د.عبدالقادر المرزوقي

الشعر العامي ورمزية الدلالة

الشعر العامي منجز إبداعي له خصوصيته وخصائصه التي تشكل نسقه الإبداعي، وهو فن يصدر عن موهـبة كما هـو حال الشعر الفصيح، ونحن حينما نتحدث عن الشعر العامي إنما نقصد ذلك اللون من الشعر الذي تتناسق فيه الصور الفنية لتعبر عن حالة مجتمعية لها انعكاس على الوعي الإنساني، ولقد زخرت المجتمعات الإنسانية منذ القدم بالشعر العامي لامتلاكه خاصية قبول اللغة المحكية لكل المتلقين سواء الطبقة المثقفة أو طبقة العامة.

وبالنظر إلى طبيعة الشعر العامي من حيث التركيب اللغوي والصور الفنية نجد أن هذا اللون من الشعر يقوم على ملامسة هموم الناس في صورة إيحائية أحيانا ومباشرة أحيانا أخرى، مما يؤسس قناة تواصل مباشرة بين الشاعر والمتلقي، ولعل حركة مشهد الشعر العامي في البحرين يضيء بقامات شعرية كان لها أثر فاعل في تطوير الشعر العامي كالشاعر علي عبدالله خليفة والشاعر علي الشرقاوي والشاعر إبراهيم بوهـندي والشاعر عبدالرحمن رفيع وغيرهم من الشعراء الذين لا يتسع المجال لذكرهم.

وقد انتقل الشعر العامي من صورته التلقائية إلى صورة أكثر تطورا، وذلك بتضمين النص العناصر الفنية الحديثة التي تقوم عليها القصـيدة الحديثة، فجاءت محملة بالمضامين الدلالية بما فيها من رمز وإيحاء وفكرة مركزية تدور حولها المفردات والعبارات، مما جعلته رديف القصيدة الحديثة.

ولعلنا نستطيع القول إن الشعر العامي قد أسهم بدور في مسيرة المشهد الثقافي الشعري لما يمتلكه من تشكلات جمالية ورؤى فكرية تنبع من عمق النظر في مضمون التراث وتوظيف اللغة المحكية المتداولة في نسج الصـور التي تتماهى مع وعي الطبقات الشعبية تعبيرا عن مكنونات واقعه. وفي هذا الصدد يقول الكاتب الكبير عباس العقاد في حديثه عن شعر بيرم التونسي العامي" إن اللهجة العامية التي اتخذها بيرم أداة له في الكتابة لا تتناقض أبدا مع العروبة والثقافة العربية، لأن بيرم لم يكن يكتب بالعامية ليعبر عما هو إقليمي ومحدود، بل ليعبر عن الروح العربية بلهجة شائعة من اللهجات التي يتكلمها العرب في حياتهم اليومية".