د.عبدالقادر المرزوقي
ثقافة القراءة
حدثني ابني عن بعض المشاهدات اللافتة للنظر في العاصمة البريطانية لندن، وهي ثقافة القراءة. ولعل الأمر في ظاهره يبدو طبيعياً من كون أن كل إنسان يقرأ، ولكن ما أود الإشارة إليه وهو أمر يتسم بالغرابة هـو وجود مكتبة صغيرة وضعت في محطات ما تسمى في لندن بقطارات تحت الأرض وهي ليست بخافية على أحد، هذه المكتبات يستطيع أي إنسان يستخدم هذا الطريق في تنقله اليومي المتكرر ذهابا وإيابا إلى مقر عمله أن يستعير أي كتاب دون وجود أي موظف لتتم عن طريقه الإعارة، وهكذا يستطيع أي فرد أن يأخذ أي كتاب يرغب في قراءته، ويعيده إلى المكتبة نفسها حين الانتهاء منها.
هـذا إذا أزحنا ظاهرة القـراءة في الحافلات والقطارات ومحطات وسائل النقل العامة، إذ يتبين لنا مدى عمق تغلغل ثقافة القراءة عند تلك الشعوب مما يثير مشهد المقارنة بين أولئك وبين شعوبنا التي تسخر جل وقتها في تصفح الهواتف الجوالة لتحل ثقافة الهاتف بدلا عن ثقافة الكتاب.
وكثيراً ما نردد مقولة "نحن أمة اقرأ ولكن لا نقرأ" حتى أفرغت من محتواها ومدلولها لتصبح جملة للاستهلاك القولي فقط. إن تاريخنا الثقافي يزخر بالعديد من المواقف الدالة على أهمية القراءة وأثرها في بناء كيان الإنسان، ولعله ليس ببعيد عن الذاكرة المعرفية سيرة الجاحظ الذي كان يكتري حوانيت الكتب ليقضي ليله في قراءة الكتب حتى لقى حتفه إثر سقوط الكتب عليه في أحد حوانيت الكتب كما تحدثت به كتب الرواة.
من هنا أرى أنه لا بد من تأصيل ثقافة القراءة وتذليل سبل توطينها في نفوس الناشئة بشكل خاص والمثقفين بشكل عام من أجل بناء جيل تتحقق فيه ثقافة القراءة كي يستطيع إعادة تدوير المنجز المعرفي وإنتاج وسم إبداعي يرقى بالفكر الإنساني.