*المحامي خالد علي سلمان

إن ظاهرة الاتجار بالبشر يمثل الوجه الحديث لظاهرة الرق والعبودية، وتحتوي على مجموعة من المظاهر كالاستغلال الجنسي بمختلف أشكالهِ والخدمات القسرية ونزع الأعضاء البشرية والاتجار بها، والاتجار بالأطفال لأغراض التسول والتجنيد في النزاعات المسلحة.

وتنتهك هذه الأفعال حقوق الإنسان كونها تمس كرامة الإنسان وحريته بأسوأ أشكال الاستغلال، كما وتعد جريمة ضد الإنسانية لما ينطوي عليها من عدوان على القيم الإنسانية والجماعات البشرية، حيث يجعل الإنسان محل للتداول واستغلالها بكافة الوسائل غير المشروعة وذلك بالمخالفة لتعاليم الأديان السماوية والقوانين والأعراف الدولية.

وقد أفادت تقارير "مكتب مراقبة المخدرات ومكافحة الجريمة" التابع لمنظمة الأمم المتحدة العالمية إلى أن الاستغلال الجنسي والعمالة القسرية هي أكثر أنواع جرائم الاتجار بالبشر شيوعا وانتشارا في العالم؛ وتشكل النساء والأطفال معظم الضحايا، فيما تتبعه العمالة القسرية بنسبة لا تقل خطورة، حيث يتم استخدام الأطفال في مختلف الصناعات والنشاطات.

في السنوات الأخيرة، توالت الجهود والمبادرات العالمية لمكافحة هذه الجريمة، مثل البروتوكول العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، والاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي تتضمن مكافحة ومنع ومعاقبة تهريب الأشخاص والاتجار بالبشر؛ وفي هذا الإطار أخذت مملكة البحرين على عاتقها المضي قدماً في مسيرة الإصلاح البنيوي لكافة مؤسساتها بما يتوافق مع التعهدات الدولية، وخصوصاً في مجال تعزيز حماية حقوق الإنسان، من خلال تكثيف جهودها التنفيذية والتشريعية لبناء قانوني يضمن تنفيذ كافة الالتزامات الدولية.

إذ نجد الأطر القانوني المكافحة لجريمة الاتجار بالبشر في البحرين في قانون العقوبات البحريني رقم (15) لسنة 1976 وتعديلاته، ومرسوم رقم (23) لعام 1976 المتعلق بقانون العمل المنظم لتشغيل الأحداث والنساء، ومرسوم رقم (16) لسنة 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وقانون النقابات العمالية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002؛ والقانون رقم (19) لسنة 2006 المتعلق بتنظيم سوق العمل، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر عام 2008، الذي يعرف حالات الاتجار بالأشخاص ويفرض العقوبات على كل من يقوم بحجز حرية العامل واستغلاله والاتجار به، ويضع عقوبات بالسجن لمدة تتراوح ما بين 3 سنوات إلى 15 سنة.

وقد عززت البحرين جهودها الدولية من خلال الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبرتوكولين المكملين لها بموجب القانون رقم (4) لسنة 2004م.

وقد أوفت البحرين بكلفة التزاماتها الدولية في مجال مكافحة الاتجار بالبشر مما جعلها في المستوى الدول الأولى، وحققت بذلك إنجازات هامة في هذا الإطار من خلال إدانة القضائية لبعض الأشخاص، إلى جانب اتخاذ خطوات فعالة في مجال إصلاح نظام الكفالة بالعمل على تقديم برامج يسمح لبعض العمال غير الحاملين للوثائق بحماية أنفسهم، وإطلاقها عقود عمل ثلاثية موحدة للعمال المنزليين، هذا إلى جانب حملات التوعية في جميع أنحاء المملكة، وإعلام كافة العاملين المهاجرين الوافدين بحقوقهم التي نص عليها القانون البحريني.

فوفقاً للقانون رقم 1 لعام 2008 نص على عقوبات تتراوح بين 3 سنوات و15 عام وغرامة ما بين 2000 إلى 10000 دينار بحريني وتكلفة إعادة الضحايا إلى أوطانهم، وهذه التشريعات الصارمة كافية بما فيه الكفاية لمكافحة هذه الجريمة.

زادت الحكومة البحرينية من إجراءاتها التنفيذية لمكافحة الاتجار بالبشر من خلال تعاونها مه مجموعة من المنظمات الدولية، ففي مايو 2017 تم إطلاق اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص (ncctip) من أجل تحدد آلية الإحالة الوطنية على نطاق الحكومة، وتبسيط عملية تحديد هوية الاتجار بالبشر شكل استباقي، من خلال إحالة القضايا على وزارة الداخلية ومكتب المدعي العام، مع توفير أحكام وقائية مناسبة للضحايا إلى حين حل القضية أو الإعادة الطوعية إلى أوطانهم. إلى جانب توزيع كتيبات إرشادية ثنائية اللغة الإنجليزية والعربية على جميع الوزارات المعنية وعلى أصحاب المصلحة غير الحكوميين تبين فيه حقوق المهاجرين القانونية في البحرين وإرشادات لتفادي استغلالهم من قبل تجار البشر.

هذا إلى جانب تأسيس صندوق لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر من خلال منحهم مساعدات صغيرة لإعادة تأسيس أنفسهم سواء في البحرين أو في وطنهم الأم حسب رغبتهم، مع إعطائهم تعويض شهري في حال بقائهم في البحرين لإتمام المحاكمة الجنائية.

كما تم إنشاء أول مركز شامل من نوعه إقليمياً لإيواء ضحايا الاتجار بالأشخاص وفقا للمواصفات والمعايير الدولية، وبطاقة استيعابية قدرها 120 شخصاً وذلك برغم أن أعداد الضحايا لا تصل لنصف هذا العدد، ويشمل المركز بالإضافة إلى الإيواء خدمات متكاملة صحية ونفسية وقانونية وأمنية واجتماعية، ليكون مركز متكامل لصالح ضحايا للاتجار بالأشخاص.

ولا ننسى التدابير المتخذة من قبل الأجهزة التنفيذية، من خلال إ إنشاء وزارة الداخلية وحدة متخصصة لجرائم الإتجار بالأشخاص؛ وعدم تسفير الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة لأي عامل أجنبي إلاَّ بناء على أحكام أو أوامر قضائية؛ وتلقي الشكاوى من خلال الخط الساخن؛ إلى جانب تقديم الدعم النفسى وتدبير أماكن الإيواء اللازمة للضحايا؛ والتنسيق مع سفارات ومكاتب العمالة الأجنبية في شأن الضحايا الأجانب لتذليل العقبات التي قد تصادفهم؛ والتوصل إلى ما يساعد على توفيق أوضاعهم.

هذا الأمر جعل المملكة انطلاقا من مجهوداتها الوطنية والدولية في التصنيفات الأولى TIER1 للدول المكافحة بالاتجار بالبشر، وهو ما أكده التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2018، وبذلك تعتبر البحرين أولى الدول في الشرق الأوسط الحاصلة على هذا الترتيب،

إن هذا النجاح يعكس رؤية جلالة الملك المسيرة التنموية المباركة التي يقودها جلالته في تعزيز الوعي بثقافة حقوق الإنسان وتدشين أفضل الممارسات الرامية إلى حماية الأشخاص من الاستغلال والتي استطاعت من خلالها تأكيد دورها وريادتها في تنفيذ برامج متقدمة في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص والتي من بينها برنامج إيواء العمالة الأجنبية ومركز حماية ودعم العمالة الوافدة، وتدشين صندوق لدعم ضحايا الاتجار بالأشخاص بهدف تحسين أوضاعهم الإنسانية والمالية للعمالة في مملكة البحرين.