تطرقنا في الأعمدة السابقة إلى البينة وتعريفها وأنواعها والبينة المقبولة والمرفوضة، وسوف أتناول في هذا العمود البينة المتحصل عليها بطريقة غير صحيحة بمخالفة التدابير السليمة للقانون وأثرها.
إن مسألة قبول البينة المتحصل عليها بمخالفة التدابير السليمة للقانون، والأحكام التي تحدد صحتها تقع حيث تتقاطع مصلحتين للمجتمع: الأولى يتولاها بشكل أساسي القانون، وهي توفير الأمن وما يتطلبه ذلك من أجهزة قادرة على اكتشاف الجريمة وعقابها. والثانية يتولاها بشكل أساسي الدستور، وتتعلق بتوفير الأمان وما يتطلبه من توفير الحق في الخصوصية، وفي الحرية الشخصية، وفي المحاكمة العادلة.
إن البينة التي تم الحصول عليها بمخالفة التدابير السليمة للقانون تعني أنه تم الحصول عليها بطريقة غير صحيحة أما بانتهاك القانون أو العدالة أو النظام العام، وهي حتى تعتبر مخالفة للشريعة فإنتهاك الحق في الخصوصية مثلاً ينتهك مبادئ الشريعة وقد روي عن عمر بن الخطاب إنه كان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتاً فارتاب وتسور فرأى رجلاً عند امرأة وزق خمر فقال: يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته؟ فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث: قال الله تعالى: ولا تجسسوا (1) وقد تجسست، وقال: وأتوا البيوت من أبوابها (2) وقد تسورت، وقال: إذا دخلتم بيوتاً فسلموا (3) وما سلمت. فقال: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، والله لا أعود. فقال: اذهب فقد عفوت عنك. والبينة التي تم الحصول عليها بانتهاك النظام العام تشمل انتهاك الحق في الخصوصية وسائر الحريات الدستورية لأن هذه الحريات لابد أن تكون من النظام العام.
إن المناط بهم مباشرة الإجراءات الجزائية هم جهات الضبط القضائي والنيابة، ويعتبر جمع الأدلة من أهم الأعمال التي تباشرها هذه الجهات لإثبات الدعوى الجنائية وإثبات عكس مبدأ أصل البراءة لأن كافة القوانين تحرم تقييد حرية الفرد دون مسوغ قانوني وأحد أهم هذه الإجراءات التفتيش الذي قد يؤدي إلى كشف الجريمة.
إن أمر التفتيش عندما نص عليه المشرع نص عليه بضوابط وقيود واضحة، بل محددة، لا مجال للاجتهاد بشأنها فالقاعدة العامة عدم جوازية تفتيش الأشخاص والأماكن وهو ما أكدته المادة (65) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني، إلا أنه استثناء يجوز التفتيش في الأحوال التي أوجبها القانون ووضع لها قيوداً وعندما حدد المشرع هذه الضوابط والقيود قصد أن تطبق، وألا يفتح أي مجال لمخالفتها بأي شكل من الأشكال، لخطورة أمر التفتيش، ومساسه الواضح بحريات الأفراد. ومن ثم فالمخالفة لأي قيد نص عليه المشرع يجعل أمر التفتيش باطلاً ومخالفاً للقانون و من هذه القيود أنه لا يجوز التفتيش إلا لضبط الأشياء الخاصة بالجريمة فقط , وأنه يجب أن يتم التفتيش في حضور المتهم أو من يمثله , وفي حالة - غيابه أي المتهم – يكون في حضور شاهدين كما وضع شروطاً محددة للشهود منها أن يكونا من أقارب المتهم البالغين أو القاطنين معه في المنزل أو جيرانه ، كما إن من اشتراطات إجراء التفتيش أن تكون الجريمة أو الجنحة الموجهة للمتهم معاقب عليها بالحبس ، وكل بينة يتم الحصول عليها بالمخالفة لهذه القيود والإجراءات تعتبر بينة متحصل عليها بمخالفة التدابير السليمة للقانون وعلى المحكمة إعادة النظر في تقييم هذه البينة قبل الاستناد عليها وهذا ما أكدته المادة (240) من القانون التي نصت على :( إذا تعذر تحقيق دليل أمام المحكمة جاز لها الانتقال لتحقيقه أو أن تندب أحد أعضائها لذلك) .
ختاماً فإن من أبسط القواعد القانونية، المستقرة فقهاً وقانوناً، هي أن من يطلب من الأفراد الالتزام بالقانون وحدوده وضوابطه، لحماية المجتمع وقيمه ومثله، لا بد أن يكون في المقام الأول ملتزماً بحدود القانون وضوابطه إذ من غير المعقول أن نخالف القانون أو نخرقه بحجة أننا نريد أن نحمي المجتمع من الخارجين على قوانينه فسيادة القانون لا تتجزأ.