في البحرين ما لا يقل عن 1.6 مليون طن من النفايات بشكل سنوي، ويُشكل التخلص من النفايات بطريقة سليمة هاجساً لدى جميع الدول. أولاً لما يشكله من خطر كبير على الصحة العامة وانتهاءً بتأثيره على البيئة والبلد بشكل عام.
الخيارات المتوفرة والسليمة في وقتنا الحاضر تنحصر في تقليل الأثر السلبي للنفايات من خلال إعادة تدوير المصنّع منها مثلاً إلى منتجات أخرى، أو تسريع عملية التحلّل للنفايات التي تكون نفايات طبيعية قابلة للتحلل والرجوع للنظام البيئي دون إحداث أي مشاكل بيئية.
مشروع " أي تدوير" لإعادة التدوير ، هو مشروع الشاب البحريني جعفر الحمد يبلغ من العمر 28 عاما ، وحاصل على شهادة البكالوريوس في المحاسبة من جامعة البحرين، يعمل في عدة شركات في مجال تكنولوجيا المعلومات كمحاسب ثم تطور لمدير مشاريع حتى هذه اللحظة ، ويتطلع الشاب جعفر الحمد من خلال مشروعه إلى تطوير آلية تنظيم لعملية إعادة التدوير يمكن تطبيقها في مختلف الدول الخليجية ودول المنطقة.
تحدث الشاب جعفر الحمد قائلا: بدأت قصتنا منذ حوالي ثلاث سنوات في مكتب الشركة، عندما لاحظت كمية الورق والبلاستيك التي كنا نتخلص منها في القمامة، رغم كونها شركة لتكنولوجيا المعلومات، فتم استخدام الورق بشكل كبير في عملنا ، لذلك بحثت عن حل صديق للبيئة يمكننا اعتماده بدلاً من ذلك ، وبعد البحث، اكتشفت أن لدينا "شركات لإعادة التدوير" تجمع للورق، والبلاستيك، والنفايات المعدنية من الأماكن السكنية ومكاتب الشركات ، وعندما تواصلت معهم عبر الهاتف، وصلوا مشكورين إلى مكاتبنا ووضعوا صندوقين للفرز ، و في كل مرة كانت تمتلئ، كنا نتواصل معهم على رقم الهاتف المحمول المخصص لهم.
وأضاف الحمد أن بعد فترة من الوقت، أدركت أن الاتصال بالشركة لجمع النفايات المفرزة كانت غير فعالة وتستغرق وقتًا طويلاً، اعتدت على تكرار نفس المعلومات في كل مرة؛ الاسم والعنوان الكامل ووصف الموقع ، ما كان محبطًا لنا وللكثير ممن أرادوا العمل على إعادة التدوير هو أن مثل هذه الشركات كانوا كثيراً ما يفتقرون إلى الدقة في المواعيد وأحيانًا كثيرة لا يردون على المكالمات. لذلك، بدأنا في تحليل مثل هذه المشكلات التي يعاني منها الناس الذين يودّون التغيير نحو إعادة التدوير وإيجاد حلول فعّالة باستخدام التكنولوجي والوسائل الحديثة المبتكرة.
وأوضح الحمد أنه يمكن تلخيص فكرة مشروع "آي تدوير" في إنشاء آلية تواصل فعّال بين الناس من جهة ومصانع وشركات إعادة التدوير من جهة أخرى، وتشجيعهم على التغيير نحو إعادة التدوير، ونعمل حالياً من خلال نظام وتطبيق ذكي يسهّل هذه العملية ويشجّع الناس على التدوير عبر وسائل حديثة، ويساعد مصانع وشركات إعادة التدوير على إدارة عملياتهم بشكل فعّال ورفع كفاءتهم، وكذلك الجهات الحكومية المسئولة على متابعة وتحليل توجه الناس نحو إعادة التدوير، مضيفا أنه على المستوى الوطني، سيساهم هذا التطبيق في تحقيق البحرين لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وهي 3 أهداف بالتحديد (الهدف 9: الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، الهدف 12: الاستهلاك والإنتاج المسئولان، الهدف 13: العمل المناخي) .
وقال الحمد : يعمل على المشروع حالياً أربعة أشخاص، كمطوّرين تقنيين وأخصائيي تحليل وماليين، وانتهينا تقريباً من النظام الذي يعمل على الحوسبة السحابية (Cloud-based)، والذي سيتم استعماله من قبل مصانع وشركات إعادة التدوير كبداية، ونعمل كذلك على التطبيق كخطوة تالية. ونسعى لتنفيذ المشروع بحيث يخدم الجميع ويشكّل أثرًا إيجابيًا على الجميع (win-win).
ثقافة إعادة التدوير
وعن الرسالة التي يريدون توجيهها من خلال هذا المشروع ، قال الحمد: بدأنا منذ حوالي سنة بهدف كبير وهو تمكين الناس من إعادة التدوير، وتطوّرت فكرتنا كثيراً طوال تلك الفترة حيث أخذنا على عاتقنا تطوير آليّات فعّالة لنقل عملية إعادة التدوير إلى مستوى مختلف تماماً ويشكّل حلاً للمشكلة ووسيلة يستفيد منها جميع الشركات والمصانع التي تعمل في مجال إعادة التدوير.
وأضاف إننا حصلنا على جوائز لمشروعنا "أي تدوير" ، جائزة تقديرية من خلال مسابقة Startup weekend، وجائزة اختيار الجمهور في مسابقة مشروعي والتي انتهت في مارس 2019 (الشهر الماضي)، وتأهلنا كذلك لنهائيات مسابقة "رواد في القصر" (Pitch @ Palace) ضمن 12 مشروعًا، والتي أقيمت بدعم تمكين أيضًا في نفس الشهر.
وعن استعماله من قبل الناس والشركات، قال الحمد: سيتمكن الناس من الوصول لكل الوسائل المتاحة بما يتعلق بإعادة التدوير، كإرسال طلب استلام ما تم فرزه من نفايات في المنزل أو المكتب ببساطة وسرعة كبيرة عن طريق التطبيق، وكذلك إيجاد المعلومات التي تتعلق بإعادة التدوير كمواقع فرز النفايات على الخريطة، ومعلومات أخرى تتعلق بالتوعية حول أهمية إعادة التدوير. بالإضافة إلى وسائل تشجيعية وتحفيزية على التدوير ، ومن جانب الشركات والمصانع، فإنها ستتمكن من زيادة كفاءة عملياتها واستغلال مواردها بشكل أفضل عبر نظام متكامل يساعدها كذلك في التواصل الفعّال مع الناس. أما بالنسبة للشركات التي نتعامل معها في مشروع إعادة التدوير مصنع الماجد لإعادة التدوير ومصنع التاج لإعادة التدوير.
وتابع: استفدنا من خبراتنا في مجال برامج تخطيط موارد المؤسسات (ERP) التي قمنا بتطويرها لعدة شركات في مختلف المجالات في البحرين ودول الخليج. ووظّفناها في تصميم برنامج لإدارة عمليات إعادة التدوير خصّيصاً، ويكون البرنامج أيضاً مرتبطاً بتطبيق عام لجميع من يود التفاعل مع عملية إعادة التدوير.
تفاعل الجمهور
قمنا بالتأكد عبر طرقٍ مختلفة من تفاعل الناس مع الفكرة الأساسية للمشروع، وشعرنا بثقة أكبر بأن ما نقدمه ذو قيمة فريدة. ومؤخراً، ناقشنا الفكرة مع أحد رجال الأعمال، وأخبرنا أنه منذ بضع سنوات خسر -للأسف- مع بعض المستثمرين ما مجموعه مليون دينار بحريني تم استثماره في مصنع لإعادة التدوير أُغلق بسبب عدة صعوبات واجهوها. من أهم أهدافنا الرئيسية هو مساعدة شركات ومصانع إعادة التدوير مثل هذا المصنع على تأمين تدفق العمل بشكل مناسب ومنظّم وتحسين إدارة عملياتها، والأهم من ذلك، المحافطة على الربحية والنمو في ظل التحديات التي تصيب مجال إعادة التدوير، وبالتالي استدامة إعادة التدوير.
وبسؤاله عن كيفية إعادة تدوير المخلفات في هذا المشروع أو من خلال التطبيق ؟، قال سيساعد التطبيق الناس على التواصل الفعّال مع مصانع وشركات إعادة التدوير، لذلك يشكّل أداةً مهمة في تمكين الناس من الوصول إلى المعلومات وآليات إعادة التدوير بسهولة، وكذلك انتشار هذه الثقافة بشكل أكبر عبر وسائل حديثة وأكثر تأثيراً. ما يفتقر العديد من مصانع وشركات إعادة التدوير هو النظام المخصص والمصمم خصيصاً لإعادة التدوير.
أثر إيجابي
وأكد الحمد أن من الأسباب الرئيسة التي يتوجب علينا الاعتماد على التكرير وإعادة التدوير في وقتنا الحاضر هي التعامل مع النفايات بشكل سلبي يؤدي بالنتيجة إلى إحداث خلل ومشاكل بيئية جسيمة لا يُحمد عقباها. ومن خلال إعادتنا للتدوير نقلل بشكلٍ كبير هذا الخطر في المقام الأول، ونسعى إلى إحداث أثر إيجابي أكبر على المدى الطويل في المقام الثاني. بالإضافة إلى ذلك فإن إعادة تدوير المواد بدلاً من صناعة أخرى جديدة مماثلة لها يوفّر من استهلاك المواد الخام الأولية في تصنيع الجديد منها، والموارد تشمل المياه والطاقة والمواد الأولية. بالتالي فإن إعادة التدوير تكلف ليس أقل من ذلك ويستهلك كمية أقل من الطاقة، حيث يدفن أو يحرق كل 10 آلاف طن من النفايات يحتاج 6 وظائف فقط، بينما يمكن من خلال عملية إعادة التدوير -حسب إحصاءات عالمية- توفير 36 وظيفة، وذلك لما يمكن أن تخلقه عملية إعادة التدوير من وظائف ثانوية تعتمد على إنتاج مواد أخرى بدلاً من التخلص منها بالدفن أو الحرق.
وقال إنه ينبغي أن تكون إعادة التدوير إلزامية ولكننا كفريق مشروع "آي تدوير" نؤمن بأن التغيير يجب أن يكون بشكل إيجابي وتدريجي من خلال تشجيع الناس على هذا الخيار عبر التوعية والتشجيع بكل الوسائل المتاحة، وبالتالي يكون الإلزام للناس أكثر إقناعاً وتأثيراً على المدى البعيد، لأن الهدف في النهاية هو خلق توجّه وتغيير مستدام. وفي الأساس، حسب استطلاعاتنا التي أجريناها مع الناس، فإن عدداً كبيراً من الناس يريد أن يتبنى خيار إعادة التدوير لو وجد الأداة المناسبة أو المرجع الذي يزوّده بالمعلومات اللازمة والتواصل الفعّال مع المؤسسات التي تتبنى هذا الخيار.
تدوير 50%
وعن إعادة التدوير اليوم، قال إن بفضل التطوّر العلمي والتكنولوجي فإن هذه الفجوة بين ما يمكن تدويره وما لا يمكن تدويره تتقلص يومًا بعد يوم. ما بقي في قائمة المواد التي يصعب تدويرها هو بعض المواد الكيميائية والمواد الثقيلة في الغالب ، والسؤال يبقى عن المواد التي تقبلها مصانع إعادة التدوير في كل بلد أو منطقة، وهو غالباً أحد المواد التالية: البلاستيك، الورق، المعادن، الزجاج، المطاط.
من بين مجموع النفايات التي تنتجها في البحرين 50% على الأقل يشكّل نفايات لإعادة التدوير. مضيفا أن حاويات إعادة التدوير مخصصة في أغلب مناطق البحرين للمواد التالية: البلاستيك، الورق، المعادن، الزجاج. وكلّما زاد الاهتمام بإعادة التدوير في البحرين، فإنه من الممكن أن تضيف مصانع إعادة التدوير أي مواد أخرى على قائمة المواد التي تستطيع استلامها.
وعن أنواع إعادة التدوير ، أكد أن نعم هناك أنواع عدة ، وفي الغالب ما يتم الآن هو إعادة التدوير الميكانيكية أي إرجاع النفايات إلى مواد أولية تصنّع كمنتجات مجدداً، ولكن ما تم تطويره في السنوات الأخيرة هو عملية التدوير الكيميائية والتي تُرجع النفايات إلى عناصر أو جزئيات كيميائية أبسط، وهو ما يرفع نسبة إمكانية إعادة تدوير معظم النفايات إلى حوالي 95% وبالخصوص النفايات الصلبة الملوثة بأخرى قابلة للتحلل كبقايا الأطعمة وغيرها.
وأشار إلى أن هناك اليوم عجزا في تنفيذ خطط شاملة لإعادة التدوير وبشكل أشمل التعامل الصحيح مع النفايات ، يمكننا القول أن النفايات تهدد نظامنا الغذائي لأنه نسبة كبيرة من النفايات اليوم تُلقى بها في المحيط، والتي تشكّل الكمية التي تشع شاحنة مخلفات كلمة تُلقى في المحيط كل دقيقة حول العالم. مما يعني أن الكثير من الكائنات البحرية يمكن أن تتناولها.
وأخيرا قال الحمد: لقد قطعنا شوطاً كبيراً ومهماً في عملية البحث والتطوير، ونحن نسعى الآن إلى إيجاد مستثمرين في فكرة فريدة مثل هذا المشروع والذي يحتاج مبلغ 60 ألف دينار لتوظيف فريق يتمتع بالخبرة والكفاءة لإحداث تغيير حقيقي في بحريننا العزيزة بل في كل بلد يتوسع إليه المشروع بإذن الله.