د.عبدالقادر المرزوقي

لا يختلف اثنان على أن الثقافة عابرة للقارات، بل عابرة للإنسان وعابرة للزمن، فالثقافة صورة شمولية يتخلق فيها الوعي الإنساني وتتشكل فيه الرؤى الإنسانية والمفاهيم السلوكية، التي تسعى الثقافة لتأصيلها بوعي جمعي لتكون ثقافة كونية.

من هنا جاءت فلسفة المهرجانات بدءاً من سوق عكاظ وتلك الخيمة التي تضرب للنابغة الذبياني في موسم محدد، لتتهاوى إليه أفئدة المبدعين من الشعراء لعرض منتجهم الإبداعي أمام جمع الحضور في منافسة تتقد فيها حاسة النقد بوعيها اللغوي والدلالي، مما جعل لتلك المواسم علامة بارزة في التاريخ الأدبي العربي.

وهكذا نرى امتدادات الثقافة وتوارثها عـبر الزمن لترسو في مراسي العصر الحاضر بإمكانياتها الحديثة وزخمها المتقد معرفة وفكراً، ينير جنبات الوعي الإنساني حتى غدت هذه المهرجانات أسواقاً عكاظية في حلة زاهية تهوي إليها قلوب المبدعين كما كان الأمر في مهدها الأول.

ولعل أهمية الثقافة تكمن في استنساخ المهرجانات الثقافية في الوطن العربي حتى أضحت وسماً مميزاً تتدافع إليه هيئات الثقافة والجهات المعنية بتلك الفعاليات لتعميق وجودها في المجتمعات العربية، ففي هذا الوقت من كل عام ينعقد مهرجان أصيلة في المغرب ويؤمه العديد من المبدعين من شعراء وروائيين وباحثين ونقاد وفق معايير إبداعية تحددها الجهات المنظمة للمهرجان، هذا إضافة إلى تنظيم احتفاليات متنوعة تحت مسمى جوائز إبداعية لكتاب الروايات والبحوث النقدية كجائزة البابطين والعويس وغيرها، وفي البحرين دأبت هيئة الثقافة على تنظيم مهرجان ثقافي كل عام تلتقي فيه الثقافة المحلية بالثقافة العالمية فتشكل مزيجاً إبداعياً يضع الثقافة البحرينية على الخريطة العالمية.

وهذا ما يقودنا إلى استكناه جدلية المهرجانات الثقافية وانفتاح الثقافات لتخرج من إطار المحدودية والمحلية إلى فكرة الثقافة الكونية وانسجام المنجز الإبداعي، في بوتقة الوعي في خطابه الإنساني.