د.فهد حسين
شكلت صحافة الخمسينيات قاعدة صلبة لاحتواء القصة القصيرة في البحرين والخليج العربي، وينم ذلك عن مسئولي هذه الصحافة آنذاك، والوعي الاجتماعي والثقافي الذي كان يتميز به الشارع البحريني بشكل عام، وشريحة المثقفين والكتاب بشكل خاص، وحين القول في هذا، فليس مبالغة وتباهيا، وإنما أحد مداخل التطوير والتحديث التي آمن بها المجتمع البحريني منذ تشكله حيث الاتصال مع الآخر العربي وغير العربي في داخل المكان وخارجه، وعبر الوقت أفرز هذا الاتصال والتواصل الاجتماعي والثقافي عددا من الكتاب قدموا نصوصاً قصصية كثيرة في الوقت الذي كانت الساحة الثقافية والأدبية محاطة بالشعر والمسرح، ولكن محاولات مجموعة من كتاب النص القصصي أثمرت أكلها وباتت نصوصهم متناولة بين قراء الصحافة المحلية ثم العربية التي كانت هي الأم الرؤوم والحنون لهذا الفن السردي الجديد في المنطقة.
وفي الوقت الذي نشكر فيه المكتبة العامة ومكتبة مركز عيسى الثقافي، وكذلك مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، هؤلاء الذين حفظوا لنا هذا التراث الخمسيني بعد جمعه وتوثيقه في مجموعة أعداد لتكون في متناول القراء والباحثين والدارسين، كما هي مجلة صوت البحرين، فمن يطلع على أعداد هذه المجلة يفاجأ بمستوى الكتابة القصصية التي كانت تنشر آنذاك، والقيمة الفنية والبعد الثقافي والتاريخ والاجتماعي المتناثر بين سطور هذه النصوص من جهة، وتلك الأسماء المهمة من جهة أخرى، لذلك لا ينبغي أن يقف العمل والطموح في التوثيق والحفاظ على هذا الكنز، بل لا بد من القفز عليه، فإذا كانت مجلة صوت البحرين ضمت هذه الأصوات القصصية، فهناك مجلات وجرائد أخرى أيضاً.
وحسناً فعل كل من الدكتور علوي الهاشمي حين قام بدراسة النص الشعري في البحرين سواء من خلال المجموعات الشعرية أم النصوص المتناثرة بين الجرائد والمجلات، والدكتور إبراهيم غلوم حين درس القصة القصيرة أيضاً، لكن نحن اليوم بحاجة ماسة إلى النبش والبحث والوقوف عند هذا التراث الأدبي المهم الذي يشكل محطة أدبية وفنية في المشهد الأدبي في البحرين، من هنا أقترح أن يتم تكليف الدارسين والباحثين من قبل الجهات المعنية بالثقافة والأدب الحكومية والأهلية لدراسة هذا التراث ومدى أهميته، ولا ضير أن تتعدد وتتنوع الدراسات كما في العالم العربي، فهناك الكثير من الدراسات التي تناول نجيب محفوظ مثلاً، أو صلاح عبدالصبور، أو غيرهما، فلماذا لا نهتم بدراسة تراثنا الأدبي الحديث من زوايا ومناح متعددة؟ وهذا العمل بالطبع سيخدم البحرين ثقافياً وأدبياً وتاريخياً. ليت يحدث ما نحلم به.