سماهر سيف اليزل

حين فضل الله الشهور عن بعضها اختار رمضان ليكون الشهر الفضيل والمبارك، وحين فضلت الأيام كانت العشر الأواخر، ومن الليالي كانت ليلة القدر، و أوصى الله ونبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الشهر وهذه الأيام وهذه الليلة دونا عن سائرها، لذلك فعلى المسلم المؤمن الراغب بالفوز في دنياه وآخرته اغتنامها فكما يقال الوقت كالذهب لكن في الحقيقة فإن الوقت هو الحياة التي هي أغلى من الذهب.

وتعتبر العشر الأواخر حياة وارفة بالأجر، والمغفرة ، وبتكفير الذنوب، فطوبى لمن فاز بها قياما واحتسابا وبلغ ليلة القدر فيها ، تلك الليلة التي تعادل ثلاثة وثمانين عاما يضاف فوق عمر الإنسان، وأجر فوق أجره، وقدرا فوق قدره لقوله تعالى " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" ، هي ليلة تقدر فيها الأرزاق والآجال ، تتألق بها الأخلاق ويتغير فيها الحال ، فاغتنموها واستثمروا الشهر خير استثمار ففيه من الخير الكثير والعظيم والجلل.

يقول الشيخ عبد الله المناعي: اتَّقوا الله واعلَمُوا أنَّكم في شهر الصيام والقيام، وجَزاؤهما للمُؤمِنين المُحتَسِبين مغفرة الذنوب، وفي شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة من لَدُن علاَّم الغيوب، وتذكَّروا أنَّكم في شهر القرآن والقرآن يَهدِي للَّتي هي أقوم ، وشهر الإحسان وربك بالمحسنين أرحم ، وفي شهر الذِّكر وقد أعدَّ ربُّكم للذاكرين والذاكرات مغفرةً وأجرًا عظيمًا ، وفي شهر الدُّعاء وقد أخبر ربُّكم أنَّه سبحانه قريبٌ من داعية يَسمَعه إذ يُناجِيه فآمِنُوا بربِّكم واستَجِيبوا له لعلَّكم ترشدون، وادْعُوه مُخلِصين له الدِّين لعلكم تُفلِحون، وتذكَّروا بتصرُّم الأشهُر تصرُّمَ الأعمار، وبسرعة مُضِيِّ اللحظات سرعةَ الوقوف بين يدي الواحد القهَّار، فقدِّموا لأنفُسِكم خيرًا تَجِدوه ، وتنافَسُوا في الصالحات تحمَدوا العاقبة في الحياة وبعد الممات ، وتُوبوا إلى الله من أوزاركم فإنها حملٌ ثقيلٌ، وإنَّ أمامَكم عقبة كودا لا يَتجاوَزها إلاَّ المخفون .

ويواصل الشيخ المناعي: اعلَمُوا أنَّكم تستَقبِلون في بقيَّة شهركم وآخِرُه خيرٌمن أوَّله ، وفي كلٍّ خير العشرَ الأواخر منه التي اختصَّها الله بالأجور الكثيرة والخيرات الوفيرة إنَّ ربك حكيم عليم ولعلَّ من حكمة ذلك أنْ يتبيَّن المُسارِعون في الخيرات السابقون إلى المغفرة والجنَّات ممَّن يتبعون الشهوات ويستَثقِلون الطاعات﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾

ويضيف الشيخ المناعي: "لقد أقسم ربُّكم بليالي العشر الأواخر من رمضان في قوله: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ وفي ذلك تنبيهٌ على شرَفِها وفضلها وعظم بركتها ، وحث المخاطبين على اغتِنامها والتقرُّب إلى الله بما شرَع فيها من أنواع الطاعات، وجليل القُربات فإنها أفضَلُ ليالي السَّنة على الإطلاق ومن شرَفِها أنَّ فيها ليلةَ القدر وهي ليلةٌ مُبارَكة فالعَمَل فيها خيرٌ من ألف شهرٍ خالية منها ، وتِلكُم ثمانون سنة وكم من معمَّر لم يستَكمِلها فهي ليلةٌ تعظم فيها للقائمين الغَنائِم ، وتُحَطُّ الأوزار وتُغفَر العظائم ، لذا كان نبيُّكم صلَّى الله عليه وسلَّم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره فكان إذا دخَل العشر شدَّ المِئزَر أي" اجتهد في العبادة وشمَّر في الطاعة" واعتَزَل النِّساء وتفرَّغ للإقبال على ربِّه بتلاوة القرآن والذِّكر والدُّعاء وكان يُحيِي غالب ليله ويُوقِظ أهله ليُنافِسوا في الخير ويفوزوا بعظيم الأجر، ويشهدوا دعوةَ صالحي الأمَّة، ويحضروا مَواطِن تَنَزُّل الرحمة فتنافَسُوا في الاجتهاد في العمل الصالح طلبًا للخير في هذه الليالي العظيمة، وإحياءً لهذه الشعائر الكريمة ولسنة النبي المصطفى" .