تحقيق فاطمة عبدالله
هل تستطيع العين البشرية أن تخترق هاتفك الذكي وتؤذيك؟ وهل تتحمل تطبيقات الانستغرام والسناب شات والتويتر والفيس بوك وغيرها المسؤولية عن حالات الإصابة بالعين الحاسدة لمستخدميها؟ أم أنها بريئة من هذا الاتهام ما دام لم يكن هناك اتصال آني ومباشر بين الطرفين؟ وهل يمكن أن تجلب أنت لنفسك المشكلات والمآسي بسبب نشرك صورك وفيديوهاتك الخاصة عبر هذه التطبيقات؟ أم أنها مجرد وسيلة للتواصل والتعارف والترفيه يتم تلقائياً وبنية حسنة؟ وما الذي يدفع المستخدم أصلاً لوضع خصوصياته ونشر أسراره في مواقع التواصل الاجتماعي؟ وماهي الآثار الإيجابية والسلبية المترتبة على ذلك؟ وماذا عن رأي علماء الدين فيما سبق؟
هذا التحقيق الصحفي يحاول الإجابة على كل التساؤلات السابقة، من أجل أن يضع النقاط على الحروف، حتى يكون نبراساً لكل من يبحث عن استخدام اجتماعي أكثر أمناً واطمئناناً لتطبيقات الهواتف الذكية..
2 مليار مستخدم
بداية لا بد من التذكير بأنه مع التطور التقني الذي نعيشه في العصر الحاضر أضحت تطبيقات الهواتف الذكية الشهيرة في مجال التواصل الاجتماعي مثل الانستغرام والسناب شات والتويتر والفيس بوك وغيرها جزءاً لا يتجزأ من حياة كل فرد اليوم، وبحسب آخر الإحصائيات فإن عدد مستخدمي الهواتف الذكية في العالم الآن يزيد عن 2 مليار مستخدم.
وعلى الرغم من تأكيد البعض بأن الفوائد الجمة التي حققتها هذه التطبيقات في حياتنا الاجتماعية المعاصرة لا يمكن حصرها على مختلف المستويات إلا أن هناك فريقاً آخر يرى أنه استحدثت في حياتنا سلبيات عديدة لهذا التواصل الاجتماعي المحموم لم تكن مألوفة من قبل، ويسرد البعض قصصاً وحكايات عديدة عن أطفال وشباب ورجال ونساء أصيبوا بالعين الحاسدة من جراء نشر صورهم وفيديوهاتهم في تطبيقات الهواتف الذكية، ورغم تأكيد البعض بأنهم أصيبوا فعلاً بالعين الحاسدة أو أصيب بها أقرباؤهم أو أصدقاؤهم أو معارفهم، إلا أن هناك من يرى بأن هذه التطبيقات ليس لها علاقة البتة بما يصيب الناس، وآخرون يطرحون آراء ووجهات نظر أخرى.. فماذا قالوا؟..
تطبيقات لا غنى عنها
البداية كانت مع المواطنة عائشة حسن وسألناها حول رأيها بشأن استخدام تطبيقي الانستغرام والسناب شات وغيرها من برامج الهواتف الذكية، وهل من الممكن أن تكون سبباً في إيذاء مستخدميها بعين حاسدة مثلاً؟ فقالت: شخصياً أرى أن هذه البرامج مفيدة جداً على مختلف المستويات إذا ما أحسن استخدامها، فهي من جانب تعتبر وسيلة للتعريف بالأشخاص وبأصحاب الإبداعات والهوايات والاهتمامات المختلفة، فضلاً عن أنها تعد واحدة من أهم مصادر التواصل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والترفيهي.
وتضيف عائشة: واليوم مع التطور التقني الذي نعيشه لا تكاد تجد شخصاً يخلو هاتفه الذكي من هذه البرامج سواء كان صغيراً في السن أم كبيراً، ولا غنى عن استخدامها اليوم، بل صار الإنسان يقضي ساعات مع هذه البرامج يتابع فيها أبرز المستجدات والأخبار والتطورات ويقضي فيها أوقاتاً للتسلية والترويح عن النفس، وإلى هنا كل الأمور تكون طبيعية في وجهة نظري.
نحن سبب المشكلات
وتستدرك عائشة قائلة: أما المشكلات فهي تأتي بسببنا نحن حين نبالغ في هذا الاستخدام ولا نميز بين الغث والسمين وما بين الاحتياجات والرغبات، ونضيع أوقاتنا في أشياء هامشية غير مفيدة، ونفتح على أنفسنا أبواباً نحن في غنى عنها، فمثلاً نشر الصور ومقاطع الفيديو عن كل تفاصيل حياتنا الشخصية والخاصة جداً أنا أراه مبالغة وعيباً لا يليق بحسب ما تربينا عليه وعلمونا إياه والدانا.
وتختتم عائشة حسن حديثها قائلة: علينا أن نكون منطقيين متوازنين في الاستخدام كي نجني خير تطبيقات الهاتف النقال ونستقيد منها قدر الاستطاعة ونحفظ أنفسنا من شرها ومشكلاتها وما يمكن أن تسببه لنا من إيذاء شخصي وجسدي، أو حتى لسمعتنا.
تواصل اجتماعي دائم
من جهتها ترى المواطنة فاطمة محرم أن استخدام الهاتف النقال الذكي أصبح خلال السنوات القليلة الماضية جزءاً لا يتجزأ من حياة مئات الملايين حول العالم، وهو ما يوضح أننا نعيش في عصر الهواتف الذكية التي تلازم أصحابها في أغلب ساعات اليوم، إذ إن هناك ارتباطاً وثيقاً جداً لا يكاد ينفك بين المستخدم وهاتفه.
وتضيف فاطمة: ونحن نتحدث عن تطبيقات الهاتف النقال لا يجب أن نغفل هنا عن الفوائد التي من الممكن أن تحققها هذه التطبيقات للمستخدمين وأهمها البقاء على اتصال دائم مع الآخرين، مهما بعدت بلدانهم وأماكنهم ومتابعة أحوالهم وأخبارهم. إضافة إلى أنه من خلال هذه التطبيقات يمكن تلقي مختلف المعلومات وصنوف شتى من العلوم الحديثة، فضلاً عن أنها وسيلة مناسبة جداً للترفيه والتسلية لمختلف الأعمار، هذه حقائق لا يجب أن ينكرها أحد مهما كان موقفه من استخدام تطبيقات الانستغرام والسناب شات والفيس بوك والتويتر وغيرها من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.
العزلة أهم المشكلات
وتوضح فاطمة أن لكل وسيلة عصرية وجهين متناقضين، وجهاً إيجابياً وآخر سلبياً، ولا شك أن هناك أضرار مختلفة لاستخدام الهاتف الذكي بشكل عام وتطبيقات الهاتف بشكل خاص، ولعل من أبرز هذه السلبيات الأضرار الصحية أولاً، والأضرار الأخرى ومنها تضييع الوقت، والانشغال عن أمورٍ حياتية أكثر أهمية من الهاتف، إضافة إلى تلقي صنوف مختلفة من الإزعاج، وهناك ضرر أراه من وجهة نظري من أهم الأضرار وهو العزلة الشخصية وعدم التواصل الحقيقي مع الآخرين، حيث ترى اليوم الكثيرين يتواجدون في نفس المكان لكنهم لا يتحدثون سوياً مع بعض بل ينظر كل شخص منهم إلى هاتفه، وهذه واحدة من المساوئ الكبيرة للهواتف الذكية.
وهناك مشكلة أخرى لا يمكن إغفالها وهي قدرة الهكرز على اختراق أمن البيانات الخاصة بك، وسرقة هويتك الشخصية وصورك أو العبث في محتويات هاتفك وحذف البيانات منه، والتجسس عليك ومراقبة تحركاتك وهو ما قد يكون أيضاً مصدراً لإزعاجك والإضرار بك بالكلام غير اللائق وأحياناً الافتراء عليك والطمع في اقتناء ما تملك، وخاصة لما يواجه الشخص متابعين أشبه بالمرضى النفسيين.
صورها قادتها إلى الغيبوبة!
وفي المقابل هناك حالات عديدة حدثت من حولنا كان أصحابها يربطون بين ما حدث لهم من مشكلات شخصية مباشرة وبين استخدام تطبيقات الهاتف النقال هذا ما أكدته المواطنة مريم خليفة، حين ذكرت لنا، قصة إحدى قريباتها، حين أصيبت بعين حاسدة بسبب الهاتف النقال.
وقالت مريم: كانت قريبتي تضع صوراً لجميع تفاصيل حياتها الشخصية الدقيقة عبر تطبيقي الانستغرام وسناب شات حيث تعرض صوراً وفيديوهات جميع رحلاتها وسفراتها السياحية وكل الأشياء التي كانت تشتريها تجدها في الانستغرام وسناب شات الخاص بها، كما كانت تشارك الناس حول الأماكن والمطاعم التي كانت تزورها وتلتقط الصور وتعرض الفيديوهات لهذه الأماكن، وفجأة وهي في غمرة ممارسة هذه العادة أصيبت قريبتي بجلطة في المخ أوصلتها إلى حالة الدخول في غيبوبة وفقدان جزء من ذاكرتها.
للأسف لا يذكرون اسم الله
وأضافت مريم بأن هناك أشخاصاً للأسف الشديد لا يذكرون اسم الله عند رؤية شيء ما ينال إعجابهم من الوهلة الأولى، كما أن هناك العديد من الناس يتمنون أن يكونوا في مكان هذا الشخص الذي يشاهدون صوره ويتمنون الحصول على جميع ممتلكاته، كما أن هناك أناساً آخرين لا تتوانى عن القول بأن فلانة أو علانة تسافر إلى العديد من الدول دون توقف وتحصل على السعادة والراحة النفسية وكل الأشياء الجميلة في الحياة.
وفي حالة قريبتي كان بعض الناس يرون صورها ويقولون من دون أن يذكروا الله بأنه لا يمكن التفريق بينها وهي أم مع ابنتها، وكأنما هي وابنتها أختان صغيرتان تتشابهان إلى حد كبير.
وأوضحت مريم بأنه بعد استفاقة قريبتي من الغيبوبة، تم دعوة أحد المشايخ لقراءة آيات القرآن الكريم لعلاجها وإخراج العين الحاسدة منها، مشيرة إلى أن غالبية الأعراض التي كانت تصيبها أثناء قراءة القران الكريم كانت تدل على الإصابة بالعين الحاسدة ومنها الخوف والارتعاد والبكاء الشديد وغيرها.
واختتمت مريم القول بأن قريبتها تخلت عن استخدام تطبيقي الانستغرام والسناب شات لفترة ومن ثم عادت للمشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي لربما لأنها أصبحت عادة لايمكن التخلي عنها، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من الاستخدام لهذه التطبيقات بشكلٍ حذر جداً.
صورها أسقطت شعرها!
قصة أخرى روتها لنا المواطنة بيان سعيدان عن إحدى صديقاتها المقربات فقالت: كانت لدي صديقة منذ المرحلة الثانوية، تشارك كل الناس صورها الخاصة عبر تطبيقي الانستغرام وسناب شات، وتعرضها بكثرة وخصوصاً على تطبيق سناب شات، وكان ما يميز صديقتي هي أنها تملك شعراً طويلاً من بين كل الفتيات المحيطات بها، وقالت بيان بأنها كانت تحذر صديقتها من استعراض شعرها دائماً وتدعوها لربط شعرها والحذر من عرضه على السناب شات، وأوضحت لها بأن هناك العديد من الناس للأسف الشديد لا يذكرون اسم الله على ما ينال إعجابهم، وهذا يمكن أن يعرضك للإصابة بالعين الحاسدة.
وقالت بيان بأن صديقتها كانت تتجاهل نصائحها، وكانت لا تأخذ الموضوع على محمل الجد، وأضافت بأنه في أحد الأيام ذهبت صديقتها إلى النوم كالعادة ولكنها حين استيقظت رأت بأن كماً كبيراً جداً من شعرها كان متساقطاً ومنتثراًعلى وسادتها، فأصيبت بالهلع وشعرت بالخوف الشديد والصدمة من وضعها الغريب الذي لم تألفه قط في حياتها.
وفي النهاية.. خسرت شعرها!
وأضافت بيان بأن صديقتها ذهبت إلى أمها تريها ما حدث لشعرها أثناء نومها أدركت والدتها حينها بأن ما أصاب ابنتها هو عين حاسدة بسبب نشرها صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبمنطق الوالد البسيط أمرتها أن تتوجه فوراً إلى أقرب صالون نسائي لقصه، وقالت بيان بأن صديقتها في اليوم التالي قدمت إلى المدرسة في اليوم الثاني بشعرٍ قصير وحينها سألتها عن سبب قصها لشعرها الذي كانت تتباهي به أمام صديقاتنا فردت علي بأنها متيقنة بأن ما أصابها هو عين حسدتها على نعمة كانت تميزها وتشعر صديقتها أنها جاءتها من خلال كثرة استخدام تطبيق سناب شات مما جعلها تشعر بالحسرة والندم لما جلبته بيدها على نفسها.
هذه قصتنا مع السناب شات!
المواطنة زين عبدالله البستكي ذكرت لنا قصة مرت بها شخصياً، قائلة: سافرت برفقة عائلتي إلى إحدى الدول الأوروبية، وكانت أمي من المستخدمات الجدد لتطبيق السناب شات، وكانت تلتقط العديد من الصور لمناسباتنا وتفاصيل حياتنا وتقوم بنشرها عبر هذا التطبيق، وكنت دائماً أحث أمي على عدم نشر كل التفاصيل العائلية الخاصة انطلاقاً من إيماني بأن العين حق، ولا بد من الحذر، ولكن أمي لم تعطِ الأمر الاهتمام اللائق.
وتضيف زين: في أحد أيام سفرتنا التقطت أمي صورة لأخي الصغير الذي يبلغ من العمر 4 سنوات، وهو يسبح في إحدى حمامات السباحة بأحد المتنزهات المائية، وهو طفل وسيم ذو ملامح جذابة، وبمجرد أن وضعت أمي الصورة في السناب شات تلقت العديد من تعليقات الإعجاب بوسامة الطفل وبعد لحظات من هذه التعليقات وهو يسبح فجأة تعرض للغرق في بركة السباحة وانقطعت أنفاسه وملأ الماء رئتيه، الأمر الذي أدى به إلى فقدان الوعي والدخول في غيبوبة. وهنا فوجئ المتابعون للسناب شات بعد فترة قصيرة تنشر أمي صورة لأخي وهو في غيبوبة وتطلب من متابعينها الدعاء له بالشفاء العاجل، الأمر الذي جعلهم ينصدمون من الخبر وبدؤوا يتساءلون ماذا حدث في بضع دقائق.
من فرحة إلى فاجعة!
وتواصل زين حديثها: ومباشرة بعد الغرق تم نقل أخي الصغير إلى إحدى المستشفيات هناك، موضحة أن هذه الفاجعة حولت سفرتنا من فرح إلى حزن وضيق وكنت في حالة صدمة واستغراب شديد لما حدث، وهنا بدأت أتساءل ألهذه الدرجة تفعل العين الحاسدة بالناس؟ وأشارت زين إلى أن أخاها الصغير ظل 3 أيام تقريباً في حالة غيبوبة وبعدها يستجيب للعلاج ثم أصبح بفضل الله ومنته في حال جيدة.
وتكشف زين لنا بأنه بعد هذه الفاجعة لم تعد أمي مجدداً تضع صورنا الخاصة في السناب شات، واقتصرت مشاركاتها على صور الأشياء الطبيعية البسيطة دون نشر صور أفراد العائلة، وكانت هذه الحادثة عضة وعبرة لنا جميعاً.
وتنصح زين جميع مستخدمي تطبيقات الهواتف الذكية بأن لا ينشروا جميع تفاصيل حياتهم، مشيرة إلى أن هناك العديد من الأمور والأسرار التي لا يجب أن نشاركها جميع الناس ومنها خصوصيات العائلة، وتقول: أنا لست ضد استخدام هذه التطبيقات، وإنما ينبغي استخدامها بحذر تام، فضلاً عن أن على الإنسان أن يحصن نفسه من العين بالأذكار الواردة، وأن يحرص على أن لا يجلب لنفسه الخطر والمشكلات من قبل أناس ربما يعرفهم أو لا يعرفهم.
عينها قطعت إسوارتي!
من جهتها تؤكد المواطنة بيان محمد بأنها تعرضت شخصياً لأثر العين، في حكاية غريبة مرت بها، تقول بيان: ذات يوم نشرت صورة (سوارة) يد من ذهب كانت ترتديها في إحدى المناسبات عبر تطبيق السناب شات وهي هدية ثمينة من والدتها وشكلها جذاب وملفت للانتباه، وبعد نشر الصورة تلقيت رسالة من واحدة من متابعيها، تتساءل عن هوية هذه (الإسوارة) وأنها جذابة جداً وملفتة للنظر ونالت إعجابها وحسبت أن هذا الإعجاب عادي ولم أفكر كثيراً في الأمر، ولكن الصدمة جاءت حين عدت إلى البيت ورأيت (إسوارة الذهب) منقطعة بشكل غريب رغم أني متيقنة بأني تركتها سليمة ولم يكن فيها عيب مطلقاً ولم يلمسها أحد، بل لم تصل لها يد أحد غيري، ولم تتعرض لشيء يقطعها، فكنت في حالة ذهول شديد مما وقع لي، ليس أسفاً على (الإسوارة) التي يمكن إصلاحها وإنما على سرعة إصابتي بأثر عين المرأة التي سألتني عنها مبدية إعجابها الشديد بها، وأدركت يقيناً حينها أن العين تقطع الحديد فما بالك بالذهب.
البيوت أسرار
وتوضح بيان بأنها ليست الوحيدة في عائلتها التي تعرضت للعين عبر استخدام تطبيقات الهواتف الذكية، بل بأن شقيقتها دائماً ما تتعرض للعين الحاسدة من خلال استخدامها لتطبيقي السناب شات والانستغرام ونشرها للصور ومقاطع الفيديو لأطفالها سواء في مناسبات أعياد الميلاد أو التجمعات العائلية أو مناسبات العيدين والقرقاعون وغيرها، فقد لاحظت ذلك بشكل واضح ومتكرر أنها بعد وضعها لصور وفيديوهات الأطفال في مختلف المناسبات يتعرضون بعدها للإصابة بالأمراض والحمى الشديدة وانتفاخات في العين، لدرجة أن أشكالهم تتغير مع هذه الأمراض.
و قالت بيان بأن ملامح أبناء أختها غير مألوفة وهذا ما يجعل أنظار الناس دائماً ما تكون موجهة إليهم، الأمر الذي يستلزم معه أخذ الحيطة والحذر عند عرض صورهم ولا سيما وأنهم أطفال أبرياء لا بد من المحافظة عليهم وحمايتهم من كل ما قد يتسبب في الإضرار بصحتهم، وهذا هو دورنا نحن الكبار.
وتنصح بيان في ختام حديثها جميع الناس بشكل عام ومستخدمي تطبيقات الهواتف الذكية بشكل خاص بضرورة تحصين أنفسهم وأطفالهم من العين الحاسدة والتوقف عن نشر صورهم وفيديوهاتهم في هذه التطبيقات ولا يجب مشاركة الآخرين في كل شيء في حياتنا وفي خصوصياتنا، فالبيوت أسرار والحكيم من يتعض بغيره.
تعريف بالنفس واسترزاق
ومن أجل التعرف بدقة أكبر على الدوافع النفسية التي تقف وراء هذه الظواهر الحديثة، التقينا الاستشارية النفسية الدكتورة عائشة الشيخ، وسألناها: لماذا يقدم الناس على وضع صورهم وأخبارهم في تطبيقات الانستغرام والسناب شات وغيرها؟ فقالت: الكثيرون يضعون صورهم الشخصية من باب التعريف بالنفس وخاصة الأشخاص الذين لديهم أعمال مختلفة والمختصين ورجال الأعمال والشخصيات الرسمية، وهناك أشخاص غير مشهورين ولكن يحبون وضع صورهم للتعريف بشخصياتهم للجمهور، وتعتبر هذه التطبيقات واجهة اجتماعية، والبعض لا يكشف شخصيته وإنما يستخدم صور أشخاص آخرين أو مشاهير أو ممثلين أو صوراً رمزية للورود أو الطيور مثلاً.
وسألنا الدكتورة عائشة: ما هي أبرز الآثار الإيجابية والأضرار السلبية المترتبة على ذلك؟ فأجابت: لعل من أهم الفوائد التي يجنيها المستخدم لتطبيقات الهواتف الذكية أنه إذا كان لديه أفكار مميزة وأصيلة سيكون مقبولاً اجتماعياً أو مشهوراً من خلال التعريف بصورته، كما أنهم يصورون الفيديو أحياناً لإفادة الآخرين، وبعضهم يصبحون بين الليلة وضحاها أشخاصاً مشهورين حتى يسترزقوا من هذه المصادر، ومنهم من يكون لهم ظهور على الساحة الإعلامية، مثل (الفاشنستات) وبسبب ظهورهن على شبكة الإنترنت و(السوشل ميديا) بدأن يكسبن جمهوراً كبيراً وفتحن لهن باباً من أبواب الاسترزاق والتحصيل المادي.
المتابعون يثقون بالصور
وتضيف الدكتورة عائشة: عندما يضع الإنسان صورته في وسائل التواصل الاجتماعي فهذا يعطي مصداقية لشخصيته، خاصة إذا كانت الصورة محترمة تخلو من الابتذال والإسفاف فتصبح شخصية يثق بها المجتمع. أما عن سلبيات هذه البرامج والتطبيقات فإنها كثيرة، إذ يمكن لأي شخص أن ينتحل شخصية آخر من خلال وضع صورته على الانستغرام أو السناب شات والبعض يأخذن نفس الصورة أو المعلومة ويبرزونها على أنهم نفس الأشخاص الأصليين، وأحياناً تستغل صورك للابتزاز فضلاً عن انتحال شخصك، وتحاول الدول اليوم أن تضع قوانين وتشريعات تنظيمية باعتبار أن ذلك يعد من الجرائم الإلكترونية.
وتوضح: أن الإنسان عندما يضع حياته على الإنترنت يظن البعض أنه محظوظ أو مرفه، الأمر الذي يجعله عرضة للإصابة بالعين الحاسدة، إذ يعجب به البعض بينما يحسده البعض الآخر وخاصة عندما يعرض صوراً عن بيته والهدايا التي يتلقاها، وهنا يجب أن يكون هناك حدود للصورة التي يجب أن يظهر فيها المرء اجتماعياً.
ولا يزال الحسد يتابعها
ولمعرفة أكثر تفصيلاً سألنا الدكتورة عائشة، هل سبق أن تعاملت مع حالات أصيبت بالعين الحاسدة جراء استخدامها لتطبيقات الهواتف الذكية؟ فأجابت: تعاملت مع حالات شبيهة استقبلتها في عيادتي النفسية، كان لديهم اضطراباً وقلقاً، وعندما سألتهم: لم الخوف والقلق؟ قالوا: نخشى من تتبع الناس لتفاصيل حياتنا وأن نكون عرضة للحسد. ومن هذه الحالات أذكر قدوم شابة تعاني من الخوف والاضطراب من النوم، وتقول: أن عيناً أصابتها بسبب عرضها لسفراتها في مختلف الدول، وعرض كل تفاصيل حياتها في السناب شات، وأوضحت أنها ذهبت لعدة مشايخ ومقرئين للقرآن من أجل قراءة آيات الله عليها، وقررت إغلاق حسابها على السناب شات، ولكن لايزال الحسد يتابعها.
وتضيف: أحياناً عندما يشتري الإنسان سيارة جديدة ويعرض صورها، وصدفة قد يتعرض لحادث خطير، فيربط ذلك بالحسد، فيخاف من الناس والمحيطين حوله، ويصبح عنده وسواس قد يصل إلى الوسواس القهري، وهناك حالات كثيرة تأتي إلى عيادتي يعاني أصحابها من الشعور بالحسد، وعلى سبيل المثال تأتي لي زوجة وتقول: كنت أعيش حياة سعيدة مع زوجي‘ وبمجرد أن وضعنا صورنا أثناء سفرتنا، انقلبت حالنا فبتنا لا نطيق بعضنا بعضاً، وبدأنا نعاني من الكثير من المشكلات العائلية التي لم تكن قبلاً في حياتنا.
أنت مراقب ومتابع!
وطلبنا نصيحة الدكتورة عائشة لمستخدمي تطبيقات الهواتف الذكية، فقالت: في الحقيقة يجب أن أوجه نصيحتي لنفسي أولاً قبل الآخرين، لأنني أنا أيضاً أضع صوري وصور سفراتي بمواقع التواصل الاجتماعي فيجب أن أقلل من وضع حياتي الخاصة أمام الناس، خاصة وأننا دائماً ما نبرز للآخرين الجوانب الإيجابية من حياتنا مثل ذهابنا للمطاعم وزياراتنا وسفراتنا وهذا يدفع البعض إلى تتبع حياتنا ومنهم من يتربص لكل تحركاتنا، فالنصيحة لي وللآخرين بالحذر والعقلانية في المسألة.
وأختم لكم بحادثة بسيطة، فقد كنت ذات يوم في زيارة لإحدى المجمعات التجارية وعرضت صوري مباشرة في السناب شات وفوجئت بأناس يأتون لي وأنا أمشي في المجمع، ويقولون لي: لقد شاهدناك للتو وأتينا لك، وهذا مدعاة أن يتعقبك المعجبون والأصدقاء، فإذا أردت أن تحافظ على خصوصياتك يجب ألا تعرض هذه الأمور عبر هاتفك، ونصيحة أخيرة عندما تعرض منظراً لمنطقة تزورها فلا تعرض صورتك معها، فقد يستخدمها البعض بشكل يضرك، علينا أن ندرك بأن هذه البرامج والتطبيقات الهاتفية مفيدة جداً لذا يجب استثمارها بشكل صحيح، وعلينا أن نتواصل ونتبادل الرسائل التي توعي المجتمع بدلاً من وضع أشياء لا معنى لها، تجعلنا مجرد مقلدين للآخرين ومنساقين وراءهم دون وعي.
العين تخترق الهاتف
ومن أجل التعرف على الرأي الشرعي في موضوع التحقيق توجهنا إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب المحمود بالسؤال الآتي: هل تخترق العين الحاسدة الهاتف النقال؟ وهل من الممكن أن يصاب بها من يعرض صوره وفيديواته في تطبيقات الانستغرام والسناب شات والفيس بوك وغيرها؟ فقال: نعم تخترق إذا قدر الله سبحانه وتعالى ذلك، ولكن هناك قسمان، القسم الأول هو العين الحاسدة، وتنقسم إلى نوعين، عين من الإنس وعين من الجن، والعين الإنسية هناك عين حاسدة وعين معجبة، وفي العين المعجبة من الممكن أن يحسد الإنسان نفسه أو أبناءه إذا قدر الله وإذا كان صاحب عين، وهناك العين الحاسدة التي تحملها النفس البغيضة.
ويضيف الشيخ: أما القسم الثاني فهو النفس الحاسدة، ولذلك صح في الحديث أن جبريل عليه السلام عوذ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء فقال له: (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك باسم الله أرقيك)، إذ بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من كل عين أو نفس، والنفس مداها أوسع إذا قدر الله أما العين فحدها المشاهدة إذا ما شاهدت انقطع أمدها، فلذلك على المؤمن أن يحتاط فلا ينشر صوراً فهو فضح للمستور وفضح للنفس.
ورداً على سؤال: هل يشترط أن يكون هناك اتصال آني ومباشر ليصاب الإنسان بالعين الحاسدة؟ قال الشيخ المحمود: لا يشترط أن يكون هناك اتصال مباشر إذا كان بسبب النفس، أما بالعين الحاسدة فلا بد أن تكون هناك رؤية ومشاهدة.
لا تعارض في التوجيهات
وسألنا الشيخ محمد: البعض يقول بأنهم ينشرون صورهم من باب إظهار النعمة، فكيف نوفق بين ما سبق وقول الله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) وحديث: (أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)، وفي المقابل حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) فقال الشيخ: الحديث الأخير ضعيف وحسنه الشيخ الألباني. وقول الله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)، وهذا يتعلق بالنعمة، فمثلا عندك مال تصدق، عندك علم علم، عندك جاه اشفع، عندك عقل ومشورة أرشد الناس، وأما حديث: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) يعني أن لا يبخل على نفسه، بل يظهر نعمة الله عليه دون إسراف أو تبذير. وبشأن حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) فقد أخذ العلماء بهذا من باب السرية في بداية المشاريع، إلا إذا كان مستشيراً لبعض الناس فهذا منهج سليم، وهذا يستلزم كتم اللسان في بداية الأمور حتى تثبت وتستقر، ولا أرى أنه يوجد أي تعارض بين الآية والحديثين، ولا يمكن أخذ معانيها على غير معناها الصحيح والدقيق.
خير كثير وشر أكثر
وفي ختام تحقيقنا طلبنا من الشيخ محمد بن عبدالوهاب المحمود أن يوجه نصيحة لكل من يستخدم تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الانستغرام أو السناب شات والواتس آب والفيس بوك واليو تيوب وغيرها، فقال: من وجهة نظري أرى أن هذه الوسائل فيها خير كثير وفيها شر أكثر كشأن سائر الوسائل، والمستخدم الموفق هو الذي يتقي الله تعالى في استخدامها في الخير ونشر الخير، ولكن هناك أناس للأسف الشديد يستخدمونها استخدامات سيئة تعود عيهم بالضرر في دينهم ودنياهم، إذ يستخدمونها في الفضيحة وفي نشر عيوب الناس، وعندما يفضح الإنسان غيره في مجلس من عشرين شخص مثلاً، فإثمه كبير وعندما ينشره في الفيس بوك أو اليو تيوب والانستغرام فيشاهده الملايين فالإثم على قدر ما انتشر على الناس، فيتحملون آثاماً كالجبال بسبب سعة دائرة الفضيحة والأكاذيب.
ويضيف الشيخ: وقد ورد عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث طويل أنه رأى رجلاً في رؤية واقفاً بيده كلوب من حديد يدخل ذلك الكلوب في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله، فقال صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام، ما هذا؟ فقال له جبريل: (هذا الكذاب الذي يحدث بالكذبة فتحل عنه حتى تبلغ الآفاق)، هكذا عقابه لأنه يسبب في فضائح وتشويه سمعة، قال تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب عظيم)، فالنصيحة أن يتقي الإنسان ربه في كل ما يرسله في هاتفه.
ويضيف الشيخ: أما بالنسبة لنشر خصوصيات الإنسان، وما الذي يقوم بعمله الآن؟ وأين سافر؟ وماذا لبس؟ وحتى فرحتهم بأبنائهم ونشر ذلك على العالمين، فكل ذلك خطأ، لأن فيه كسر لقلوب أناس ليس لديهم هذه النعمة، فتجلب الحسد إليهم وتؤذيهم في بيوتهم، إذ إن هناك أطفالاً يضغطون على أهاليهم ضغطاً شديداً ليوفروا لهم ماشاهدوه في هواتفهم، ولا تظنوا أن كل الناس سيقولون (الله يبارك لهم فيما أعطاهم ويسعدهم) فالبعض لا يتمنى الخير للآخرين، وربما يرون أني مسرف حين أتمتع بأكل الطعام الكثير من حولي، وهم لا يجدون شيئاً من ذلك وهناك من لا يجدون بيتاً يؤويهم، وأنا أصور لهم بيتي الفخم ففي ذلك إفجاع للقلوب وهنا يعود علي الأمر بالضرر والقاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار)، وهذا الأمر للأسف الشديد جعل كثيراً من البيوت أشبه بالزجاجية التي تفتقر إلى الخصوصية، فكل ما فيها يطلع عليه العالم، ثم أن هذا من العجب بالنفس والعجب مهلك، فقد ورد عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث مهلكات، شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه).
توافه أصبحت شغلنا الشاغل
ويعلق الشيخ المحمود: ولا أدري من أين دخلت علينا هذه البدعة السيئة، وهي قيام الكبير والصغير بتصوير كل شي ونشره، عليكم أن تشكروا الله على النعم ولا تؤذوا الناس، فالبعض صار يطلب الكثير من الطعام لا ليأكل وإنما ليقوم بتصويره، مما جعل هذه الأمور التافهة تصبح للأسف شغلنا الشاغل ، علينا إذا ما أردنا أن نحافظ على أنفسنا ونعمنا ومن حولنا أن نتجنب توافه الأمور، فقد ورد في الحديث الشريف: (أن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها)، وعندما يفقد الإنسان الجدية ينشغل بالتوافه، ولعل ذلك هو من أسباب الفراغ الذي نعاني منه ولا نقضيه بالمفيد، فنصيحتي للجميع أن نراقب الله تعالى، فكل ما أنشره أو أكتبه أكون مسؤولاً عنه أمام الله أولاً قبل أن أكون محاسباً عليه في الدنيا قانونياً، قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وقال سبحانه: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، وقال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة)، إذ توعد الله بالويل والعذاب الشديد لكل عياب غياب مؤذٍ وفي الختام نسأل الله أن يوفقنا لما ينفعنا في ديننا ودنيانا ونعوذ بالله من التردي الأخلاقي ومن إيذاء أنفسنا بأنفسنا ومن إيذاء الآخرين، وأن نكون فواتح للخير مغاليق للشر.
العين تصيب بالوصف أوالحكاية أو التخيل وحتى من الأعمى!
وفي موقع (الإسلام سؤال وجواب) على شبكة الإنترنت الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد.. طرح سؤال مهم:
هل يصاب الإنسان بالعين عن طريق النظر لصورته أو حكاية أخباره؟ ،هل تصيب العين برؤية صورة الشخص من التلفاز أو صورة أو صوت أو في الإنترنت.. أو هل يجب لكي يصيب العين أن يرى الشخص الشخص الآخر بالعين وجهاً لوجه؟
وجاء نص الجواب كالتالي: الحمد لله، الإصابة بالعين أمر ثابت معلوم بالشرع والعادة، ولا يتوقف على رؤية الشيء المعِين، بل قد تحصل الإصابة بالعين بمجرد الوصف أو الحكاية أو التخيّل .
قال ابن القيم رحمه الله: " ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره ، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية.
زاد المعاد (4/153)
وبهذا يتبين أن العائن قد ينظر إلى صورة الشخص في الحقيقة أو في التلفاز ، وقد يسمع أوصافه فيصيبه بعينه ، نسأل الله السلامة والعافية .
وننبه إلى أن بعض الناس يستسلم للوساوس والهواجس ، ويظن أنه سيصاب بالعين كلما رزق نعمة ، أو جاءه خير ، وهذا من الضعف والعجز، فإن المؤمن لديه من الأسلحة ما يتحصن بها من شر العين والحسد والسحر، فعليه أن يتوكل على ربه، ويعتصم به، ويداوم على الذكر الواقي من تلك الشرور.