* الطارقي: الحذر من صداقات "السوشيل ميديا" ووجوب الاحتياط منها
* مدن: تراجع العلاقات الإنسانية وتقلص الصداقات الحقيقية
* د.الحمادة: وجوب الرقابة على الصدقات الإلكترونية لسلبياتها الكثيرة
هدى حسين
ارتبط ظهور مفهوم الصداقة الإلكترونية مع ظهور شبكة الإنترنت، وتعددت أشكالها من "منتديات" سابقاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي حالياً. واستطاعت التكنولوجيا أن تخلق عالماً من التواصل الإنساني، حيث تضم حسابات الكثير من أصدقاء وصديقات افتراضيين قد يكون المئات منهم معرضين لمضايقات، الأمر الذي يسبب لهم أضراراً نفسية كما يشير له الكثير من علماء النفس والاجتماع. ويبقى التساؤل عما إذا كان أصدقاء "السوشل ميديا" يحلون محل الصديق الحقيقي؟
وحول ذلك، قال سلمان عيد إن "العلاقات في الواقع والشخصيات المختلفة في حياتنا تجعلنا نعرف كيفية التعامل معهم وما الكلام الذي يصح قوله أمامهم، في إطار الحدود الاجتماعية، لكن في العالم الافتراضي تلغي هذه الحدود خاصة عندما يشارك المستخدم كافة المعلومات الخاصة به مع الجميع، ونتيجة لذلك، قد يفقد الشخص الذي لديه مئات الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصيته، ويعرض نفسه لأضرار نفسية تطال سمعته، ويصبح ضحية لسوء استخدام البيانات من قبل الآخرين".
من جانبها، قالت ساجدة تركي إن "الصديق الإلكتروني لا يمكن أن يحل محل الصديق الحقيقي، لأن صديق "السوشل ميديا" سيكون منحصراً في هذا المجال للتواصل معه، بينما الصديق الحقيقي سيكون دائماً في قلب الواقع والحياة الشخصية".
واختلفت معها نور كويتان والتي أشارت إلى أن بعضهم يحل محل الصديق الحقيقي، وقالت: "البعض تكون علاقتي معه واضحة وصريحة وقائمة على الصدق والإخلاص وممكن أن نلتقي أيضاً في الحياة الواقعية، أما البعض الآخر لا يحل محل الصديق الحقيقي كون علاقتي معه سطحية في حدود تلك المواقع الإلكترونية فقط، ولكل منهم صفاته ومميزاته ومواقفه، كل هذا يظهر في المواقف".
وقالت دانه محمد، إن "الصداقة الإلكترونية هي أناس تجمعك فيهم شاشة، ولكن ربما يكونون أقرب لك من بعض الناس حولك، ومواقفهم معك عن ألف صاحب واقعي".
أما علياء الموسوي فقالت: "ليسوا جميعهم أصدقاء ولكن هناك فعلاً بعض المعارف التي من نتقاسم معهم الأمل والسعادة والجمال في مواقع التواصل الاجتماعي" .
وأكدت مريم خالد أن "الصديق الافتراضي الشخص لا تعرف بيئته أو خلفيته، وربما وراء الشاشة يكون مختلفاً تماماً عن الواقع، فالأصدقاء الحقيقيون هم من يقفون معك في الشدة قبل الرخاء ولا يتخلون عنك في أول موقف سيئ يحصل لك".
ويقول علي حسين إن "الصديق في السوشل ميديا لا يمكن أن يكون صديقاً حقيقياً حتى لو كان التواصل معه كل يوم وخلال 24 ساعة عبر تلك المواقع، الحب والاهتمام والخوف والإحساس بالراحة والمواقف الطيبة هي التي تجمع بين الأصدقاء الحقيقيين"، إلا أن عبدالله حسن أكد أن "الصديق الحقيقي سيكون ملازماً لك في شدتك ورخائك والمزيف سيكون ملازماً لك في رخائك فقط وبعيد عنك في شدتك".
الصداقة بين الجوهر والزيف
من جانبه، قال معلم التربية الإسلامية الحاصل على ماجستير في التفسير وعلوم القرآن موسى الطارقي: "لقد حث الإسلام على حسن اختيار الصديق لأهميته القصوى في التأثير على صديقه بل وجعله الإسلام ضمن أقرب الناس إليك، فقد جاء في سورة النور التي وضعت آداباً عظيمة تخص العلاقات بين الأقارب ومنها زيارة الأقارب ودخول بيوتهم والتواصل معهم، فذكرت السورة جميع الأقارب، وختمت الآيات بذكر الصديق ليدل على أهمية هذه العلاقة وأنه مثل الأقارب الذين يتصلون بالإنسان فقال سبحانه: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم) فجعلت الآيات الصديق من أهم العلاقات وأروعها بل وذكرتها مع أقرب الأقارب، ولاحظ أيضاً أن الآية ذكرت جميع الأقارب بصيغة الجمع إلا الصديق فذكرته بصيغة المفرد ليضيف معنا جديداً وهو أن الصديق القريب إلى النفس والأثر عليها نادر، ولا يصل إلى هذه المرتبة إلا القلة من الناس لتشير الآية بأهمية تخير الصديق. وعبر الحديث الشريف بعلاقة الصداقة وجعله الجليس الذي تأنس النفس به فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء: كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنةً". متفقٌ عَلَيهِ. وهذا يشير بأن اختيار الصديق له مكانة عظيمة وشأن كبير، فهو من يؤثر على سيرك في هذه الحياة فتنبه".
ويضيف الطارقي: "نرى اليوم نشوء صداقات سريعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشكل علاقات متشابكة مما يجعل الحذر منها والاحتياط فيها من أهم الواجبات، لقلة المصداقية فيها، مع عدم نفي النية الصادقة عند بعض الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي، والمطلوب من المستخدم لهذه الوسائل الحذر الشديد مع من تنشأ معهم الصداقة عبر هذه المواقع وعدم الإدلاء بمعلومات قد تضرك". ويضيف: "والحذر كل الحذر من الصداقة بين الجنسين -الشباب والفتيات- فإنها قد تجر ويلات لا تحمد عقباها على الطرفين أو أحدهما، فكم من ابتزاز حصل، وفضح لخصوصيات كان سببه صداقة إحسان أحد الطرفين الظن في الطرف الآخر، ثم كانت النتيجة عاقبة وخيمة وندماً".
المعارف كثيرة والصداقات قليلة
من جانبها، قالت الأخصائية الاجتماعية منال مدن إن "الصداقة من أسمى العلاقات الإنسانية و الاجتماعية، وهي علاقة بين شخصين أو أكثر تقوم على أسس راقية أهمها الصدق والإخلاص والتعاون والمودة وتتميز بالمنفعة المتبادلة في الظروف الصعبة".
وتؤكد على أن "الصداقة علاقة ثابتة ودائمة، ولها مراحل تختلف من فئة عمرية لأخرى، إلى جانب ثلاثة أبعاد وهي الاعتمادية المتبادلة التي يفترض أن يقدم كل طرف للآخر خدمات متنوعة مادية ومعنوية والميل إلى المشاركة في الاهتمامات وقدرة كل طرف على استثارة انفعالات قوية لدى الطرف الآخر ومن خلال ذلك تكتمل الصداقة".
وقالت مدن: "على الأشخاص وضع قوائم بأسماء أصدقائهم وتحديد العلاقة الاجتماعية التي تربطهم بهم، حيث إن هناك الكثير من الأسماء يتعلقون بأوقات الفراغ، أو ربما يتعلقون مناقشة الأمور المهمة، وهناك من تدعوه للذهاب إلى السينما، وهناك من تتصل له عندما تمرض أو في أثناء الانفصال عن شريك حياتك أو عندما تنتقل من عمل لآخر، قد تتضمن القائمة أكثر من شخص، وقد تتغير الأسماء بمرور الوقت، وإن صداقات بعينها قد تغيرت من فترة إلى أخرى، وهناك أشخاص يعتمدون على نفس الأصحاب الأساسيين وعلى عددهم بطريقة مذهلة".
وأوضحت مدن أن "اليوم مع تزايد الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت وسهولة التعارف، فقد تراجعت العلاقات الإنسانية واضمحلت وتقلصت الصداقات الحقيقية التي تتلاقى فيها التوجيهات الفكرية والوجدانية، وتم التعويض عنها بتلك العلاقات الرقمية، وقد أصبح صديق الإنترنت هو الذي نلجأ إليه ليسمعنا وهو الذي يدخل في تفاصيل حياتنا اليومية".
ولفتت مدن إلى أن "صداقة الإنترنت وإن كان البعض منها ناجح فهي لا تلغي أبداً العلاقة الحقيقية السامية التي تعتمد على اللقاء والحديث المباشر حيث تبرز فيها لغة الجسد بأحسن صورها، فالعلاقة التي لا يتم فيها تبادل المنفعة لا تستمر، وعلاقات الإنترنت غير حقيقة في أغلبها، وتظهر بألقاب وهمية ومعلومات مغلوطة وأهداف ونوايا سيئة حيث يتأثر بها الفرد والمجتمع".
وعن صداقة الرجل بالمرأة في مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف برامجها، قالت "إذا استطعنا أن نحافظ على الحيز الشخصي بين طرف والآخر مهما كانت علاقة الصداقة والتعارف قوية يفترض وجود حدود فاصلة، فالعلاقة المفتوحة 100% وكشف الذات للآخر بكل سلبيات وإيجابيات باعتقادي علاقة خاطئة ولا ترتقي لعلاقة الصداقة بأي شكل من الأشكال".
الصداقة والعالم الافتراضي
وقال استشاري الطب النفسي في مركز سلوان للطب النفسي د.عبداللطيف الحمادة إن "التكنولوجيا استطاعت أن تخلق عالماً جديداً من التواصل الإنساني والاجتماعي، فكان ظهور الإنترنت سبباً في ظهور مفهوم جديد للصداقة، وهو الصداقات الإلكترونية التي باتت ظاهرة منتشرة في شتى المجتمعات وتعددت أشكالها من مواقع ومنتديات ومواقع تواصل اجتماعي وغيرها".
وأشار د.عبداللطيف إلى أن "الأشخاص الذين لديهم الكثير من الأصدقاء أو المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي معرضون لفقدان الخصوصية وللمضايقات، الأمر الذي يتسبب لهم في أضرار نفسية عديدة، وأن الأشخاص الذين تضم حساباتهم مئات أو آلاف المتابعين أو الأصدقاء الافتراضيين، هم أكثر عرضة إلى تعليقات قد تسيء لسمعتهم وصحتهم النفسية، فكلما زاد عدد الأصدقاء بات من الصعب تحديد توجهاتهم وسلوكياتهم".
وأكد على أن "الحدود الاجتماعية تتلاشى في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عندما يشارك المستخدم كافة المعلومات الخاصة به مع الجميع، ونتيجة لذلك، يفقد الشخص الذي لديه عدد كبير من الأصدقاء أو المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصيته، ويعرض نفسه لأضرار نفسية بليغة كالقلق والاكتئاب واضطرابات الكرب واضطرابات النوم والأكل وغيرها، ويصبح ضحية لسوء استخدام البيانات من قبل الآخرين".
وحول الرقابة ، قال د.عبداللطيف إن "غياب الرقابة على هذه الصداقات يحمل العديد من السلبيات ويظل محفوفاً بالمخاطر خاصة بالنسبة إلى المراهقين والأطفال، فمن سلبيات هذا النوع من الصداقات أنه يتم من خلال عالم افتراضي ومن وراء شاشة، فمن السهل جداً أن يستخدم الشخص الكذب وانتحال شخصية مزيفة للإيقاع بالمراهقين والأطفال وحتى البالغين أحياناً، إضافة إلى أن هذه الصداقات قد تسمح بالمزيد من التجاوزات في المحادثات دون وجود أي رقابة والتي قد تتطرق إلى موضوعات غير أخلاقية. وقد يتعرض المراهقون والأطفال وحتى البالغون إلى محادثة أشخاص لا يعرفونهم تحت مسمى "الصداقة الإلكترونية" والتي قد توقعهم ضحايا للاعتداءات الإلكترونية، والذين قد يقنعونهم باسم الصداقة إلى التورط في علاقات مشبوهة أو القيام بممارسات لا أخلاقية، لذلك فلا بد من تجنب الخوض في أي تفاصيل شخصية عند التحدث مع الغرباء، وعلى الرغم من أن صداقات الإنترنت تسمح بمزيد من التواصل الاجتماعي والإنساني إلا أنها في الكثير من الأحيان تفتقد إلى الشفافية والمصداقية، فالأقنعة من خلال العالم الافتراضي متاحة لمن يريد أن يرتديها، كما أن هذا النوع من الصداقات قد يسهم في زيادة الفجوة الأسرية، فقضاء ساعات طويلة أمام شاشة الحاسوب يزيد من عزلة الفرد وانطوائيته عن محيطه الاجتماعي الطبيعي، وربما قد لا يتواصل مع أسرته وإخوته في نفس المنزل بنفس الطريقة التي يتواصل بها مع الغرباء عبر الإنترنت، وقد يتسبب هذا بالإصابة بـ"داء التوحد المكتسب"، حيث لا يستطيع الإنسان العيش بمفرده، فهو بحاجة إلى صديق يؤنسه في رحلته، ويشاركه عدداً من اهتماماته ومشاكله. فيقابل كثيراً من الناس المختلفين عنه في الطباع والأفكار، فمنهم من يكون وجوده فرضاً عليه في العمل أو على مقاعد الدراسة، ومنهم من يكون وجوده بحكم الجيرة، ومنهم من يكون صديقاً قريباً إلى قلبه يشعر به، ويفهم ما يجول بخاطره".
امتحان عقبات الحياة
ويؤكد د.عبداللطيف أن "الصديق هو ذلك الإنسان الذي يقف بجانبنا في أصعب الظروف، ويساعدنا على اجتياز العقبات في هذه الحياة، وهو الذي يعين على حل المشاكل أحياناً، وهنا تكمن أهمية الصداقة واختيار الصديق. فالصداقة مهمة وقد تكون أحياناً أهم من العلاقة مع الأقارب، فقد يبوح الإنسان بأسراره إلى صديقه ولكنه يخجل من البوح بها لأحد أقاربه. كما أن الصديق قد يكون قريباً أكثر من الأقارب، وبذلك يكون الصديق الوفي موضع كتمان السر وعلينا اختيار الصديق ذي الحكمة والصادق ليدلنا على الطريق الصحيح. ولا بد أن تبنى الصداقة باعتبارها علاقة اجتماعية وثيقة ودائمة على مجموعة من الأسس وأهمها التوافق الفكري، والحب، والتفاهم، والألفة، والثقة، والالتزام، والإخلاص".
وتابع : "تتميز الصداقة بثلاث خصائص أساسية هي الاعتمادية المتبادلة، من خلال تأثير كل طرف في مشاعر ومعتقدات وسلوك الطرف الآخر، وتشمل العلاقة أنماطاً مختلفة من النشاطات والاهتمامات المتبادلة، أيضاً قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة الدافعية في الطرف الآخر".
صداقة الذكور والإناث
وعن الفرق بين صداقة الذكور والإناث ، قال: "يستمع الذكر ويتحدث لأسباب تختلف عن الأنثى، فهو يتكلم في الغالب لتحقيق هدف معين، كالاستفسار عن أمور معينة، أو لتكوين علاقة عاطفية، أو توضيح وجهة نظر معينة أو لجمع المعلومات، أو الحصول على حل لمشاكله، أما بالنسبة للأنثى فالصداقة بالأساس هي اتصال ودي ومحاولة لتكوين جو ملؤه المحبة والوئام والدعم، لذلك تلجأ لإقامة العلاقات الاجتماعية. وهي تتحدث لاكتشاف شيء ما، أو لاكتشاف نفسها".
ورأى أن أثر الصداقة على العلاقة الزوجية لها أثر بالغ، حيث إن البعض يعتقد أن الزواج قد يدمر الصداقة دائماً، ونحن نرى العكس تماماً لأن الزواج يحسن منها والعكس صحيح. ففي الغالب أن الزوجين يتجهون إلى إقامة صداقات مع أناس على شاكلتهم وحياتهم مليئة مثل حياتهم، والصداقة توفر فسحة الخصوصية الضرورية للزوجين، والزواج يغير الصداقة إلى الأفضل في أغلب الأحيان.
وقال إنه "من الممكن أن يؤدي الزواج بشكل غير مباشر إلى ضياع الصداقة، لأن الكيفية التي يؤثر بها الزواج على الصديق قد تتسبب بظهور صفات مزعجة لم تكن ظاهرة من قبل".
وأضاف: "للصداقة تأثير كالسحر، فهي تربط بين الصديقين ارتباطاً وجدانياً، فقد يكون الصديق بمثابة دواء إذا أعطيته شيئاً من وقتك لإشراكه في حياتك، عن طريق الزيارات، والمشاركة في النزهات، أو عن طريق كتابة رسالة للسؤال عنه أو التعبير عن مشاعرك تجاهه. فعلينا أن نتعلم كيف نكون أصدقاء بمهارة، وأن نحافظ على هذه العلاقة الطيبة مهما واجهها من ظروف خارجية".
* مدن: تراجع العلاقات الإنسانية وتقلص الصداقات الحقيقية
* د.الحمادة: وجوب الرقابة على الصدقات الإلكترونية لسلبياتها الكثيرة
هدى حسين
ارتبط ظهور مفهوم الصداقة الإلكترونية مع ظهور شبكة الإنترنت، وتعددت أشكالها من "منتديات" سابقاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي حالياً. واستطاعت التكنولوجيا أن تخلق عالماً من التواصل الإنساني، حيث تضم حسابات الكثير من أصدقاء وصديقات افتراضيين قد يكون المئات منهم معرضين لمضايقات، الأمر الذي يسبب لهم أضراراً نفسية كما يشير له الكثير من علماء النفس والاجتماع. ويبقى التساؤل عما إذا كان أصدقاء "السوشل ميديا" يحلون محل الصديق الحقيقي؟
وحول ذلك، قال سلمان عيد إن "العلاقات في الواقع والشخصيات المختلفة في حياتنا تجعلنا نعرف كيفية التعامل معهم وما الكلام الذي يصح قوله أمامهم، في إطار الحدود الاجتماعية، لكن في العالم الافتراضي تلغي هذه الحدود خاصة عندما يشارك المستخدم كافة المعلومات الخاصة به مع الجميع، ونتيجة لذلك، قد يفقد الشخص الذي لديه مئات الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصيته، ويعرض نفسه لأضرار نفسية تطال سمعته، ويصبح ضحية لسوء استخدام البيانات من قبل الآخرين".
من جانبها، قالت ساجدة تركي إن "الصديق الإلكتروني لا يمكن أن يحل محل الصديق الحقيقي، لأن صديق "السوشل ميديا" سيكون منحصراً في هذا المجال للتواصل معه، بينما الصديق الحقيقي سيكون دائماً في قلب الواقع والحياة الشخصية".
واختلفت معها نور كويتان والتي أشارت إلى أن بعضهم يحل محل الصديق الحقيقي، وقالت: "البعض تكون علاقتي معه واضحة وصريحة وقائمة على الصدق والإخلاص وممكن أن نلتقي أيضاً في الحياة الواقعية، أما البعض الآخر لا يحل محل الصديق الحقيقي كون علاقتي معه سطحية في حدود تلك المواقع الإلكترونية فقط، ولكل منهم صفاته ومميزاته ومواقفه، كل هذا يظهر في المواقف".
وقالت دانه محمد، إن "الصداقة الإلكترونية هي أناس تجمعك فيهم شاشة، ولكن ربما يكونون أقرب لك من بعض الناس حولك، ومواقفهم معك عن ألف صاحب واقعي".
أما علياء الموسوي فقالت: "ليسوا جميعهم أصدقاء ولكن هناك فعلاً بعض المعارف التي من نتقاسم معهم الأمل والسعادة والجمال في مواقع التواصل الاجتماعي" .
وأكدت مريم خالد أن "الصديق الافتراضي الشخص لا تعرف بيئته أو خلفيته، وربما وراء الشاشة يكون مختلفاً تماماً عن الواقع، فالأصدقاء الحقيقيون هم من يقفون معك في الشدة قبل الرخاء ولا يتخلون عنك في أول موقف سيئ يحصل لك".
ويقول علي حسين إن "الصديق في السوشل ميديا لا يمكن أن يكون صديقاً حقيقياً حتى لو كان التواصل معه كل يوم وخلال 24 ساعة عبر تلك المواقع، الحب والاهتمام والخوف والإحساس بالراحة والمواقف الطيبة هي التي تجمع بين الأصدقاء الحقيقيين"، إلا أن عبدالله حسن أكد أن "الصديق الحقيقي سيكون ملازماً لك في شدتك ورخائك والمزيف سيكون ملازماً لك في رخائك فقط وبعيد عنك في شدتك".
الصداقة بين الجوهر والزيف
من جانبه، قال معلم التربية الإسلامية الحاصل على ماجستير في التفسير وعلوم القرآن موسى الطارقي: "لقد حث الإسلام على حسن اختيار الصديق لأهميته القصوى في التأثير على صديقه بل وجعله الإسلام ضمن أقرب الناس إليك، فقد جاء في سورة النور التي وضعت آداباً عظيمة تخص العلاقات بين الأقارب ومنها زيارة الأقارب ودخول بيوتهم والتواصل معهم، فذكرت السورة جميع الأقارب، وختمت الآيات بذكر الصديق ليدل على أهمية هذه العلاقة وأنه مثل الأقارب الذين يتصلون بالإنسان فقال سبحانه: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم) فجعلت الآيات الصديق من أهم العلاقات وأروعها بل وذكرتها مع أقرب الأقارب، ولاحظ أيضاً أن الآية ذكرت جميع الأقارب بصيغة الجمع إلا الصديق فذكرته بصيغة المفرد ليضيف معنا جديداً وهو أن الصديق القريب إلى النفس والأثر عليها نادر، ولا يصل إلى هذه المرتبة إلا القلة من الناس لتشير الآية بأهمية تخير الصديق. وعبر الحديث الشريف بعلاقة الصداقة وجعله الجليس الذي تأنس النفس به فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء: كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنةً". متفقٌ عَلَيهِ. وهذا يشير بأن اختيار الصديق له مكانة عظيمة وشأن كبير، فهو من يؤثر على سيرك في هذه الحياة فتنبه".
ويضيف الطارقي: "نرى اليوم نشوء صداقات سريعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشكل علاقات متشابكة مما يجعل الحذر منها والاحتياط فيها من أهم الواجبات، لقلة المصداقية فيها، مع عدم نفي النية الصادقة عند بعض الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي، والمطلوب من المستخدم لهذه الوسائل الحذر الشديد مع من تنشأ معهم الصداقة عبر هذه المواقع وعدم الإدلاء بمعلومات قد تضرك". ويضيف: "والحذر كل الحذر من الصداقة بين الجنسين -الشباب والفتيات- فإنها قد تجر ويلات لا تحمد عقباها على الطرفين أو أحدهما، فكم من ابتزاز حصل، وفضح لخصوصيات كان سببه صداقة إحسان أحد الطرفين الظن في الطرف الآخر، ثم كانت النتيجة عاقبة وخيمة وندماً".
المعارف كثيرة والصداقات قليلة
من جانبها، قالت الأخصائية الاجتماعية منال مدن إن "الصداقة من أسمى العلاقات الإنسانية و الاجتماعية، وهي علاقة بين شخصين أو أكثر تقوم على أسس راقية أهمها الصدق والإخلاص والتعاون والمودة وتتميز بالمنفعة المتبادلة في الظروف الصعبة".
وتؤكد على أن "الصداقة علاقة ثابتة ودائمة، ولها مراحل تختلف من فئة عمرية لأخرى، إلى جانب ثلاثة أبعاد وهي الاعتمادية المتبادلة التي يفترض أن يقدم كل طرف للآخر خدمات متنوعة مادية ومعنوية والميل إلى المشاركة في الاهتمامات وقدرة كل طرف على استثارة انفعالات قوية لدى الطرف الآخر ومن خلال ذلك تكتمل الصداقة".
وقالت مدن: "على الأشخاص وضع قوائم بأسماء أصدقائهم وتحديد العلاقة الاجتماعية التي تربطهم بهم، حيث إن هناك الكثير من الأسماء يتعلقون بأوقات الفراغ، أو ربما يتعلقون مناقشة الأمور المهمة، وهناك من تدعوه للذهاب إلى السينما، وهناك من تتصل له عندما تمرض أو في أثناء الانفصال عن شريك حياتك أو عندما تنتقل من عمل لآخر، قد تتضمن القائمة أكثر من شخص، وقد تتغير الأسماء بمرور الوقت، وإن صداقات بعينها قد تغيرت من فترة إلى أخرى، وهناك أشخاص يعتمدون على نفس الأصحاب الأساسيين وعلى عددهم بطريقة مذهلة".
وأوضحت مدن أن "اليوم مع تزايد الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت وسهولة التعارف، فقد تراجعت العلاقات الإنسانية واضمحلت وتقلصت الصداقات الحقيقية التي تتلاقى فيها التوجيهات الفكرية والوجدانية، وتم التعويض عنها بتلك العلاقات الرقمية، وقد أصبح صديق الإنترنت هو الذي نلجأ إليه ليسمعنا وهو الذي يدخل في تفاصيل حياتنا اليومية".
ولفتت مدن إلى أن "صداقة الإنترنت وإن كان البعض منها ناجح فهي لا تلغي أبداً العلاقة الحقيقية السامية التي تعتمد على اللقاء والحديث المباشر حيث تبرز فيها لغة الجسد بأحسن صورها، فالعلاقة التي لا يتم فيها تبادل المنفعة لا تستمر، وعلاقات الإنترنت غير حقيقة في أغلبها، وتظهر بألقاب وهمية ومعلومات مغلوطة وأهداف ونوايا سيئة حيث يتأثر بها الفرد والمجتمع".
وعن صداقة الرجل بالمرأة في مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف برامجها، قالت "إذا استطعنا أن نحافظ على الحيز الشخصي بين طرف والآخر مهما كانت علاقة الصداقة والتعارف قوية يفترض وجود حدود فاصلة، فالعلاقة المفتوحة 100% وكشف الذات للآخر بكل سلبيات وإيجابيات باعتقادي علاقة خاطئة ولا ترتقي لعلاقة الصداقة بأي شكل من الأشكال".
الصداقة والعالم الافتراضي
وقال استشاري الطب النفسي في مركز سلوان للطب النفسي د.عبداللطيف الحمادة إن "التكنولوجيا استطاعت أن تخلق عالماً جديداً من التواصل الإنساني والاجتماعي، فكان ظهور الإنترنت سبباً في ظهور مفهوم جديد للصداقة، وهو الصداقات الإلكترونية التي باتت ظاهرة منتشرة في شتى المجتمعات وتعددت أشكالها من مواقع ومنتديات ومواقع تواصل اجتماعي وغيرها".
وأشار د.عبداللطيف إلى أن "الأشخاص الذين لديهم الكثير من الأصدقاء أو المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي معرضون لفقدان الخصوصية وللمضايقات، الأمر الذي يتسبب لهم في أضرار نفسية عديدة، وأن الأشخاص الذين تضم حساباتهم مئات أو آلاف المتابعين أو الأصدقاء الافتراضيين، هم أكثر عرضة إلى تعليقات قد تسيء لسمعتهم وصحتهم النفسية، فكلما زاد عدد الأصدقاء بات من الصعب تحديد توجهاتهم وسلوكياتهم".
وأكد على أن "الحدود الاجتماعية تتلاشى في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عندما يشارك المستخدم كافة المعلومات الخاصة به مع الجميع، ونتيجة لذلك، يفقد الشخص الذي لديه عدد كبير من الأصدقاء أو المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصيته، ويعرض نفسه لأضرار نفسية بليغة كالقلق والاكتئاب واضطرابات الكرب واضطرابات النوم والأكل وغيرها، ويصبح ضحية لسوء استخدام البيانات من قبل الآخرين".
وحول الرقابة ، قال د.عبداللطيف إن "غياب الرقابة على هذه الصداقات يحمل العديد من السلبيات ويظل محفوفاً بالمخاطر خاصة بالنسبة إلى المراهقين والأطفال، فمن سلبيات هذا النوع من الصداقات أنه يتم من خلال عالم افتراضي ومن وراء شاشة، فمن السهل جداً أن يستخدم الشخص الكذب وانتحال شخصية مزيفة للإيقاع بالمراهقين والأطفال وحتى البالغين أحياناً، إضافة إلى أن هذه الصداقات قد تسمح بالمزيد من التجاوزات في المحادثات دون وجود أي رقابة والتي قد تتطرق إلى موضوعات غير أخلاقية. وقد يتعرض المراهقون والأطفال وحتى البالغون إلى محادثة أشخاص لا يعرفونهم تحت مسمى "الصداقة الإلكترونية" والتي قد توقعهم ضحايا للاعتداءات الإلكترونية، والذين قد يقنعونهم باسم الصداقة إلى التورط في علاقات مشبوهة أو القيام بممارسات لا أخلاقية، لذلك فلا بد من تجنب الخوض في أي تفاصيل شخصية عند التحدث مع الغرباء، وعلى الرغم من أن صداقات الإنترنت تسمح بمزيد من التواصل الاجتماعي والإنساني إلا أنها في الكثير من الأحيان تفتقد إلى الشفافية والمصداقية، فالأقنعة من خلال العالم الافتراضي متاحة لمن يريد أن يرتديها، كما أن هذا النوع من الصداقات قد يسهم في زيادة الفجوة الأسرية، فقضاء ساعات طويلة أمام شاشة الحاسوب يزيد من عزلة الفرد وانطوائيته عن محيطه الاجتماعي الطبيعي، وربما قد لا يتواصل مع أسرته وإخوته في نفس المنزل بنفس الطريقة التي يتواصل بها مع الغرباء عبر الإنترنت، وقد يتسبب هذا بالإصابة بـ"داء التوحد المكتسب"، حيث لا يستطيع الإنسان العيش بمفرده، فهو بحاجة إلى صديق يؤنسه في رحلته، ويشاركه عدداً من اهتماماته ومشاكله. فيقابل كثيراً من الناس المختلفين عنه في الطباع والأفكار، فمنهم من يكون وجوده فرضاً عليه في العمل أو على مقاعد الدراسة، ومنهم من يكون وجوده بحكم الجيرة، ومنهم من يكون صديقاً قريباً إلى قلبه يشعر به، ويفهم ما يجول بخاطره".
امتحان عقبات الحياة
ويؤكد د.عبداللطيف أن "الصديق هو ذلك الإنسان الذي يقف بجانبنا في أصعب الظروف، ويساعدنا على اجتياز العقبات في هذه الحياة، وهو الذي يعين على حل المشاكل أحياناً، وهنا تكمن أهمية الصداقة واختيار الصديق. فالصداقة مهمة وقد تكون أحياناً أهم من العلاقة مع الأقارب، فقد يبوح الإنسان بأسراره إلى صديقه ولكنه يخجل من البوح بها لأحد أقاربه. كما أن الصديق قد يكون قريباً أكثر من الأقارب، وبذلك يكون الصديق الوفي موضع كتمان السر وعلينا اختيار الصديق ذي الحكمة والصادق ليدلنا على الطريق الصحيح. ولا بد أن تبنى الصداقة باعتبارها علاقة اجتماعية وثيقة ودائمة على مجموعة من الأسس وأهمها التوافق الفكري، والحب، والتفاهم، والألفة، والثقة، والالتزام، والإخلاص".
وتابع : "تتميز الصداقة بثلاث خصائص أساسية هي الاعتمادية المتبادلة، من خلال تأثير كل طرف في مشاعر ومعتقدات وسلوك الطرف الآخر، وتشمل العلاقة أنماطاً مختلفة من النشاطات والاهتمامات المتبادلة، أيضاً قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة الدافعية في الطرف الآخر".
صداقة الذكور والإناث
وعن الفرق بين صداقة الذكور والإناث ، قال: "يستمع الذكر ويتحدث لأسباب تختلف عن الأنثى، فهو يتكلم في الغالب لتحقيق هدف معين، كالاستفسار عن أمور معينة، أو لتكوين علاقة عاطفية، أو توضيح وجهة نظر معينة أو لجمع المعلومات، أو الحصول على حل لمشاكله، أما بالنسبة للأنثى فالصداقة بالأساس هي اتصال ودي ومحاولة لتكوين جو ملؤه المحبة والوئام والدعم، لذلك تلجأ لإقامة العلاقات الاجتماعية. وهي تتحدث لاكتشاف شيء ما، أو لاكتشاف نفسها".
ورأى أن أثر الصداقة على العلاقة الزوجية لها أثر بالغ، حيث إن البعض يعتقد أن الزواج قد يدمر الصداقة دائماً، ونحن نرى العكس تماماً لأن الزواج يحسن منها والعكس صحيح. ففي الغالب أن الزوجين يتجهون إلى إقامة صداقات مع أناس على شاكلتهم وحياتهم مليئة مثل حياتهم، والصداقة توفر فسحة الخصوصية الضرورية للزوجين، والزواج يغير الصداقة إلى الأفضل في أغلب الأحيان.
وقال إنه "من الممكن أن يؤدي الزواج بشكل غير مباشر إلى ضياع الصداقة، لأن الكيفية التي يؤثر بها الزواج على الصديق قد تتسبب بظهور صفات مزعجة لم تكن ظاهرة من قبل".
وأضاف: "للصداقة تأثير كالسحر، فهي تربط بين الصديقين ارتباطاً وجدانياً، فقد يكون الصديق بمثابة دواء إذا أعطيته شيئاً من وقتك لإشراكه في حياتك، عن طريق الزيارات، والمشاركة في النزهات، أو عن طريق كتابة رسالة للسؤال عنه أو التعبير عن مشاعرك تجاهه. فعلينا أن نتعلم كيف نكون أصدقاء بمهارة، وأن نحافظ على هذه العلاقة الطيبة مهما واجهها من ظروف خارجية".