توقعت دراسة حديثة نوقشت في كلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي أن تزيد ظاهرة تغير المناخ، المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، من الضغوط الواقعة على المياه الجوفية وتفاقم من معدلات استنزافها، داعية إلى المحافظة على المياه للقيام بأدوارها المختلفة وخدمة أهداف التنمية من خلال وضع وتنفيذ خطط واستراتيجيات الإدارة المستدامة للمورد المائي الجوفي الذي يمثل المصدر الرئيس للمياه.

وأكد الباحث خليل جمعة اللواتي، خلال مناقشته نتائج أطروحة الماجستير التي حملت عنوان "تقييم استدامة نظام إدارة المياه الجوفية المتجددة في سلطنة عمان (دراسة حالة حوض وادي المعاول)"، أن الإدارة السليمة للمياه الجوفية تعتمد على تطبيق مبادئ الإدارة المتكاملة لموارد المياه الجوفية، مع غيرها من الموارد الطبيعية، والمياه لها العديد من الأبعاد فهي أحد حقوق الإنسان الأساسية، ولها بعد اقتصادي حيث تعتمد عليها العديد من الأنشطة الاقتصادية للمجتمع، وكذلك بعد صحي إذ تمثل أهم عناصر النظافة الإنسانية، وأبعاد اجتماعية وثقافية ودينية.

من خلال تقييم مستوى إدارة المياه الجوفية في "حوض وادي المعاول"، والذي يمكن اعتباره ممثلاً لأحواض المياه الجوفية في سلطنة عمان، تبين وجود قصور وثغرات في تطبيق الأدوات الفنية والترتيب والوسائل المؤسسية والإجراءات الإدارية، وتبين أن مستوى إدارة المياه الجوفية لا يتناسب مع مستوى استغلال المياه الجوفية، وبأن الأدوات والوسائل والإجراءات يتم تطبيقها في مستويات متدنية جداً، وفي بعض الأحيان تكاد تكون معدومة.

ويظهر هذا القصور بشكل واضح في مواضيع الترتيب المؤسسي لإدارة الحوض ومشاركة أصحاب المصلحة، وتوزيع حصص المياه حيث يمكن لأصحاب الآبار سحب أي كمية يريدونها بدون سقف، وتطبيق الأدوات الاقتصادية، حيث يتم التعامل مع المياه الجوفية في "وادي المعاول" على أن ليس لها قيمة اقتصادية وهي مجانية الاستعمال، كما هو الحال في بقية الأحواض المائية في السلطنة. كما بين التقييم قصور في عدد من الأدوات التقنية، حيث لا يتوفر للحوض نموذج محاكاة رياضي لمساندة عملية اتخاذ القرار بشكل مستمر، وهو ما حاول الباحث التغلب عليه بتطوير نموذج رياضي للحوض.

وطالب اللواتي بإجراءات تدخلات إدارية رفيعة المستوى على المستويات الفنية والمؤسسية والإدارية في "وادي المعاول" لرفع مستوى إدارة المياه الجوفية في المستجمع المائي، داعياً إلى التركيز على إدارة الطلب والحماية من التلوث والقيام بإجراءات إدارية للحد من استنزاف المياه من الأراضي الزراعية وعدم التوسع في المساحات الزراعية، إلى جانب تركيب العدادات وفرض نظام مناسب لتعرفة استخدام المياه الجوفية وتحديث بيانات السحب وبيانات جودة المياه بشكل دوري.

وفي هذا السياق، تطوير الباحث نموذج رياضي يمثل ويحاكي النظام الرياضي، من خلال تحديث نموذج رياضي تم إعداده سابقا حيث صمم النموذج ليكون أكثر دقة من حيث حجم الخلايا ومواقع السحب وتدقيقه وإعادة معايرته، وبعد ذلك تم استخدامه في التنبؤ المستقبلي للمستويات المائية ومعدلات غزو مياه البحر للخزان تحت عدد من السيناريوهات للفترة ما بين 2018 و2035.

وأوصى البحث بضرورة تحديث النموذج الرياضي لحوض "وادي المعاول" بشكل مستمر، واقتراح سيناريوهات مختلفة للضخ لتقدير سلوك الخزان الجوفي، وربطه بعملية اتخاذ القرار لاستخدامه في دعم ومساندة تخطيط وإدارة المياه الجوفية في الحوض. كما أوصى بإضافة نموذج رياضي لمحاكاة حركة الأملاح والملوثات لنموذج التدفق الحالي ودمج نماذج المناخ والنماذج الهيدروجيولوجية للحوض مع النموذج الرياضي للمياه الجوفية.

وقال اللواتي: "يمثل استخدام المياه المعالجة ثلاثياً أحد أهم الخيارات المستقبلية للإدارة المستدامة للمياه الجوفية والتكيف مع ظاهرة تغير المناخ في السلطنة، وخصوصاً أن هذه المياه ستتزايد مع الوقت بسبب النمو السكاني والتوسع الإسكاني، وبالتالي زيادة معدلات المياه البلدية المستهلكة، لذا هناك ضرورة قصوى للاستفادة من هذه المياه، ويمكن استخدام هذه المياه بشكل مباشر من خلال استخدامها في الري الإنتاجي والتجميلي وإحلالها محل المياه الجوفية المستخدمة حالياً".

وأكد ضرورة التركيز على توعية المزارعين وتشجيعهم على استخدامها، والاستفادة من هذه المياه بشكل غير مباشر من خلال التغذية الصناعية للمياه الجوفية، وتعزيز المخزون الجوفي في المناطق المناسبة بعد إجراءات دراسات تقييم المخاطر الصحية والبيئية لها.

أشرف على الدراسة كل من أستاذ إدارة الموارد المائية بجامعة الخليج العربي الأستاذ الدكتور وليد زباري كمشرف رئيس، وأستاذ إدارة الموارد المائية بجامعة الخليج العربي الأستاذ الدكتور علاء الصادق كمشرف مشارك، فيما كان الدكتور عبدالهادي عبد الوهاب أستاذ علاقات المياه والتربية ومياه الري المشارك بجامعة الخليج العربي ممتحناً داخلياً، والأستاذ الدكتور عبدالعزيز البسام أستاذ الهيدروجيولجي من جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية ممتحناً خارجياً.