تابعنا في المقال السابق الدور الذي يقوم به المجتمع المدني في عملية التنشئة الديمقراطية في المجتمعات النامية وكيف أن هذا الدور ينبع من كينونة المجتمع المدني ذاته، والذي يعتبر أحد أركانه الأساسية هو إدارة الاختلاف، وهو ركن ركين في مفهوم الديمقراطية ذاته، ولكن انتهينا في المقال السابق إلى تساؤل مفاده أيهما أكثر تأثيراً على الآخر الديمقراطية أم المجتمع المدني؟ بمعنى أيهما يعزز الآخر ويقويه؟ وسوف نحاول تحليل تلك العلاقة من خلال تساؤلين؛ الأول لماذا المجتمع المدني ضروري للتحول الديمقراطي والثاني هل الديمقراطية بيئة مناسبة لوجود مجتمع مدني فاعل؟
لماذا المجتمع المدني ضروري للتحول الديمقراطي؟
تعود تلك العلاقة الارتباطية للمجتمع المدني والديمقراطية إلى وجود تشابه في النشأة التاريخية بينهما في الفكر الليبرالي القائم على التعددية الاجتماعية والسياسية، ولعل أشهر الكتابات عن الديمقراطية وعلاقتها بالمجتمع المدني كانت لاليكس دي توكفيل أحد أهم السياسيين الفرنسيين في القرن التاسع عشر والذي ألّف كتاب "الديمقراطية في أمريكا"؛ حاول خلاله الاقتراب من واقع الحياة السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة أثناء زيارته إليها في بعثة رسمية من الحكومة الفرنسية آنذاك، وفي الكتاب أكد على هذه العلاقة التشابكية بين الديمقراطية والمجتمع المدني وذهب إلى القول إلى أن "الدول التي لا توجد فيها جمعيات أهلية وحين يكون الأفراد عاجزين عن إنشاء شيء يشبهها، لا أرى هناك سدّاً حصيناً يمكن أن يمنع الديكتاتورية" من هنا كانت أهمية المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي طبقاً لرؤية دي توكفيل.
فمنظمات المجتمع المدني تتوسط العلاقة بين المجتمع والدولة فهو يقوم بدور في تنظيم هذه العلاقة وإدارتها بطريقة سلمية ومنظمة، فهي تتولى تجميع مصالح ومطالب الفئات والتكوينات الاجتماعية التي تعبر عنها وترفعها إلى السلطة الحاكمة، كما تقوم بالدفاع عن هذه المصالح ضد أي قرارات أو قوانين أو ممارسات تمثل مساساً بها سواء صدرت من قبل السلطة الحاكمة أو من قبل أي قوى أخرى في المجتمع. وبالتالي فهي تحمي المواطن من السلطة إن تعسفت وتحمي السلطة من أعمال العنف السياسي التي قد تلجأ إليها بعض القوى والجماعات عندما تعجز عن توصيل مطالبها عبر قنوات مؤسسية وبطريق سلمي ومشروع.
بالإضافة إلى ذلك فإن التحول الديمقراطي الذي يأتي نتيجة مطالبات من قبل منظمات المجتمع المدني وعبر مفاوضات ومساومات بين النخبة الحاكمة وهذه القوى تكون فرصته في الاستمرارية والاستقرار أفضل فوجود قوى ومؤسسات حية وفاعلة للمجتمع المدني يقلص من فرص النخب الاقتصادية تحديداً من السيطرة على النظام الديمقراطي حيث تعمل هذه القوى على ضمان تطبيق قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية من خلال توفير قنوات للمشاركة والرقابة المجتمعية.
كما أن منظمات المجتمع المدني تقوم بدور حيوي في تدريب أعضائها على المشاركة سواء من خلال الانتخابات الداخلية التي تتم في هذه المؤسسات أو من خلال أنشطتها الأخرى فضلا عما تنظمه من دورات تدريبية وورش عمل لأعضائها ومن ثم فهي تزودهم بخبرات ومهارات حياتية تعزز من قدرتهم على المشاركة في الحياة السياسية، بالإضافة إلى دورها في إعداد وتربية الكوادر الوطنية مما يسهم في تجديد النخب الوطنية ودعمها على الدوام بكوادر جديدة ودماء شابة، من هنا فإنه من خلال المجتمع المدني ومؤسساته تتأسس شبكة الأنشطة والمشاركة الشعبية التي هي أساساً في القلب من أي مفهوم يعني بالديمقراطية.
واتصالاً بذلك فإن نشر الثقافة السياسية الديمقراطية يقع في جزء هام منه على عاتق منظمات المجتمع المدني والتي تقوم بدور حيوي في إعادة تعريف قواعد اللعبة السياسية على أسس ديمقراطية من خلال مشاركة بعضها في مراقبة العمليات الانتخابية فضلاً عن قيامها بدور في مراقبة أداء الحكومة والمناقشة العلنية لبعض سياساتها وقراراتها وبخاصة تلك التي ترتبط بقضايا رأي عام او بمصالح قطاعات واسعة من المواطنين. مما يسهم في تكريس أسس الشفافية والمساءلة والمحاسبة وهي من المرتكزات الرئيسة للديمقراطية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد لكون منظمات المجتمع المدني – كما أسلفنا القول -تقدم بدائل موضوعية ينخرط فيها أفراد المجتمع بشكل طوعي لا إلزام فيه، مما يجعلها تتجاوز حدود الولاءات والانتماءات الأولية التقليدية القبلية والعرقية والمذهبية والدينية، الأمر الذي يقيد من التأثيرات السلبية لهذه لانتماءات التقليدية وما يترتب عليها من انقسامات وصراعات قد تشكل تهديداً لكيان الدولة المدنية الحديثة ذاته ومن ثم فهي تعزز من فرص إرساء وترسيخ الديمقراطية والمواطنة والسلم الأهلي والوحدة الوطنية.
وأخلاقياً فإن الأسس والمعايير القيمية والأخلاقية التي تستند إليها منظمات المجتمع المدني هي نفس الأسس والمعايير التي تستند إليها الديمقراطية فكلاهما يستند إلى أسس ومبادئ التسامح السياسي والفكري والقبول بالتعدد والاختلاف والالتزام بالأساليب السلمية في حل الخلافات والصراعات، فضلاً عن أسس ومبادئ المواطنة وسيادة القانون ودولة المؤسسات، ولا شك في أن نشر هذه القيم وغيرها والتي تشكل جوهر ما يعرف بالثقافة السياسية الديمقراطية وتكريسها على مستوى المجتمع إنما يمثل ركيزة أساسية لترسيخ الديمقراطية.
ولكن ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن أن هذا الدور المأمول من منظمات المجتمع المدني لن يتأتى إلا في ظل بيئة مناسبة تهيؤ لذلك وتعمل من أجله وهو ما يتأتى بشرطين أساسيين هما:
وجود قوى وتكوينات اجتماعية فاعله، في ظل دستور وإطار قانوني مرن يستوعب نشاطية تلك المنظمات، مع وجود ثقافة مجتمعية تشجع هذا الدور وتؤكد على محوريته في تأسيس الدولة المدنية الحديثة.
وجود إطار مؤسسي حاكم لمنظمات المجتمع المدني ومصادر تمويلها والتزام واضح من تلك المنظمات بالديمقراطية والشفافية في إدارة شؤونها الداخلية ونمط العلاقة فيما بينها.
وأخيراً فإن علاقة التأثير والتأثر بين منظمات المجتمع المدني وقضية الديمقراطية هي علاقة عضوية محورها التأثر المتبادل فكلاهما لا غنى للآخر عنه، وهو ما يدفعنا إلى القول أن المجتمع المدني هو عامل محفز للديمقراطية وهذه الأخيرة هي عامل دعم ومساندة لتلك المنظمات في ظل دولة مدنية حديثة تؤمن بقيم المواطنة البعيدة عن أية تقاطعات إثنية أو دينية أو جغرافية.
ويبقى التساؤل هل توجد منظمات مجتمع مدني فاعلة في مملكة البحرين؟ وهل تلعب دورها المنوط بها بالفعل بعيداً عن الانتماءات غير الوطنية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في المقال القادم.
لماذا المجتمع المدني ضروري للتحول الديمقراطي؟
تعود تلك العلاقة الارتباطية للمجتمع المدني والديمقراطية إلى وجود تشابه في النشأة التاريخية بينهما في الفكر الليبرالي القائم على التعددية الاجتماعية والسياسية، ولعل أشهر الكتابات عن الديمقراطية وعلاقتها بالمجتمع المدني كانت لاليكس دي توكفيل أحد أهم السياسيين الفرنسيين في القرن التاسع عشر والذي ألّف كتاب "الديمقراطية في أمريكا"؛ حاول خلاله الاقتراب من واقع الحياة السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة أثناء زيارته إليها في بعثة رسمية من الحكومة الفرنسية آنذاك، وفي الكتاب أكد على هذه العلاقة التشابكية بين الديمقراطية والمجتمع المدني وذهب إلى القول إلى أن "الدول التي لا توجد فيها جمعيات أهلية وحين يكون الأفراد عاجزين عن إنشاء شيء يشبهها، لا أرى هناك سدّاً حصيناً يمكن أن يمنع الديكتاتورية" من هنا كانت أهمية المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي طبقاً لرؤية دي توكفيل.
فمنظمات المجتمع المدني تتوسط العلاقة بين المجتمع والدولة فهو يقوم بدور في تنظيم هذه العلاقة وإدارتها بطريقة سلمية ومنظمة، فهي تتولى تجميع مصالح ومطالب الفئات والتكوينات الاجتماعية التي تعبر عنها وترفعها إلى السلطة الحاكمة، كما تقوم بالدفاع عن هذه المصالح ضد أي قرارات أو قوانين أو ممارسات تمثل مساساً بها سواء صدرت من قبل السلطة الحاكمة أو من قبل أي قوى أخرى في المجتمع. وبالتالي فهي تحمي المواطن من السلطة إن تعسفت وتحمي السلطة من أعمال العنف السياسي التي قد تلجأ إليها بعض القوى والجماعات عندما تعجز عن توصيل مطالبها عبر قنوات مؤسسية وبطريق سلمي ومشروع.
بالإضافة إلى ذلك فإن التحول الديمقراطي الذي يأتي نتيجة مطالبات من قبل منظمات المجتمع المدني وعبر مفاوضات ومساومات بين النخبة الحاكمة وهذه القوى تكون فرصته في الاستمرارية والاستقرار أفضل فوجود قوى ومؤسسات حية وفاعلة للمجتمع المدني يقلص من فرص النخب الاقتصادية تحديداً من السيطرة على النظام الديمقراطي حيث تعمل هذه القوى على ضمان تطبيق قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية من خلال توفير قنوات للمشاركة والرقابة المجتمعية.
كما أن منظمات المجتمع المدني تقوم بدور حيوي في تدريب أعضائها على المشاركة سواء من خلال الانتخابات الداخلية التي تتم في هذه المؤسسات أو من خلال أنشطتها الأخرى فضلا عما تنظمه من دورات تدريبية وورش عمل لأعضائها ومن ثم فهي تزودهم بخبرات ومهارات حياتية تعزز من قدرتهم على المشاركة في الحياة السياسية، بالإضافة إلى دورها في إعداد وتربية الكوادر الوطنية مما يسهم في تجديد النخب الوطنية ودعمها على الدوام بكوادر جديدة ودماء شابة، من هنا فإنه من خلال المجتمع المدني ومؤسساته تتأسس شبكة الأنشطة والمشاركة الشعبية التي هي أساساً في القلب من أي مفهوم يعني بالديمقراطية.
واتصالاً بذلك فإن نشر الثقافة السياسية الديمقراطية يقع في جزء هام منه على عاتق منظمات المجتمع المدني والتي تقوم بدور حيوي في إعادة تعريف قواعد اللعبة السياسية على أسس ديمقراطية من خلال مشاركة بعضها في مراقبة العمليات الانتخابية فضلاً عن قيامها بدور في مراقبة أداء الحكومة والمناقشة العلنية لبعض سياساتها وقراراتها وبخاصة تلك التي ترتبط بقضايا رأي عام او بمصالح قطاعات واسعة من المواطنين. مما يسهم في تكريس أسس الشفافية والمساءلة والمحاسبة وهي من المرتكزات الرئيسة للديمقراطية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد لكون منظمات المجتمع المدني – كما أسلفنا القول -تقدم بدائل موضوعية ينخرط فيها أفراد المجتمع بشكل طوعي لا إلزام فيه، مما يجعلها تتجاوز حدود الولاءات والانتماءات الأولية التقليدية القبلية والعرقية والمذهبية والدينية، الأمر الذي يقيد من التأثيرات السلبية لهذه لانتماءات التقليدية وما يترتب عليها من انقسامات وصراعات قد تشكل تهديداً لكيان الدولة المدنية الحديثة ذاته ومن ثم فهي تعزز من فرص إرساء وترسيخ الديمقراطية والمواطنة والسلم الأهلي والوحدة الوطنية.
وأخلاقياً فإن الأسس والمعايير القيمية والأخلاقية التي تستند إليها منظمات المجتمع المدني هي نفس الأسس والمعايير التي تستند إليها الديمقراطية فكلاهما يستند إلى أسس ومبادئ التسامح السياسي والفكري والقبول بالتعدد والاختلاف والالتزام بالأساليب السلمية في حل الخلافات والصراعات، فضلاً عن أسس ومبادئ المواطنة وسيادة القانون ودولة المؤسسات، ولا شك في أن نشر هذه القيم وغيرها والتي تشكل جوهر ما يعرف بالثقافة السياسية الديمقراطية وتكريسها على مستوى المجتمع إنما يمثل ركيزة أساسية لترسيخ الديمقراطية.
ولكن ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن أن هذا الدور المأمول من منظمات المجتمع المدني لن يتأتى إلا في ظل بيئة مناسبة تهيؤ لذلك وتعمل من أجله وهو ما يتأتى بشرطين أساسيين هما:
وجود قوى وتكوينات اجتماعية فاعله، في ظل دستور وإطار قانوني مرن يستوعب نشاطية تلك المنظمات، مع وجود ثقافة مجتمعية تشجع هذا الدور وتؤكد على محوريته في تأسيس الدولة المدنية الحديثة.
وجود إطار مؤسسي حاكم لمنظمات المجتمع المدني ومصادر تمويلها والتزام واضح من تلك المنظمات بالديمقراطية والشفافية في إدارة شؤونها الداخلية ونمط العلاقة فيما بينها.
وأخيراً فإن علاقة التأثير والتأثر بين منظمات المجتمع المدني وقضية الديمقراطية هي علاقة عضوية محورها التأثر المتبادل فكلاهما لا غنى للآخر عنه، وهو ما يدفعنا إلى القول أن المجتمع المدني هو عامل محفز للديمقراطية وهذه الأخيرة هي عامل دعم ومساندة لتلك المنظمات في ظل دولة مدنية حديثة تؤمن بقيم المواطنة البعيدة عن أية تقاطعات إثنية أو دينية أو جغرافية.
ويبقى التساؤل هل توجد منظمات مجتمع مدني فاعلة في مملكة البحرين؟ وهل تلعب دورها المنوط بها بالفعل بعيداً عن الانتماءات غير الوطنية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في المقال القادم.