الشابة جهاد بوحسن أول بحرينية تتخصص في سيميائية الصور "و السيمياء هو علم متواجد في النظام الكوني بشكل عام وبشكل خاص في الصورة، يختص بالعلامات والإشارات وكيفية توظيفها لإيصال رسائل معينة، كانت رسالتها تتعلق بالصورة الإعلانية وأبعادها المختلفة، قدمت دراسة جديدة يمكن أن تساعد أصحاب الأعمال وتفيد المصممين والجمهور المستهدف "لقراءة ما بين سطور الإعلان" وما يمكن أن تحويه الإعلانات من رسائل إيجابية أو سلبية للشعب المتلقي.
عن رحلة السيميائية ودلالاتها دار هذا الحوار مع جهاد بوحسن التي تحدثت عن محطات عديدة حول الأثر والدلالة.
ما هو سبب دراستك لهذا العلم ؟ والى أي مدى هو منتشر ومعروف لدينا ؟
السبب الرئيسي هو تشجيع أساتذتي الأفاضل؛ د. زهير ود. كاظم في الجامعة، هما من نما حب هذا العلم لدي، ثم بدأ الشغف وحب التعلم في الربط بينه وبين مجال عملي. خصوصاً مع عدم توافر دراسات عربية دقيقة تبحث هذه المشكلة حسب إطلاعي.
في البداية ماذا يعني علم السيمياء بشكل مختصر؟
السيمياء هو علم الإشارات الدالة مهما كان نوعها وأصلها، وهذا يعني أن النظام الكوني بكل ما فيه من إشارات ورموز هو نظام ذو دلالة. والسيمياء بدورها تختص بدراسة بنية هذه الإشارات وعلاقتها في هذا الكون، وكذلك توزيعها ووظائفها الداخلية والخارجية.
لماذا اخترتي تحليل الصورة بالذات من بعد سيميائي؟
أصبحت الصورة لغة جديدة في التواصل، حيث اكتسحت الصيغ الإرسالية الأخرى ليس بمعنى الإلغاء وإنما بمعنى البروز والهيمنة، بلغت الصورة حدوداً جعلتها خطاباً مغايراً لما تظهره، إضافة إلى التطور الإبداعي الذي طرأ على قدرات المصورين بمهاراتهم بتغيير الزوايا أو باللعب بالضوء والظل أو حتى بتعديلات جذرية للصورة باستخدام برامج التصميم.
ما أهمية الدراسة التي قمت بها؟
يكاد لا يخلو إعلان من صورة تلفت انتباه المستهلك للعلامة التجارية، وتنمية اتجاه إيجابي نحوها، فضلاً عن استثارة الحاجة للمنتج والتي تعتبر دوراً أساسياً في توجيه سلوك المستهلك لاتخاذ قرارات الشراء.
تنبع أهمية الدراسة من كونها تحلل مضمون الصورة الإعلانية، وتكشف عن الدلالات والإشارات التي يبعثها المعلن من خلال الصورة. وبعبارة أخرى، معرفة الدلالات السيميولوجية للصورة في الإعلانات التجارية التي تشكل الأفكار وتؤثر على الأفراد في ظل التطور الاقتصادي الهائل.
لم يعد دور الصورة الإعلانية محصوراً على إقناع المستهلك أو المستهلكين المترقبين لشراء سلعة أو خدمة، بل تعدت ذلك بكثير باعتبارها لغة خطاب تعكس ثقافة المجتمع وحضارته. فإذا كان النص الإعلاني يصف ويسرد الكلمات والجمل حسب ما تقتضيه السلعة أو الخدمة، فإن الصورة تسرد بفضائها البصري، وبذلك تكون لها دلالات متجذره في المجتمع أو الثقافة التي تنتمي إليهما أو تتحدث عن كلاهما.
هل تعتمد الإعلانات في البحرين على هذا العلم ؟ وهل يتم استغلاله في إيصال ما هو مطلوب ؟
غالب الإعلانات في مملكة البحرين تحمل علامات ودلالات تبثها الشركات المعلنة عبر الصورة التي تعكس فلسفة أعمالهم ونوع الثقافة التي تبث من خلالها. حيث يتعرض الأفراد لعدد هائل من الإعلانات التجارية خلال اليوم الواحد، وتتدفق بهدف إحداث تغيير في سلوكيات الأفراد وتشكيل ثقافاتهم، لا يمكن تصور حجم وخطورة الأثر الذي تحدثه دلالات والعلامات في ثقافات الأفراد وحضارتهم كل حسب فهمه وترجمته للرموز المخفية خلف الصورة.
كيف يتم تقسيم أبعاد الصورة الإعلانية ؟
الصورة الإعلانية ليست محايدة، بل يتحكم المعلن في إنتاجها وتسويقها وتحديد ما تحمل في جعبتها من السنن والعلامات والأهداف. فتحليل الصورة في الإعلان يحتاج إلى الغوص في أعماق تلك الرسالة للكشف عن معانيها ومحتوياتها في إطار المجتمع والبيئة التي تعبر عنها الصورة وتحولنا إلى ثقافة متلقي الرسالة. كل صورة تحتوي على مجموعة من الدلالات المفتوحة، وهكذا فإن تعدد القراءات فتتعدد الدلالات. في المقابل اختلافات القراءات ليس مفتوحاً إلى مالا نهاية، فهذه القراءات مرتبطة بالمعارف المستثمرة في الصورة: معارف لغوية، أنثرولوبوجية، تجريبية، جمالية. كل ذلك يقلل من تعدد القراءات المتاحة، للصورة بعدين متلازمين: البعد التقريري والبعد التضميني، من هنا يتبين للصورة دلالات وعلامات وقواعد متجذرة اجتماعيًا وثقافيًا وايديولوجية سائدة. تنقلنا إلى مستوى قراءة آخر، أي من نسق إلى نسق آخر.
كيف يمكن للشخص العادي تمييز هذا التقسيم لفهم ما هو مراد إيصاله؟
الإعلان هو وسيلة لتعريف الجمهور بمنشأة تجارية أو صناعية، أو إقناعه بفكرة معينة واختيار منتجاتها، وهو فن إغراء الأفراد والتأثير على السلوك بطريقة معينة. هنا على المتلقي التمعن في الصورة التي يحملها الإعلان ومحاولة قراءته بأبعاد مختلفة. على سبيل المثال :أعلنت إحدى شركات الاتصال في مملكة البحرين عن وجود خدمة سريعة للانترنت في المنازل، معبرة عن ذلك بصورة لها صبغة خليجية ، تبرز لنا الصورة الشاب الخليجي بملامح سمراء شرقية، و بلبس بحريني (ثوب بيضاء) تعكس هويته البحرينية، فالصورة هي إعلان لخدمة وفي ذات الوقت تعكس الهوية البحرينية من خلال الملابس الشعبية المعروفة في البلد، كما تتمحور جمالية الصورة بفكرة الإعلان ذاته، حيث قام المصمم بتكبير حجم جهاز الانترنت المنزلي إلى أضعاف الحجم الحقيقي للجهاز وكأن الخدمة تضاعفت، بينما حجم الجهاز في الواقع لا يتعدى 20*20 سم.
هل للإعلان تأثير على هوية العمل أو المشروع وكيف من الممكن لأصحاب الأعمال والمشاريع الاستفادة من هذا الأمر؟
صياغة الرسالة الإعلامية وكذلك استقبالها له تأثير كبير في نسبة المبيعات لذا يجب على أصحاب المشاريع الاهتمام الكبير بنصوصه البصرية المفتوحة على أكثر من تأويل، إذ لم يعد الإعلام المتخصص محتفظًا بقوالبه التقليدية وتصنيفاته المرتبطة بميادين محددة، إنما صارت رسائل هذا الإعلام في عصر الصورة وهيمنتها قابلة للتشكل بعيدًا عن الميدان الأصلي مع ضمان قوة تأثير قد تكون واضحة إن لم نقل كبيرة بفعل التأويل. على أصحاب المشاريع التركيز على أهدافه والقيم التي تميزه عن منافسيه كي يحقق أكبر قدر من الأرباح. إضافة إلى دراسة جمهوره المستهدف ومعرفة خصائصه الديموغرافية وماذا يحب وماذا يكره، من خلالها يحدد العلامات البصرية التي تدفعهم للشراء. كما يحدد نوعية الخط المستخدم ونمط الصورة والألوان المستخدمة، حيث كل لون له سيكولوجيا ومعاني معينة تنعكس على رد فعل الجمهور المستخدم.