تشهد البنية التحتية لتقنية المعلومات في مملكة البحرين تقدما هائلا جعلها واحدة من بين أبرز الدول الصاعدة في المجال، سيما على صعيد الوفاء بالاحتياجات الرقمية للمقيمين فوق أرضها الطيبة، وذلك بحسب تقرير نشر مؤخرا، والأكثر جذبا واستقطابا للشركات الكبرى المسيطرة على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، خاصة مع زيادة حجم الاستثمارات الموجهة لتجهيز البنى الأساسية اللازمة لها.
وتنطلق رؤية البحرين الاقتصادية المستقبلية من قناعة مفادها قدرة بعض القطاعات الاقتصادية، لا سيما منها ما يتصل بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال، على أن تقود قاطرة النمو في البلاد خلال السنوات القليلة المقبلة، وذلك في إطار منظومة متكاملة لتنويع مصادر الدخل والنشاط الإنتاجي من جهة، وتيسير تدفق موارد الاستثمارات إلى الداخل دون عقبات من جهة أخرى.
بيئة العمل وتحرير سوق الاتصالات
لذلك كانت البحرين من بين أوائل الدول التي عملت على تحرير سوق الاتصالات بها بشكل كامل، حيث يسمح بملكية استثمار أجنبي في شركات الاتصالات وتقنية المعلومات بنسبة 100 %، ولا تفرض أي ضريبة على الشركات العاملة في القطاع، وتقدم العديد من المزايا الإضافية لجذب الاستثمارات إليه سواء لجهة توفر رأس المال البشري الكفء والمؤهل وسهولة انتقاله أو لجهة ممارسة الأعمال دون عراقيل.
في هذا الشأن، يشار إلى أن البحرين تواصل جهودها لتطوير كفاءة رأس المال الوطني العامل في المجال، إذ إن 70 % من العاملين به هم من المواطنين، ويحمل 89 % منهم شهادات جامعية وعليا، ويجيدون اللغتين العربية والإنجليزية بنسبة 90 %، ولا تدخر الدولة جهدا في توفير الموارد اللازمة لتطوير قاعدة الكفاءات الوطنية العاملة في المجال عبر خطط التدريب المدعومة بحسب مجلس التنمية الاقتصادية.
المعروف هنا أن البحرين تحتل المركز الـ 15 عالميا ضمن أكثر المنظومات البيئية التي تتمتع بوجود كفاءات وطنية مؤهلة، وذلك بحسب التقرير العالمي للمنظومة الاقتصادية الناشئة لعام 2019 الذي أطلقته مؤسسة جينوم للمؤسسات الناشئة والشبكة العالمية لريادة الأعمال بالتعاون مع صندوق العمل "تمكين".
كما أنها تحتل المرتبة الأولى عربيا بمؤشر رأس المال البشري لعام 2018 الصادر عن البنك الدولي والـ 47 عالميا من بين 157 دولة، وتحتل الـ 62 من بين 190 دولة في سهولة بدء مشاريع تجارية بحسب تقرير للبنك الدولي نشر في مارس 2019 الماضي، وفي المركز الـ 16 بين 50 دولة في العالم في تحسين بيئة الأعمال وفق مؤشر "أجيليتي" للأسواق الناشئة عام 2019.
الأمر ذاته بالنسبة لامتلاك البنى والأنظمة الضرورية لتسهيل ممارسة الأعمال في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وذلك بالإشارة إلى جهود الدولة لامتلاك وإدارة أنظمة الألياف المظلمة الأرضية والضوئية وعروض النطاق الترددي للتواصل مع جميع دول العالم، فضلا عن المحطات والكابلات الأرضية والبحرية التي ضمنت للبحرين تحقيق ميزة تنافسية في تشغيل واستضافة الأعمال الإلكترونية.
ورصد تقرير "أجندة الاعمال الوطنية 2019 ـ رؤية القطاع الخاص" حجم التطور الذي تحققه البحرين في ربط المناطق السكنية والتجارية بشبكة من الالياف الضوئية ذات النطاق العريض، حيث وصلت نسبة الإنجاز فيها الى 60 %، ويتوقع اكتمال الشبكة خلال هذا العام، الأمر الذي يفسر زيادة عدد المعاملات الإلكترونية المنجزة عبر بوابة الحكومة الإلكترونية خلال شهر يناير 2019 والتي وصلت إلى أكثر من 121 ألف معاملة بقيمة بلغت نحو 11 مليون دينار بحسب هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية.
نمو القطاع وربط البحرين شبكيا
وانطلاقا من نجاحاتها في تطوير بنى القطاع الأساسية، حيث تقدر نسبة النمو في قطاع تقنية المعلومات والاتصال بـ 10 % سنويا بقيمة يتوقع أن تصل إلى 2.7 مليار دولار بحلول عام 2020، بادرت البحرين بوضع أول قوانين للنظم السحابية في المنطقة بموجب مرسوم رقم (56) لسنة 2018 بشأن تزويد خدمات الحوسبة السحابية لأطراف أجنبية، وهو القانون الذي وُصف باعتباره الإطار الأكثر جذبا للمهتمين والمعنيين بالاستثمار في القطاع، والأقدر على تنظيم أداء وجدولة وتنفيذ المهام والعمليات الروتينية إلكترونيا بعيدا عن أي تدخلات إدارية أو بشرية جوهرية وبالسرعة والكفاءة الملائمة.
ومع التزام البحرين بتسريع عملية الانتقال إلى السحابة الوطنية داخل مؤسساتها، قدمت المملكة العديد من المزايا للمستثمرين العاملين في القطاع، الذين وجدوا في البلاد البيئة التنظيمية الخصبة لإنشاء شركاتهم في مجالات خدمة تكنولوجيا المعلومات وتوزيعها والاستشارات المتعلقة بها من شبكات وخوادم ومعدات تخزين وتطبيقات، فضلا عن مطوري البرامج ومراكز البيانات ودعم العملاء وغير ذلك.
لذلك، لم يكن غريبا أن تشهد البحرين هذا التطور الهائل في مؤشرات تقدمها في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، حيث تشغل المركز الأول خليجيا والـ 12 من بين 68 دولة في العالم في مؤشر سهولة الاتصال بالإنترنت بحسب تقرير لمنظمة "انترنيشنز" نشر منتصف شهر مايو 2019، كما أنها تقدمت 7 مراكز لتحصد المركز الـ 4 عالميا في مؤشر البنية التحتية للاتصالات (TII) التابعة لمؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI).
وكانت البحرين قد احتلت المركز الأول عربيا والـ 31 عالميا في مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حسب التقرير السنوي لقياس مجتمع المعلومات الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات في نوفمبر 2017، وتطورت تطورا هائلا خلال السنتين الأخيرتين، حيث تشغل الآن المركز الـ 26 عالميا والـ 5 آسيويا في تقرير الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية عام 2018 الذي يضم 193 دولة، وذلك بناء على حجم التقدم في مؤشرات الخدمات الإلكترونية المتوفرة والبنى التحتية للاتصالات وراس المال البشري العامل ومدى المشاركة الإلكترونية.
يشار إلى أن البحرين تعد الـ 2 دوليا في نسبة انتشار خدمة الهواتف النقالة بنسبة 2104%، ويصل معدل اختراق الهواتف النقالة بالمقارنة بعدد سكان المملكة إلى 136 %، وتأتي في المرتبة الـ 2 دوليا في نسبة انتشار خدمة النطاق العريض النقالة بنسبة 1573%، والـ 4 دوليا في نسبة استخدام الإنترنت بنسبة 98%. وبلغ عدد مشتركي الهاتف النقال 2.1 مليون مشترك حتى نهاية الربع الثالث من عام 2018 منهم 1.47 مليون مشترك مسبق الدفع بنسبة 70 % ونحو 633 ألف مشترك آجل الدفع بنسبة 26 %.
وبحسب تصريحات لوزير المواصلات والاتصالات نشرت في أكتوبر 2018، وصل حجم استثمارات قطاع الاتصالات إلى 284 مليون دينار بحريني، وذلك خلال 5 سنوات فقط من قبل المشغلين المرخص لهم، كما يسهم القطاع وحده بنسبة 4 % في الناتج القومي المحلي، وتطمح البلاد بحسب الخطة الوطنيــة الرابعة للاتصالات أن تغطى البحرين بشكل كامل بشبكة من الألياف البصرية فائقة السرعة، وأن تصبح مركزا إقليميا في الاتصالات وتقنية المعلومات، وبما يتيح تقديم سرعات عالية وبأسعار معقولة للمستفيدين، وبما يضمن تحقيق التطوير الاقتصادي للمملكة.
إن تقدم البحرين لناصية التطور في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصال يعد آلية مهمة لامتلاك أحد أهم مقومات القوة في عالم اليوم، الذي باتت فيه الاتصالات واحدة من محركات عملية النمو، ما يفسر إلى حد كبير الجائزة التي منحها الاتحاد الدولي للاتصالات في احتفالات الذكرى الـ 150 لإنشاء الاتحاد عام 2015 لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء لدوره في تسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق التنمية.