سماهر سيف اليزل
فرض على المسلمون صيام نهار رمضان، وسن عليهم قيام لياليه تقربا إلى الله لحصد الثواب والأجر في هذا الشهر الفضيل، فهو شهر مبارك للتعبد والتقرب من الله عز وجل، كما أنه شهر تنقية الأنفس من كل الشوائب والأحقاد وتمهيد الطرق الإنسانية بين المسلم وأخيه المسلم من خلال صلة الرحم التي تقطعت بتباعد المسافات وازدياد الانشغالات مع تسارع وتيرة الحياة اليومية. لذلك فشهر رمضان يعتبر فرصة حقيقيه لكل شخص راغب يضاعف أجرة ويحيي سنة نبيه المصطفى، فصلة الرحم عبادة اقترنت بباقي العباد والدلالة على لك قولة تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى}، لذلك فهو أمر واضح للمسلم للسؤال عن أقاربه وعن حالهم، وأن لا يربط الفرد صلة الرحم بصلة أهله له بل عليه أن يكون المبادر المثابر الفاعل للشيء لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها " ، وصلة الرحم تعد من أهم الوسائل للتقرب من الله وطاعته ولاسيما في شهر رمضان الذي يتضاعف فيه الأجر لقوله تعالى {وآت ذا القربى حقه}. فمن حق ذوي القربى صلتهم والإحسان إليهم والسؤال عن أحوالهم والوقوف إلى جوارهم في الشدائد والمحن وإخراج الزكاة لهم فهم الأحق بها لقوله تعالى {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين} .
يقول الشيخ عبدالله المناعي: من مقاصد الشريعة العظمى التي جاءت بها شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم - أن جاء الحرص الشديد على اجتماع القلوب على تحقيق الوحدة والتعاون، وعلى تقارُب الناس، وحرصت الشريعة على إبعاد كل ما قد يؤدي إلى اختلافهم، وافتراق قلوبهم، أو تعاديهم، ويضيف من ابتغى السَّعة في الرزق، وطول العُمر وبركته، فَلْيَصِلْ رحمَه، وأخبر عليه الصلاة والسلام عن أن الرحم تُجسَّد يوم القيامة شاهدةً على الناس، يُقيمها الله على الصراط إذا مرَّ المار من فوق الصراط على جهنم، شَهِدت له؛ إما بوصله أو قطيعته، إلى غير ذلك من النصوص في هذا الباب.
ومما جاء في تفاصيل صلة الرحم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حثَّ المسلم عن أن تكون صلته للرحم ابتغاء ثواب الله، وليس لمجرد تحقيق الرضا لدى ذوي رَحِمِه، ليس المقصود أن ترضيهم فحسب، ولكنَّ المقصود أن تراقب الله في ذلك، ومن هنا نقلنا النبي صلى الله عليه وسلم من سياق جعل صلة الرحم على سبيل المقابلة والمكافأة إلى سبيل المبادرة، لا ينظر المسلم أنه يصل رحمه فلانًا لأنه يصله ثم يقطعه إذا قطعه، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الواصل بالمكافئ)، ليس واصل الرحم من يجعلها على سبيل المكافأة، وعلى سبيل المقابلة، قال: (ولكن الواصل مَن إذا قطعت رحمه وصلَها)، هذا أعظم في الأجر، وهو أن يكون ذو رحمك قاطعًا لك، فتبادر بالصلة ، تصبر على أذاه ، وتتجاهل سخريته ، وتتجاوز ما يكون من ردود الأفعال السيئة من قِبَلِه، فتبادر بالصلة ، أيها الإخوة الكرام إن النصوص النبوية ومن قبلها التوجيهات الإلهية مقصودها العمل والتنفيذ ، وفي هذا السياق وقد تأمَّلنا هذا الهدي النبوي في شأن الرحم القاطعة أتوجَّه إليك يا عبد الله يا من تقرأ هذا الكلام وتَعقِله عن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، استحضر في ذهنك الآن قائمةً من أرحامك الذين بينك وبينهم قطيعة ، فلا بدَّ أن ثمةَ إساءة وقعت من بعض الأرحام ، ما هو موقفك وقد سمعت توجيه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم؟ إنَّ من مقتضى الإيمان ومقتضى سعادتك، ومقتضى حسن عاقبتك - أن تبادر يا عبد الله إلى هذه الرحم القاطعة ، فتُحسن إليها!
ويقول المناعي: إنَّ صلة الرحم لا تعني فقط أن تذهب بقدميك لتزور ذي رحمك ، أو أن تستقبله في بيتك، بل إنَّ مفهوم صلة الرحم مفهوم واسع إنه يشمل الزيارات المتبادلة ويشمل أيضًا أن ترسل عبر وسائل التواصل اليوم من خلال الجوال، ومن خلال الرسائل الإلكترونية إلى هذا القريب وذي الرحم من الكلم الطيب والدعاء الحسن، وذِكره بالخير، ما يرقق القلوب ويُقربها لأن المقصود في نهاية المطاف من صلة الرحم أن تكون القلوب مجتمعة لأن القلوب المتنافرة حالٌ سيئة ، وأسوأ ما تكون إذا كانت بين ذوي الرحم، فإذا تحقَّق جمع القلوب واتحاد الكلمة بأي سبيل كان ، كان هذا هو المقصود بأي سبيل كان مما شُرِع ، وقد يكون صلة الرحم بهدية تُرسلها إلى ذي رحمك ، قد تكون بدعوته إلى مناسبة اجتماعية ، أو أيضًا بأن تدعو له بظهر الغيب ، أو بغير ذلك من الوسائل التي توصلك إلى هذا المقصد العظيم .
وأعظم ما يكون من صلة الرحم أن تبادر بتطييب خاطر ذي الرحم القاطع، ما أجملها وما أنداها من كلمة أو رسالة ترسلها بعد أن تصلي هذا الفرض العظيم إلى ذي رحم قاطع أن تدعو له بالخير وقد جاء عيد الأسبوع ، وتدعو له بالقبول وحسن العاقبة ، إنَّ مثل هذه الرسالة وهذه الدعوات حينما تصل إلى هذا الرحم كأنما جاء هذا الشخص إلى جمر متوقد ، فسكب عليه الماء فأطفأ شعلته وأذهب حرارته المتوقدة في قلب كل منهما ، فلا تدعو الشهر يمر دون وصل .