قصة قصيرة - خلف أحمد خلف
نزل متردداً في مياه مسبح النادي الصحي، وحيداً متوجساً يتلفت من حوله فيما الرياح العاتية تهاجم بشدة مظلات القماش التي نشرت على هيئة مثلثات متعاكسة كالأشرعة لتغطي مساحات واسعة من المسبح الكبير وقد شدت بحبال مجدولة من المعدن إلى ساريات على الأطراف، لتتراقص باضطراب صاخب كما لو تسعى للانفلات من عقالها.
وحيداً تغمره المياه ومشاعر التوجس والخوف، لكنه يعاود السباحة فيما يصله أزيز الحبال المعدنية وهي تحتك وتئن بثقل هجمات الرياح على الأشرعة من فوقه، لا أحد يقاسمه توجسه وهو يرفع رأسه بين فينة وأخرى للأشرعة المتصارعة مع الرياح، يتفحص بقلق حلقات ارتباطها بالساريات، تتناهبه احتمالات شتى، لكنه يقاومها بمصارعة المياه بقوة ساعديه كما لو أنه يدفعها بدفع المياه عنه.
فجأة ينفلت حبل من قبضة العمود وبسرعة البرق يقصده هو دون أي ناحية أخرى، يهوي بسلسلة معدنه المجدول ليضرب مؤخرة عنقه ويفصل رأسه، يشاهد جذعه يتخبط من هول الضربة فيما رأسه يبتعد وحولهما تنبثق بحيرة دم وسط بحر المسبح.
لا أحد هناك يشاركه مشاهدة هذا الحدث، وحده يشهده وهو جالس على كرسي بمحاذاة المسبح!. ما أن يستفيق من صدمة المشهد، حتى يتورط في مشهد مغاير دونما فسحة وقت: فيما هو يسبح وحيداً مصغياً بتهيب لأصوات احتكاك الحبال بقبضات الأعمدة بفعل الرياح، حرص أن يظل بمحاذاة حافة المسبح، محاذراً الابتعاد عنه إلى العمق، حتى تتاح له فرصة القفز خارجاً في أول لحظة وقوع حادث يتوقعه ولا يستطيع تحديده، فإذا بضربة مدوية تنزل على أعلى رأسه، وثقل يسقط عليه ويحتويه فجأة ويهوي به إلى القاع، تظلم الدنيا من حوله، فيما راحت ذراعاه تهوشان وتضربان مقاومة قماش المظلة السميك الذي بات يغطيه بالكامل، تمتد يداه إلى أعلى جدار المسبح وتتشبث بكل قوة بحافته فيما يظل القماش السميك يغطيه، ولكنه وبعد أن يتأكد من قدرته على البقاء متشبثاً بالحافة بيد واحدة، يحاول بيده المحررة أن يزيح عنه القماش حتى يفلح، يدفع برأسه خارج الغطاء يبهره ضوء الشمس، ويعتلي الحافة يقذف بنفسه خارج المسبح مستلقياً على الأرض مرتجفاً غير مصدق أنه نجا.
رفع ناظريه عن جسده المنهك المستلقي عند اقدامه، فيما هو لا زال جالساً على كرسيه يرقب المشهد!. لطالما كان يغبط نفسه، بل هو غالباً ما يحسدها، على الثواني التي تنتزعه من براثن موت محقق سحقاً تحت عجلات سيارة مسرعة، من اصطدام سيارته بسيارة مندفعة إليه في غفلة، من حالات عديدة كان على حافة موت أو إصابة بجروح بليغة، لكن كما في كل مرة، تمتد يد العناية لتنتشله في طرفة عين، فيظل مأخوذا لفترة مديدة وأحياناً يستعيد الحادثة التي انحرفت عن مسارها وأفلت منها بأعجوبة لا يصدقها، يتأمل ما يحظى به من متع بسيطة، دائماً هكذا تفكيره، يشعر بالراحة تكتنفه، تغرقه في بحر من الرضا التام.
أن يستشعر البهجة فيما هو فيه الآن، ذلك هو إحساس خفي يجعله يتألق بينما الذين حوله يستغربون طفولية فرحه بهذه المتع العادية في نظرهم. يعاود السباحة بمتعة لا حدود لها، يستشعر لذة ملامسة جسده للمياه التي تغمره كما يغمره توجس غامض يظل يناوش استمتاعه من جديد، فيما فرحه يتسع وهو يجتاز ذلك التوجس في هذه المرة كما في كل مرة.