مكتب المحامي بندر بن شمال الدوسري


تناولنا في عمودنا السابق لمحة تاريخية عن السجون في الإسلام بالإضافة إلى نظرية السجن الإصلاحي وسوف نتناول في هذا العمود أنواع العقوبات البديلة

كما ذكرنا آنفاً أن العقوبات البديلة لها شق مادي وشق نفسي وسوف نتطرق في هذا العمود إلى أنواع العقوبات النفسية التي قد تؤدي الغرض من الزجر في حالة تطبيقها، وأول هذه العقوبات النفسية هو النصح والتوبيخ فقد دل القرآن الكريم على مشروعية التعزير بالوعظ (النصح) في قوله تعالى } واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيرا ) فدل ذلك على أن الوعظ من العقوبات التعزيرية التي يختار منها القاضي ما يراه مناسباً كما دلت الســـنة على مشروعية التوبيخ تعزيراً للجاني، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال اضربوه قال أبو هريرة رضي الله عنه فمنا الضــــارب بيده و الضارب بنعله و الضارب بثوبه وفي رواية ثم قال رسول الله لأصحابه " بكتوه " فأقبلوا عليه يقولون ما اتقيت الله ما خشيت الله وما استحييت من رسول الله ثم أرسلوه، فدل الحديث على مشروعية التعزير بالتوبيخ والتعنيف والتقريع، لأنها بمعنى التبكيت المذكور في الحديث ومما يدل على مشروعية التعزير بالتهديد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم وتهديده لمن منع الزكاة بأنه سيأخذها منه ويأخذ معها نصف ماله عقوبة له على جريمة المماطلة بالزكاة المفروضة ومن التعزير بالتهديد ما فعله عمر رضي الله عنه عندما اشتكى إليه رجل رجلاً آخر هجا قومه وشتمهم بشعر فقال عمر لكم لسانه، ثم دعا الرجل فقال إياكم أن تعرضوا له بالذي قلت فإني إنما قلت ذلك عند الناس كيما لا يعود، وتأخذ غالبية القوانين في الدول العربية بهذه الإجراءات كبديل عن الحبس لاسيما مع الأحداث المنحرفين كما طبقته بعض الدول العربية على البالغين.

أما العقوبة الأخرى فهي الهجر والتشهير إذ تعتبر من العقوبات ذات التأثير النفسي، ويكون تأثيرها على مرتكب الجرم شديداً إذا كان من ذوي الهيئات، فإن هذه العقوبة النفسية تكون رادعة له عن تكرار جرمه أكثر من ردع الحبس وقد دل على مشروعية التعزير بالهجر الكتاب والسنة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم. أما في القرآن فوردت في قوله تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع... " كما دلت السنة على مشروعية التعزير بالهجر حيث هجر النبي - صلى الله عليه و سلم - الثلاثة الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه وهو أحد الثلاثة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا قال فاجتنبنا الناس وقال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد كما عاقب عمر رضي الله عنه صبيغاً بالهجر، بسبب ما بدر منه من الأسئلة المتكلفة التي تحتوي أغلوطات،.أما التشهير فله أثر بالغ في نفس الجاني لما يعرضه التشهير للجاني من انتقاد المجتمع له وبسخطه عليه وفقدان الثقة فيه، وهو من العقوبات التعزيرية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية، ويمكن استخدامها كعقوبة بديلة عن الحبس ،فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه عزر بالتشهير حيث أمر بتسويد وجه شاهد الزور وأن تلقى عمامته في عنقه ويطاف به في القبائل ويقال إن هذا شاهد الزور فلا تقبلوا له شهادة وإركابه ركـــــوباً مقلوباً، فقد روي أن شريحاً كان يأتى بشاهد الزور فيطوف به في أهل مسجده وسوقه إنا قد زيفنا شهادة هذا وذكر كثير من فقهاء الشريعة الإسلامية أن الجاني في بعض الجرائم يشهر به ويسجل عليه ما فعله، وتجعل من ذلك نسخاً تودع عند الذين يوثق بهم من الناس .