في شكل فني معين – الى الحيل المعروفة: الدعاية، الغرابة، الميلودراما، التشويق، الألاعيب السحرية .. وغيرها .. أي ألهو به ومعه لكي يصغي إلى باهتمام أكثر، وكلما شعرت بأنه يشيح بوجهه عني .. ضيقاً أو ضجراً أو لامبالاة، ألملم ثانية حروفي لأحدثه بصيغة أخرى. وغالباً ما أحدث نفسي لأنني لا أجد من يصغي إلي.

كتاباتي لا تغري الكثيرين للاقتراب منها، ربما لأنها تفتقر الى الجاذبية، أو لأنها لا تثير الاهتمام، أو لأنها تستعصي على الفهم .. رغم وضوحها .. مع ذلك فما زلت أكتب دون خجل لأنني أحب أن ألهو، أن أنثر ألاعيبي النارية، وأن أستمع إلى أصدائها.

إذا أخفق شخص ما في فهم حكاياتي فهذا شأنه، وإذا أخفقت حكاياتي فهذا شأنها .. انها قضية لا تؤرقني كثيراً .. الخلل يوجد في كل مكان! في الراوي والحكاية والقاريء لكن لا أحد يريد الإمساك بهذا الخلل .. وأنا لا أريد لأنني سوف أروي حكاية أخرى مشحونة بالخلل. قيمة العمل الفني تكمن في قدرته العجيبة على المباغتة .. عليه أن يفاجي ويذهل الكاتب أولا ثم القاريء ليصل إلى الطموح الذي يملأ كيان الفنان، وإذا لم يمتلك هذه القدرة فإنه سيتشظى بالتأكيد. رغبتي في هذا النوع من الامتلاك تدفعني إلى تكرار محاولة سرد الحكايات لعلها تشبع هذه الشهوة التهمة.

لا أقدر أن أنفي الشعر، إنه موجود في الحدقة والدماغ واللغة والشخصية والصورة. وإذا استطعت أن أتفادي الوقوع في أفخاخ سطوته الرهيبة والخضوع له، فسوف أكون في حال أفضل. التفكير في الحواجز بين الشعر والقصة والأشكال الأخرى مضيعة للوقت، ما يهمني أن يكون العمل الذي كتبته – بكل ما يحتويه – قادراً على الوصول الى الآخر .. الذي لا أعرف أين يوجد.

ليست اللغة وحدها ما ينبغي أن تكون شفافة وموحية وجميلة "أي شاعرية" بل المناخ القصصي كله ينبغي أن يحوي هذه الروح التي لن تؤذي هيكل القصة بقدر ما تعطيه تماسكاً وكينونة متجددة.

المحافظون - في الأدب – أثاروا لغطاً وضجيجاً لا طائل من ورائه دفاعاً عن قدسية الشكل التقليدي – بشتى تسمياته – للقصة القصيرة، وخوفاً من أن "يلوث" الشعر هذا العالم الخاص. الكاتب الحقيقي يسعى وراء المغامرة والاكتشاف، الكاتب المحافظ لا يكف عن الشكوى والثرثرة .. والقمع أيضاً.

مجلة كلمات.. خريف 1983