حوار - حسن الستري وحوراء الصباغ
أثارت حفيظته ايواء مستشفى الارسالية الامريكية للأطفال مجهولي الابوين وأبناء الاسر المتصدعة، فحمل على عاتقه ايواءهم والاعتناء بهم، وتشجيع الاسر البحرينية على احتضانهم.. "الوطن" التقت بالدكتور أكبر محسن آل محمد نائب استشاري طب الأطفال ونائب رئيس مجلس إدارة دار بتلكو لرعاية الطفولة وصاحب فكرة انشاء دار الرعاية والذي سعى لأكثر من 40 عام بشكل تطوعي ومستمر لاحتضان وايواء وتقديم خدمات رعائية لفئة مجهولي الأبوين والذي أكد حرص الدار التي تم انشاؤها منذ عام 1984 على بذل أقصى الجهود لمنح الحماية والرعاية الشاملة لنزلاء الدار، مشيرا إلى أنه تم احتضان قرابة ال500 طفل لأسر بحرينية حتى الآن منذ بداية المسيرة، منهم من تخرجوا من الجامعة والعديد منهم يشغلون وظائف حاليا.مشروع "بيت بتلكو لرعاية الطفولة" هو مثال لنتيجة الشراكة المجتمعية وتظافر الجهود الوطنية بين القطاع العام والقطاعين الخاص والأهلي وتحمل أفراد المجتمع البحريني المسؤولية الاجتماعية، والذي يهدف إلى إيواء الأطفال مجهولي الأبوين وأبناء الأسر المتصدعة ويحرص على توفير جميع أوجه الرعاية المتمثلة في الرعاية الاجتماعية والتعليمية والنفسية والصحية والمعيشية.وفيما يلي نص الحوار:
كيف كانت بدايتك مع رعاية الأطفال مجهولي الوالدين ؟
منذ بداية السبعينات وقبل استقلال مملكة البحرين أثناء عملي في مستشفى السلمانية كانت الارسالية الأمريكية تقوم بأخذ الأطفال مجهولي الوالدين وتعمل على تربيتهم ويجعلونهم يعتنقون الديانة النصرانية.واستمر هذا الحال حتى تحول الأمر إلى طوارئ السلمانية ليستقبل هؤلاء الأطفال، وبعد قيام جهاز التمريض بعمل الفحوصات اللازمة والتأكد من سلامة الطفل وثم احتضانه من قبل احدى الطواقم لتقوم بتربيته دون وجود قوانين تنظم العملية.ومن حينها، وتحديدا عام 1972 أنا قمت بالتدخل في هذا الشأن وطالبت بوجود رعاية منظمة لهؤلاء الأطفال، فباشرت فورا بعد استلامي لمنصب رئاسة قسم الأطفال في مستشفى الولادة في المحرق على تحويل مركز تدريب الجيش البريطاني إلى قسم للمواليد والخدج.حينها كنا نقوم بدمج الأطفال مجهولي الوالدين بعد استقبالهم مع المواليد الخدج حتى يكبرون، ومع مرور الوقت كبر الأطفال وازدادت اعدادهم نتيجة عدم وجود نظام احتضان آنذاك، إضافة إلى كونهم أطفال أصحاء لا يشتكون من أي مشكلة صحية كما هو الحال مع الخدج الذين معهم في القسم. وأصبح القسم ضيق ولا يستوعب وجود الأطفال، ولذلك عملت على الطلب من وزارة الصحة بضرورة وجود دار خاصة لهم فقط لاحتضانهم.
كيف تم تأسيس أول دار للرعاية؟أول دار تضم الأطفال مجهولي الهوية تم تأسيسها بجهود أهلية وتطوعية بعد الاستقلال مباشرة، فقد عملنا على تحويل بيت من بيوت سلاح الجو الملكي للطيران إلى دار رعاية شاملة جميع الخدمات بمساعدة جهاز التمريض المكون من رئيسة قسم التمريض في مستشفى السلمانية إلى جانب 3 ممرضات، وباحثتين اجتماعيتين. وبدأنا عملية الحضانة الأسرية باجتهاد شخصي، والمقصود بها تسليم أحد الأطفال إلى أسرة بحرينية مسلمة بهدف إيوائهم وتوفير الرعاية اللازمة لهم وتحمل مسؤولية تنشئتهم. وتقدمت الأسر وفقا لذلك وتم تنسيق مقابلات معهم والالتقاء بهم وتسليمهم للأطفال لتنشئتهم وايواءهم لكن دون وجود اتفاقية وقانون ينظم ذلك، واستمر هذا الوضع طيلة السبعينات بوجود رعاية متكاملة.
حدثنا عن مركز رعاية الطفولة الذي تم انشاؤه في 1984؟كنا نعمل ونخطط على انشاء دار أفضل لخدمة عدد أكبر من الأطفال، وبدأت المباشرة في البحث عن أرض لبناء الدار منذ بداية الثمانينات، وعلمنا بوجود أرض مخصصة للأيتام في منطقة المنامة بالقرب من الكنيسة الكاثوليكية تم استخدامها من قبل وزارة التربية والتعليم لبناء مدرسة وكانت إدارة الأوقاف السنية تقبض ايجار الأرض من وزارة التربية والتعليم.حينها اتجهت بمساعدة الوجيه راشد الزياني وعبدالرحمن بن فلاح مسؤول الأوقاف السنية لوزير التربية والتعليم الشيخ عبدالعزيز آل خليفة الذي قدر موقفنا، إلا أن الوزارة لم تملك مساحات أراض للبناء.وزارة الصحة كانت تقوم بمساعدتنا منذ السبعينات وأصبحت محرك للعمل على انشاء المركز إلى جانب وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فقام وزير الصحة آنذاك د. علي فخرو بالتعاون مع وزارة التنمية والموافقة بمنحنا أرض في منطقة الحورة كانت مخصصة لبناء مركز صحي حيث تم بناء مركز رعاية الطفولة عليها بتكلفة 400 ألف دينار جاءت من تبرعات بالدرجة الأولى من دولة الكويت، إلى جانب مساهمات من أهالي ومؤسسات البحرين والسعودية بطاقة إيواء ل50 طفل.وعملت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية على تشكيل لجنة أهلية وحكومية للإشراف على المركز، فتم تشكيل مجلس إدارة برئاستي وبصحبة أعضاء يمثلون الوزارة والجهات الرسمية، فضلا عن عدد من الشركات والشخصيات الوطنية المتطوعة. وتم بدء تطبيق نظام الاحتضان الرسمي الحكومي وتقديم الأسر لطلبات رسمية واجراء مقابلات معهم وفقا للمرسوم بقانون للحضانة الأسرية والذي ينص على إن "المقصود بالحضانة الأسرية تسليم طفل أو أكثر من الأطفال مجهولي الأب أو الأبوين أو الأيتام أو ممن تتشابه ظروفهم مع هؤلاء ويحتاجون لمن يرعاهم إلى أسرة بحرينية مسلمة بهدف إيوائهم وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية لهم وتحمل مسؤولية تنشئتهم وفقا للشروط الواردة في هذا القانون"، مع وجود متابعة للأسر الحاضنة وفقا للنظام والتأكد بصورة كاملة بعدم وجود إساءة تعامل واستخدام، إلى جانب كله التأكد من تأقلم الطفل والقيام زيارات أولية غير معلنة، ومن ثم تنظيم زيارات دورية.وحرصت الدار منذ انشاؤها على تقديم أوجه الرعاية والحماية الشاملة للنزلاء، إلا أنها لم تكن تسع للأطفال رغم وجود نظام الاحتضان الرسمي، فعملنا على نشر ثقافة الاحتضان وعدم خلطه مع التبني.هل تتم مراعاة الشروط الإسلامية خلال احتضان الابناء؟التبني حرام شرعا، لكن نظام الاحتضان ينص على أن الطفل لا يحمل اسم الاب الحاضن وانما يمنح اسم مختلف تماما عن اسم الأب، فضلا عن أن الطفل لن يرث الأسرة التي تقوم باحتضانه، ويشترط على الأسرة المحتضنة أن تكون أسرة بحرينية وتعمل على توفير كافة أوجه الرعاية وتحمل مسؤولية تنشئتهم، ومصطلح الاحتضان لدى الغرب يحمل معنى مختلف وهو الايواء المؤقت، فهم يطبقون نظام التبني فقط.حدثنا عن آخر دار تم انشاؤها وهي بيت بتلكو لرعاية الطفولة؟
في عام 2010 قامت شركة الاتصالات بتلكو ببناء بيت بتلكو لرعاية الطفولة بتكلفة مليون دينار بحريني ليخدم فئة الأطفال مجهولي الوالدين وأبناء الأسر المتصدعة والأبناء مجهولي الوالدين، ويتكون من 3 طوابق ويستوعب عدد كبير يصل حتى 100 طفل، فضلا عن تطبيق نظام رعاية الشباب وهو استمرار الرعاية للأفراد بعد أن يتخرجوا من الدار في عمر ال19 أو ال20 ويستقلون في العيش في شقق يتم توفير مستلزماتها من قبل الوزارة ومجلس إدارة بيت بتلكو والتكفل بدفع كامل تكاليف الزواج في حالة زواج الفرد. وتم العمل على تطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بهؤلاء الأطفال مع الهيئات المعنية في مملكة البحرين والحرص على توفير خدمات وبيئة تربوية سليمة وشاملة للأطفال مجهولي الوالدين والأيتام وأبناء الأسر المتصدعة وإعانتهم على أن يكونوا مواطنين صالحين بكافة السبل.وشريطة القبول في الدار تكمن في أن يكون الطفل بحرينيًا، وأن يكون كامل النمو وخاليا من الأمراض، وأن يكون من الأطفال الذين لا أسر لهم أو من الذين ينتمون لأسر متصدعة وغير قادرة على رعاية طفلها مع عدم وجود عائل قادر على إعالته ولا مال يتعيش منه، أو في حالة وجود الوالدين أو أحدهما في المستشفيات أو السجون وعدم قدرة الآخر على رعايته بمفرده.وفيما يتعلق بالأطفال مجهولي الأبوين أو الأب، يتم التنسيق مع الجهات الحكومية المعنية لاستيفاء المعلومات الخاصة بالطفل، ويتم جمع بيانات تكميلية عن أسرة الطفل إن وجدت، والحصول على قرار قضائي بتنازل الأم عن حضانة طفلها صادر من المحكمة فيما إذا كان الأب مجهولًا وإصرار الأم على عدم رعايته أو الخوف من اصابته بمكروه جسدي جراء احتفاظها به. وفيما يتعلق بالأيتام وأطفال الأسر المتصدعة، يتم تقديم طلب كتابي من الجهات الحكومية أو من المؤسسات الاجتماعية الأهلية المختصة لإيداع الطفل في الدار لرعايته، ويتم إجراء بحث اجتماعي للأسرة، ويقوم ولي الأمر بالتوقيع على تعهد كتابي باسترجاع الطفل بعد تحسن ظروف الأسرة وثبات قدرتها على رعايته. وعلى الأسرة التي تستلم طفلها أن تتعهد كتابيًا بإخلاء مسؤولية الإدارة عن رعاية الطفل، كما يجب ألا يزيد سن الطفل عن 8 سنوات، ويصرح لطفل الأسر المتصدعة بزيارة أسرته بعد موافقة إدارة الدار، كما يصرح للأسرة بزيارة أطفالها المقيمين بالدار بصفة مؤقتة بترتيب خاص مع إدارة الدار.وتقوم العديد من المؤسسات والبنوك إلى جانب شركة بتلكو بالمساهمة في التبرعات للدار، وتقوم الحكومة ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالصيانة الدورية، إلى جانب توفير طاقم العمل والمواد الغذائية.
ماذا عن عدد الأطفال المتواجدين في الدار؟أقصى عدد للأطفال في بيت بتلكو وصل إليه هو 60 طفل بسبب استمرار نظام الاحتضان واقبال الأسر على عملية الاحتضان، ويوجد حاليا 11 فرد من مجهولي الأبوين في البيت أصغرهم يبلغ من العمر 15 عام، و21 من أبناء الأسر المتصدعة من مختلف الأعمار.أما عن الأطفال الرضع فبسبب الاقبال على عملية الاحتضان وذلك من خلال الحملات الإعلامية التوعوية التي ألغت موجة التحسس عن الأطفال مجهولي الأبوين فهم يبقوا فترة قصيرة جدا بداخل الدار ويتم احتضانهم مباشرة، وهناك 10 أسر في قائمة الانتظار للأطفال ويقومون باستلامهم عند توفرهم وحسب الأولوية، فنحن نستلم سنويا من 4 إلى 5 أطفال مجهولي الأبوين.
هل يتم مراعاة العادات في التربية والتوجيهات؟يتم مراعاة الفصل بين الجنسين وعدم الاختلاط بالنسبة لأبناء الاسر المتصدعة، أما مجهولي الوالدين فلا يوجد بنات سوى الرضع والآتي يتم احتضانهن مباشرة. قبل عام 1979 كان هناك اقبال على احتضان الأولاد بصورة أكبر، وبقي 9 فتيات قامت باحتضانهن جميعهن المغفور لها الشيخة نورة بنت عيسى آل خليفة في منزلها.أما فيما يتعلق بالرعاية الدينية، فالأمر متروك للطفل حتى وصوله لسن الادراك فلا يتم فرض عليه اتباع أي مذهب وانما يختار توجهاته بنفسه بدون ضغط أو توجيه أو تحيز.وبالنسبة للرعاية الاجتماعية فتوجد رعاية متكاملة وطبيب نفسي إلى جانب اخصائيين اجتماعين لمتابعة الأطفال.
ما هي ابرز العقبات التي تواجه المشروع؟المشاكل التي نواجهها هي بسبب الخلط بين الرعايتين لمجهولي الأبوين وأبناء الأسر المتصدعة، هناك فرز داخلي بينهم ولكن وجودهم جميعا في ذات المبنى يؤدي إلى مشاكل اجتماعية، فأطفال الأسر المتصدعة معظمهم حصيلة تربية غير سوية وحاملين سلوكيات خاطئة ومن الصعب أن يتم معالجتها بصورة سريعة مما يشكل تأثير على بقية النزلاء من مجهولي الأبوين واكتسابهم لتلك السلوكيات. ولكن جميع تلك المشاكل تحت السيطرة والاشراف بوجود نظام المراقبة المتكامل، فنحن نراقب كل مايحدث بداخل الدار بل وحتى الرقابة قائمة على الموظفين والممرضات وقياس تعاملهم مع الأطفال.وهناك نظام يفرض على الجميع وفي حالة مخالفة أي شخص منهم للنظام فيوجد المشرفين والطبيب النفسي والاخصائيين فهم من يتعاملون مع المشكلة، وفي بعض الأحيان نحيل الطفل ذوي السلوكيات المضطربة التي يصعب السيطرة عليها لمستشفى الأمراض النفسية لتلقي العلاج ومن ثم اعادته مجددا أو للإصلاح والتأهيل لتحسين السلوكيات.ما هي أنواع الرعاية التي يكفلها بيت بتلكو؟ وهل هناك أنشطة ترفيهية؟بيت بتلكو لرعاية الطفولة يقدم كل مقومات الحياة والرعاية والحماية الشاملة من خدمة الرعاية الإيوائية للطفل، ويؤمن كافة الخدمات المعيشية له، والرعاية الاجتماعية، من خلال تعليم الأطفال القيم والعادات، وتشجيعهم على الاستقلالية وتوثيق علاقاتهم بالمحيط الاجتماعي خارج الدار. ويقوم بيت بتلكو لرعاية الطفولة بمتابعة حالة الأطفال لدى الأسر الحاضنة، كما يوفر الرعاية التعليمية مع المتابعة والرعاية الصحية والمعيشية والأنشطة الترفيهية وغيرها من الأمور الحياتية لتنشئة الطفل في بيئة سوية تكفل له جميع حقوقه. كما يتم دعم إيجار السكن والدعم الغذائي، ودعم الخريج الجامعي بالإضافة للرسوم الجامعية، ملابس الصيف والشتاء والعيدين، والقروض لبدء حياة جديدة بعد التخرج، وتوفير السكن والعمل، بالإضافة إلى الأنشطة الاجتماعية للخريجين.وفيما يتعلق بالأنشطة الترفيهية، فهناك أنشطة متنوعة تتضمن فعاليات رياضية واجتماعية ورحلات وسفرات في العطلات إلى دول الخليج وخارجها، واخر رحلة كانت لدولة إندونيسيا في الصيف الفائت.
رسالة توجهها بالنيابة عن بيت بتلكو؟هناك لوحة أعددتها معلقة في الدار كتب عليها بيت بتلكو بيت صناعة الطفل، وتعني الأمل للأسرة المحتضنة ، وأمل للطفل الي بيتم احتضانه. عند دراستنا لتجربتنا في البحرين مقابل تجربة الدول المجاورة اتضح انها أفضل بكثير وعدم وجود عوائق كما نراها لديهم، ومجلس الإدارة بكامله يقوم بعملية التنظيم والتنسيق بصورة تطوعية، وأنا اشعر بالرضا لما تم إنجازه والوصول إليه في هذا المشروع خلال أكثر من 40 عام، ونتطلع للمزيد من التطور والأفضل لأبنائنا على أن يكونوا مواطنين صالحين يسهمون في بناء الوطن محافظين على هويتهم الوطنية والإسلامية وامتداد خدمات الرعاية والحماية الشاملة بصورة أكبر. وزيادة طلبات الاحتضان هي نتيجة وعي الأسر بالقيمة الاجتماعية والدينية التي ستضاف إليها وإلغاء الوصمة الاجتماعية السيئة السائدة مسبقا فيما يتعلق بذلك، فالآن ساهم الاعلام في زيادة مستوى الوعي والثقافة للأسر وبالتالي ازداد الوعي بأهمية ذلك.