جعفر الديري

حظيت مشاركة أسرة الأدباء والكتاب في موسم أصيلة الدولي (41) في المغرب، في الفترة من 2 إلى 6 يوليو الجاري، باهتمام النخب المثقفة، التي وجدت فيها بؤرة التقاء بين الكتاب والشعراء البحرينيين مع نظرائهم من الدول العربية والأجنبية.

ورآى مثقفون محليون أن مثل هذه الفعاليات، تفتح آفاقا أرحب للحوار بين حضارات العالم في مختلف الفنون الإبداعية، وتضيف مكتسبات إلى رصيد البحرين. ووجدوا في أيام أصيلة، امتدادا لوهج استمر لواحد وأربعين عاما.

وكانت أسرة الأدباء والكتاب قد تلقت دعوة من الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى، وقررت المشاركة بوفد ضم الشعراء إبراهيم بوهندي، قاسم حداد، علي عبدالله خليفة، وكريم رضي.

فضاء مشترك

وتناول كريم رضي موضوع المشهد الشعري في البحرين، في ورقة بعنوان (العبث المجدي)، قدمها في ندوة "الشعر في عالم متغير"، أكد فيها أنه "بدون أن يكون للشعراء فضاءهم المشترك في الوجود خارج النص -وخاصة حين نتحدث عن تجربة أسرة الأدباء والكتاب وهي تحتفي هذا العام بيوبيلها الذهبي - لم يكن ممكنا أن نرى ما يشبه الكتابة الجماعية للقصيدة وكأنها جدارية من جداريات أصيلة، وبحيث أنه في مرحلة ما ومع دواوين أكثر من شاعر، سنجد أنفسنا مع نشيد بل نشيج وطني إنساني مثل المارش. حيث عناوين (خروج رأس الحسين من المدن الخائنة)، (الدم الثاني)، (من أين يجيء الحزن)، (إليك أيها الوطن، إليك أيتها الحبيبة)، (أنين الصواري)، (الرعد في مواسم القحط).

أما في الجلسة النقدية حول محور الوسائط الناقلة وأفق الشعر، فتحدث قاسم حداد عن مفهوم "التحول" في شقيه الشكلي والتيمي، متأسفا لكون "كل ما يحيط بالواقع العربي لا يسمح بتحول إيجابي للمشهد الثقافي. الفعل الجوهري للتحول في حاجة إلى وضع حر وديمقراطي يتيح للثقافة أن تحقق نفسها"، مؤكدا أن الثقافة هي المؤشر الحقيقي إلى كل جهة تتخذ الديمقراطية شعارا لها.

الشعر بحسب حداد هو أكثر الفنون التعبيرية وجودا في خط المجابهة والنقد، وبالتالي فصعوبات تحقق الديمقراطية تخلق صعوبات موازية على مستوى حضور الشعر وتأثيره.

وتساءل حداد عن قيمة الشعر والإبداع داخل مجتمعات تبدو لها الثقافة عدوا، غير أنه أشاد بما صارت تتيحه وسائط التواصل الحديثة من حرية لم تكن متاحة من قبل.

وخلال الأمسيات الشعرية، ألقى قاسم حداد قصيدته "ظلام عليك أيها الجبل"، يقول فيها: "كان الجبل في أحداقنا/ ينقل أقدامه الزجاجية من حلم في هيبة البحر إلى حلم في أبهة النخيل/ ذهبنا لشحذ أعضائنا بأسنانه/ بصلافة صخوره وغدر نتوءاته/ فيما هو منشغل بصقل شظاياه/ مباهيا بهيبة مراثيه وبراثنه الباسلة".

غزل الطريدة

فيما صدح إبراهيم بوهندي، بقصيدته "غزل الطريدة"، يقول في مطلعها: متى يا ظبية القمر/ ويا مشدودة الأنفاس/ بين الحب والخطر/ متى أحظى بليل هادئ يمتد من عينيك للسحر"، تلاها بقصيدة "أبعد ظلك عن شمسي" منها: للشوق في لغة المحبة كل أسرار التجلي/ فأغمد سيوفك وابتعد/ ها قد فتحت على الهوى بابي/ وهيأني الحبيب لكي أصلي/ من كان في محرابه عشق الأحبة/ يصطفيه الحب/ يبعثه ليرسل حبره في ما يصوغ/ وما يجلّي".

أما الشاعر علي عبدالله خليفة، فألقى قصيدته "سرير الماء"، عبر فيها عن أوجاعه تجاه قضايا أمته ومجتمعه. وهو الشاعر الذي يعيش دوما –بحسب الكاتب عبد الجليل السعد من صحيفة الاتحاد الإماراتية- تجربة متألقة بها من الحداثة قدر ما بها من الجذور، تجمعهما تجربة إبداعية مميزة - خاصة على مستوى الخليج العربي - فيما يخص الكتابة العامية بالنفَس الحداثي.

"أصيلة" في البحرين

يذكر أن مملكة البحرين سبق وأن استضافت ملتقى "أصيلة" للثقافة والفنون نهاية ابريل 2004 ، في حدث استثنائي على مستوى الشرق الأوسط، نظم للمرة الأولى خارج حدود المملكة المغربية.

وعلق وقتها رئيس أسرة الأدباء والكتاب الشاعر إبراهيم بوهندي، على الحدث بقوله، ان هذه الخطوة موفقة ومهمة، لكنه طالب بدور أكبر للمؤسسات الثقافية في المهرجان، من مجرد الاستشارة، لافتا الى أن أسرة لأدباء والكتاب لها حضورها وتاريخها فحبذا لو أتيحت لها الفرصة للمشاركة بفاعلية أكبر.

وقال الروائي أمين صالح: أتصورها فعالية مهمة، نتمنى تكرارها وأن تكون لها فعاليات مشابهة، فهذا التعاون يشكل إضافة حقيقية، والمطلوب دعمه منا جميعا، مرجعا محدودية الفعاليات الثقافية في المهرجان مع صعود نظيرتها الفنية، إلى كون مهرجان البحرين أصيلة مستقى من تجربة الفنانين المغاربة في تشكيل أصيلة بالمغرب، فهي فعالية فنية أولا، ولكن هذا لا يمنع أبدا من أن نرفع توصياتنا بعد انتهاء المهرجان الى اللجنة المنظمة بمساحة أكبر للفعاليات الثقافية، فهذه هي السنة الأولى للمهرجان ولابد أن يكون هناك تعثر ما بشأنها.

ورآى الشاعر حسين السماهيجي أن (مهرجان البحرين أصيلة) يشكل إضافة مهمة جدا على صعيد التواصل الثقافي والإبداعي بين مشرق الوطن العربي الكبير ومغربه وهو، بحسب سياقاته المعروفة، يتيح لكل المهتمين بمختلف جوانب الإبداع الفرصةَ للتعاطي مع ما ينسجم مع أذواقهم وميولهم. كما نرى هذا المهرجان يحاول تقديم شيء جديد ومغاير. وبحسب البرنامج الذي اطلعنا عليه وتم نشره في الصحافة، نجد أن هناك محاولة - نتمنى لها التوفيق والنجاح - لجعل فعاليات المهرجان متنوعة وممتدة لتشمل مختلف مناطق البحرين، هذا مع الالتفات إلى أن ذلك يعتبر تحديا بحد ذاته.

ولفت إلى أن مهرجان البحرين أصيلة يمكن له أن يكون ظاهرة متفردة في المنطقة، ولكن بشرط الاستمرارية والتطوير. وعلى أية حال، فيجب عدم استباق الحوادث كي نستطيع الحكم على مدى نجاعة الفعاليات من خلال ما نراه ونلمسه.