د.عبدالقادر المرزوقي
أود في عمود الافتتاح هذا أن أطرح قضية أفتح فيها فضاء مفتوحا لتناول قضية النص باعتباره نصـاً لغوياً، انطلاقاً من نظرية فرديناند دي سوسير في تحديده لمفهـوم اللغة على "أنها نظام من علامات تعـبر عن أفكار" والعلامات بهذا المفهوم هي رموز لغوية ممثلة في المفردات باعـتبارها دوال ضمن سياق دلالي، ولعل من المفيد أن نشير أيضاً إلى أن عبدالقاهر الجرجاني قد سبق دي سوسير في بيان هذا المصطلح في كتابه "أسرار البلاغة" إذ إنه يقول في تعريف اللغة "اللغة تجري مجرى العلامات والسمات ولا معنى للعلامة والسمة حتى تحتمل الشيء مما جعلت العلامة دليلاً عليه". ولعالم اللغة ابن جني إسهام في تعريف اللغة وذلك كما جاء في كتابه الخصائص إذ يقول "حد اللغة أصوات يعـبر بها كل قوم عن أغـراضهم".
وانطلاقاً من تلك المفاهيم النظرية يرى سوسير أن العلاقة اللغوية كورقة ذات وجهين بين دال ومدلول، فالدال هـو الوجه المحسوس للعلامة "المفردة" والمتمثلة في الصورة الصوتية لمنطوق اللفظ والمدلول وهـو الوجه المعـبر عن الصورة الذهـنية للعلامة المتمثلة في المعنى.
وهـنا سؤال يطرح نفسـه وهـو ما نوع العلاقة بين الدال والمدلول؟ وهل العلاقة جوهرية طبيعية أم وضعية اصطلاحية؟ لقد تناول علماء الكلام في التراث العـربي القديم هذه القضية بالتحليل، كما تناولها علماء اللغة الحداثيون أيضاً بالتحليل.
فسوسير يرى أن العلاقة بين اللفـظ والمعنى "بين الدال والمدلول" ليست علاقة طبيعية جوهرانية، فالمعنى ليس كامناً جوهرياً في اللفـظ وإنمـا العلاقة بينهما اصطلاحية ناتجة عـن فرض العرف والتوافق المجتمعي لها، أما علماء الكـلام واللغة العرب فقـد اهـتدوا في مناقشة مناسبة اللفظ لمعناه إلى أنه لا توجد مناسبة طبيعية بين اللفـظ والمعنى، واستدلوا بذلك أن "اللفظ لو دل بذاته على معناه لفهم كل واحد كل اللغات".
وللحديث بقية في عـرض بعض المفاهيم اللغوية والنقدية...